31/10/2011 - 13:33

الانتخاب التونسي والانتحاب السعودي../ علي الشرياوي*

ينتحب المثقف السعودي على الانتخابات بينما تقطع تونس الخضراء خطوات كبيرة في هذا المجال، فهل سيطول الانتحاب السعودي في ظل الانتخاب في بلدان الربيع العربي؟

الانتخاب التونسي والانتحاب السعودي../ علي الشرياوي*
لم تكن المشاركة الشعبية الواسعة في اختيار المجلس التأسيسي التونسي يوم الأحد 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011م بالمفاجأة غير المتوقعة، فالمطلع على الحراك التونسي الذي أسقط بن علي وتلاحم التونسيين إسلاميين وعلمانيين يمينيين ويساريين من أجل نهضة بلدهم والوقوف بها بعد الاستقلال الثاني، تلك الشراكة التي أفرزت مشاركة أكثر من 90% من التونسيين الذين يحق لهم التصويت في انتخابات أثنى على نزاهتها المراقبون بعد عقود من تزييف الإرادة الشعبية منذ الاستقلال الأول 1956 إلى أن أشعلها محمد البوعزيزي ثورة على النظام القمعي لابن علي. وسواء فاز بالانتخابات إسلاميون أوعلمانيون فذلك من نافلة القول، المهم أن يتم تمثيل إرادة الشعب التونسي على الساحة من غير تضخيم ولا تقزيم، لا يعنينا من فاز ومن سيفوز ما يعنينا هو الشعب التونسي.
 
تفاعل الشعب التونسي الذي تغنى بإرادة الحياة مستعيداً إرث أبو القاسم الشابي شاعر الخضراء مع التغيير وإدراك المعنى الآخر للحياة التي تتعدى المأكل والملبس والمادة والأسرة ليقف هذا الشعب الأبي على عتبة الحياة الكريمة بقيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، تفاعل مع التغيير ليغير القمع والاستبداد الذي عاشه قرابة قرن من الزمن تحت الاحتلال الفرنسي ونصف قرن في ظل نظامي بورقيبة وبن علي اللذين سعيا جاهدين للسيطرة على مقدرات الشعب التونسي ونهب خيراته وثرواته. هذا التفاعل مع التغيير سيمكنهم من التظهير والإفصاح عن توجهات وآمال وتطلعات هذا الشعب الذي كانت له الريادة في ثورات الربيع العربي.
 
وكان لنتائج الانتخابات التونسية أصداء متفاوتة بين التفاؤل والاستبشار وصولاً إلى درجة من التشاؤم نتيجة حصول حركة النهضة الإسلامية بقيادة الدكتور راشد الغنوشي على 50% تقريباً من مقاعد المجلس التأسيسي، والتي يمكن إرجاع نجاح الأحزاب والجماعات الدينية فيها - ليس في تونس وحدها - إلى عوامل منها.
 
1-    تدين المجتمعات العربية والإسلامية وسعيها لبناء أنظمة مدنية بصبغة إسلامية كما هو الحال في تركيا التي أقنعت الكثيرين باحتذاء نموذجها.
2-    القمع الذي عانته تلك الأحزاب والجماعات في ظل الأنظمة البائدة، فحركة النهضة في تونس والأخوان المسلمون في مصر وغيرها ساعدت في إرساء قواعد لتلك الشعبية خاصة في الريف والعشوائيات والتي نشطت فيها تلك الحركات بعيدا عن قمع وبطش الأنظمة البائدة.
3-    ضعف وصول الأحزاب والجماعات الأخرى إلى القاعدة الشعبية، فكثير من الأحزاب والجماعات السياسية تتوجه للنخبة في برامجها، بينما سعت التيارات الإسلامية لتقديم الخدمات ومساعدة الفقراء في الأرياف والقرى بما عاد عليهم بشعبية سعادتهم على الفوز.
4-    القدرة التنظيمية واللغة البراجماتية التي تتسم بها الحملة الانتخابية وقدرتها على الحشد الجماهيري إضافة إلى استخدام المساجد في الدعاية السياسية للحركة.
 
عبور التونسيين بنجاح إلى شاطئ الديمقراطية نشر السعادة في العالم العربي، والتي زاد من بهائها وجمال طلعتهاما ساهم فيه د. الغنوشي بتصريحاته الواقعية عن عدم سعي الحركة لأسلمة الدولة التونسية، وأنها ستحافظ على طابعها العلماني في تصالح جميل وصادق كما أظن مع جميع القوى التونسية، والتي سعى بعضها للتهويل والترهيب من مغبة اختيار وانتخاب النهضة في اجترار غير مقبول للتجربة الجزائرية. تلك التصريحات للغنوشي ساهمت في فوز النهضة في هذه الانتخابات وستساهم في المستقبل القريب، إن استطاعت الحركة التوفيق بين النظرية والتطبيق، في فوز مستقبلي بعد أشهر، والتي ستعتبر اختبار عملي لها وفي الإفصاح عن قدرتها على إدارة الاختلافات بينها وبين الأطياف السياسية التونسية، وما سعيها إلى التحالف في تكتل مع اليسار المعتدل المتمثل بـ"حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي يترأسه د. منصف المرزوقي إلا خطوة في الطريق الصحيح.
 
تونس تنتخب مجلسها التأسيسي، ونحن في السعودية ننتحب.. نعم ننتحب على انتخابات لم تأت، بل حينما جرت الانتخابات الجزئية للمجالس البلدية قبل أسابيع قليلة لم يشارك فيها أكثر من 10% من مجموع المسجلين في قوائم الناخبين. وكما مثلت تونس حلمها في التغيير وتطلعها لغد فيه من الأمل والرجاء ما دفعهم للمشاركة بنسبة مشاركة تعتبر تاريخية بـأكثر من 90% عبرت نسبة المشاركة التي لا تتعدى أكثر من 10% من مجموع المسجلين في قوائم والذين لا تتعدى نسبتهم إلى المجموع الكلي للسكان عن 2%  لتظهر درجة كبيرة من الإحباط من عدة جوانب منها على سبيل المثال لا الحصر؛ محدودية الصلاحيات التي تتمتع بها تلك المجالس، إضافة أنها لم تفض إلى خطوات أخرى تدعمها كانتخاب المجالس المحلية وصولاً إلى انتخابات مجلس الشورى.
 
 لهذا وغيره ينتحب المثقف السعودي على الانتخابات بينما تقطع تونس الخضراء خطوات كبيرة في هذا المجال، فهل سيطول الانتحاب السعودي في ظل الانتخاب في بلدان الربيع العربي؟
(القدس العربي)

التعليقات