10/11/2011 - 10:59

الاحتواء الغربي للثورات العربية../ د. فايز رشيد

المتتبع لموقف الولايات المتحدة والأنظمة الغربية عموماً من الثورات العربية، يلاحظ وبلا أدنى شك: الموقف المتدرج والانقلابي لها من هذه الثورات، ففي البداية: تأتي مطالبة النظام نفسه بالإصلاح والتطبيق الديموقراطي، ثم ومع رجحان كفة الحركة الشعبية العربية في بلدان الثورة، ينقلب الموقف الأمريكي-الغربي تماماً، ويصبح شعار المطالبة برحيل الرئيس هو السائد، وهو الأعم بالشكل الذي يبدو فيه هذا الموقف وكأنه حريص على ديموقراطية الجماهير العربية وعلى حقوق المواطن العربي في بلده!هذا ما حصل مع الرؤساء: بن علي وحسني مبارك والقذافي (الذي أشادت به الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً بعد تسليمه لها ما يسمى بالمشروع النووي الليبي وأدواته)

الاحتواء الغربي للثورات العربية../ د. فايز رشيد
المتتبع لموقف الولايات المتحدة والأنظمة الغربية عموماً من الثورات العربية، يلاحظ وبلا أدنى شك: الموقف المتدرج والانقلابي لها من هذه الثورات، ففي البداية: تأتي مطالبة النظام نفسه بالإصلاح والتطبيق الديموقراطي، ثم ومع رجحان كفة الحركة الشعبية العربية في بلدان الثورة، ينقلب الموقف الأمريكي-الغربي تماماً، ويصبح شعار المطالبة برحيل الرئيس هو السائد، وهو الأعم بالشكل الذي يبدو فيه هذا الموقف وكأنه حريص على ديموقراطية الجماهير العربية وعلى حقوق المواطن العربي في بلده!هذا ما حصل مع الرؤساء: بن علي وحسني مبارك والقذافي (الذي أشادت به الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً بعد تسليمه لها ما يسمى بالمشروع النووي الليبي وأدواته).
 
غني عن القول بالطبع: إن الولايات المتحدة وحليفاتها هي آخر من يفكر بالتطبيق الديموقراطي في الوطن العربي، لأن الحرية والديموقراطية في البلدان العربية لن تكون في صالح الولايات المتحدة ولا في صالح حليفتها الإسرائيلية ولا في صالح  الدول الغربية عموماً، فالأمة العربية والحالة هذه ستُفرز أنظمتها الديموقراطية التي ستتصدى لمشاريع واشنطن وتل أبيب بالنسبة للشرق الأوسط الجديد، وبالتالي: سيجري التصدي للهيمنة على المنطقة وسيعود الصراع العربي-الصهيوني إلى مربعه الأول، وإحدى أهم سماته: إستراتيجية عربية ترى في إسرائيل جسماً غريباً في المنطقة لا بد من إزالته....هذا الأمر ليس في صالح الغرب، وكذلك الأمر بالنسبة لاستثمارالأنظمة الديموقراطية  للثروات العربية  لصالح شعوبها، وأهمها النفط. تدخل الولايات المتحدة وحلفائها في العراق وأفغانستان وليبيا بواسطة الناتو، لم يأت من ود وعشق تجاه الشعوب في هذه البلدان، ولا من حرص على الحرية والديموقراطية فيها،  وإنما من منطلقات سياسية، اقتصادية جوهرها: الهيمنة على مقدرات المنطقة في مختلف المجالات بالتعاون مع الحليف الإسرائيلي.
 
الولايات المتحدة وحليفاتها هم آخر من يفكرون في مصلحة الجماهير العربية، فأين هو الدفاع عن حقوق الإنسان تجاه البلدان الحليفة لواشنطن؟ بالعكس واشنطن وأعوانها كانوا ضد تحرير الأسرى الفلسطينيين في صفقة تبادل الأسرى. وكل العواصم الغربية رحّبت وهنأت بإطلاق سراح جلعاد شاليط وغضبت من إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين... كما واشنطن! وأين هي المناداة بحقوق الإنسان في حادثة قتل القذافي والتمثيل بجثته بطريقة بشعة؟
 
التغير والتبدل في الموقف الأمريكي تجاه الحلفاء من الزعماء العرب، جاء من أجل امتصاص النقمة الجماهيرية على الولايات المتحدة ومواقفها في هذه الدول وركوب موجة التغيير، لذلك تمثلت إستراتيجتها الجديدة باستبدال رئيس برئيس جديد (سياسة تغيير وجوه ليس إلاّ!) مع بقاء القديم على قدمه. صحيح أن الحركة الشعبية العربية أفرزت تسيد الاتجاهات الإسلامية المعتدلة في بلدانها، وتحديداً حركة الإخوان المسلمين التي أظهرت الانتخابات في تونس أن حركة النهضة هي الأبرز، وأظهر الاستفتاء على الدستور في مصر بروزاً للإخوان المسلمين، وكذلك تصريحات رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي بأن الإسلام سيكون هو مصدر التشريعات في ليبيا. واشنطن تجاه هذه التغييرات في بلدان الثورة العربية كانت مرنة، وأعلنت كلينتون وزيرة الخارجية عن عدم ممانعة واشنطن للتعاون مع الحركات الإسلامية المعتدلة، إذا ما استلمت الحكومات في بلدانها، وبالفعل بدأت في مد خيوط الحوار مع هذه الحركات وخاصة في مصر.
 
من زاوية ثانية، فإن قوى المعارضة الرسمية في بلدان الثورات العربية ليست موحدة، وفيها اتجاهات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهي تفتقد أيضاً إلى البرامج التغييرية الراديكالية في بلدانها، كما تفتقد الرؤيا في استقراء ما مر وما سيمرّ من أحداث، ولذلك التحقت إلحاقاً بالحركة الشبابية الثورية العربية في ثوراتها، وهذه الأخيرة تفتقد إلى التنظيم وإلى الإستراتيجية وإلى البرامج، وإلى تحديد ملامح المرحلة القادمة في بلدانها، إلا من خلال توجهات وطنية عامة، وهذا لا يكفي لإطلاق كلمة ثورة على الذي حصل في هذه البلدان، فقد بقيت أدوات الدولة القديمة في أماكنها ومراكز قوتها المؤثرة، وبخاصة الجيش الذي وقف إلى جانب الجماهير في بعض مطالبها (وليس كل مطالبها)، وكان عاملاً مساعداً في التغيير، لكنه ليس التغيير الراديكالي أيضاً، الأمر الذي ساعد واشنطن على محاولة احتواء منجزات الثورات العربية، وبخاصة في ظل سياسة انفتاحية ومد جسور التعامل من قبل واشنطن مع الأدوات التي كانت وراء هذه المنجزات.
 
 لكل ذلك تريد واشنطن وحليفاتها أن تقتصر التغييرات العربية على بعض التغيير بحركة انتقالية من القمع إلى سياسة فيها بعض الانفتاح على العصر مع بقاء أشكال الحكم الجديدة في نفس إطار الحكم السابق في هذه البلدان، وبخاصة تجاه استمرار الانفتاح على واشنطن والغرب، وتجاه الصراع العربي-الصهيوني، في الاستمرار برؤية إسرائيل كمكون رئيسي في دول المنطقة، وتجاه المحافظة على المعاهدات معها (كما في الحالة المصرية مثلاُ)، وتجاه التعامل مع المخططات الأمريكية للمنطقة.
 
ليس تعليقاً على شماعة المؤامرة، وإنما انطلاقا من الواقع نقول: كسياسة استراتيجية مقصودة، تعمل واشنطن وإسرائيل والغرب على تغذية الطائفية والإثنية في المنطقة العربية، بهدف المزيد من التقسيم لبلدانها (وهو ما قال عنه الأستاذ هيكل: سايكس بيكو جديدة)، فالطبيعة تكره الفراغ، وبخاصة مع انعدام المشروع الوطني-القومي العربي، مما يتيح لبروز عوامل جديدة مؤثرة في المنطقة: إيران وتركيا بالطبع، إضافة إلى إسرائيل. تفتيت وحدة الأقطار العربية سيعمل على الصب في مجرى تحويل الصراع الأساسي في المنطقة من عربي-إسرائيلي أمريكي إلى صراع سني-شيعي وصراعات إثنية مختلفة وطائفية أخرى أيضاً: إسلامي-قبطي وغيرها. بالطبع لواشنطن أدواتها وأعوانها في المنطقة ممن يصبون في مجرى مخططاتها وأهدافها.
 
بالتالي، نحن مقبلون في المنطقة على صراعات جانبية أخرى كثيرة، ولم يكن انفصال الجنوب عن الجسم السوداني سوى البداية، ونحن مقبلون على محاولات جديدة كثيرة لاحتواء منجزات الثورات العربية أمريكياً وغربياً بكافة الوسائل والطرق.... لكن ليس كل ما يخطط له الغربيون وإسرائيل قدراً، بإمكان جماهيرنا إفشال هذه المخططات شريطة: إدراك ما يجري، من قبل قواها الحية والتي هي في النهاية أدوات التغيير والعمل على إسقاط هذه المخططات، وشريطة تجذير المنجزات الثورية العربية، وتوحيد القوى الوطنية على المستوى الوطني، وعلى المستوى القومي أيضاً، وتجاه إدراك حقيقة إسرائيل: باعتبارها ليست خطراً على الفلسطينيين فحسب ولا على فلسطين وحدها، وإنما على العرب والوطن العربي.

التعليقات