11/11/2011 - 07:00

ليست حملة تحريض فحسب../ عوض عبد الفتاح

ولكن التجمع الوطني الديمقراطي كان الرائد في مشروع تمزيق القناع عن الدولة اليهودية، ووضع التحدي الكبير أمام اسرائيل ونخبها المدعية الليبرالية. ولم يأتِ التحريض في البداية من أعضاء كنيست يلهثون وراء الإعلام والتسابق على التطرف ضد العرب، بل جاء من رئيس الشاباك السابق، عامي أيلون، في كتاب أصدره أوائل العقد الأخير. وقد جاء في الكتاب أن عزمي بشارة وحزب التجمع لا يعترفان بيهودية الدولة واقترح تقديم بشارة للمحاكمة الحزب من الترشح للكنيست. كما جاء أيضًا أن هذا الخطاب انتقل من هوامش المجتمع العربي إلى مركز الخارطة، وأصبح خطابًا مركزيًا.

ليست حملة تحريض فحسب../ عوض عبد الفتاح

ليست حملة التحريض الراهنة التي يشنها أعضاء كنيست من حزبي الليكود وكاديما ضد النائبة وعضو المكتب السياسي عن التجمع، حنين زعبي، على خلفية مشاركتها في المؤتمر الذي نظمته محكمة راسل ترايبونال في جنوب أفريقيا، الأسبوع الماضي، حملة تحريض فحسب. إنها ليست إلا مظهرًا من مظاهر الإستراتيجية الاسرائيلية الموجهة إلى الوجود الثقافي والسياسي والقومي، وإلى حدّ كبير الوجود الفعلي لعرب الداخل، مواطني الدولة العبرية وإلى الدور الذي يساهم به التجمع وقيادته، إلى جانب أصدقاء الشعب الفلسطيني، في تعبئة الرأي العام العالمي ضد إسرائيل. وهي إستراتيجية أعيد تجديدها وتطويرها في السنوات الأخيرة وجرى إزالة القناع عنها لتصبح سافرة ومباشرة. ومُحرّك هذه الاستراتيجية دافعان: الهوس من الديمغرافيا الفلسطينية، والفعل السياسي الناهض للمواطنين العرب. هذان من الدوافع التي تـُغذي الايدلوجيا الصهيونية منذ تحولها الى صهيونية سياسية-استيطانية اقتلاعية.

 لكن التوقف هنا، أي عند حقيقة استهداف الحقوق المشروعة لفلسطينيي الداخل (داخل 48)، أراضيهم والتضييق عليهم بهدف الحيلولة دون امتلاكهم مصادر القوة لتحقيق هذه الحقوق، لا يقدم صورة كاملة عن واقع السياسة الاسرائيلية تجاه هذا الجزء من شعب فلسطين.
 
وهذه السياسة قائمة قبل أن تكون هناك أحزاب عربية قومية وقبل أن يكون أعضاء كنيست عرب. بل إن أكثر فصول السياسة دموية وعداء لحقوق المواطنين العرب التي اعتمدت منذ النكبة، نفذت بغياب هذه الأحزاب وبوجود أحزاب عربية اسرائيلية قبلت إسرائيل كيهودية منذ اليوم الأول وأنشدت النشيد الوطني الاسرائيلي، وزينت مؤتمراتها بالأعلام الاسرائيلية "مثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي"، وأيضًا وبوجود قوائم عربية مرتبطة بالأحزاب الصهيونية وخاصة بحزب المباي الحاكم الذي لم تبق منه اليوم سوى فلول تكافح من أجل البقاء. وهذه الفترة هي فترة الحكم العسكري الذي امتد منذ عام 1948 الى عام 1966.
 
فالحقيقة الكاملة هي أن المؤسسة الاسرائيلية استهدفت التيار القومي المتجدد، حزب التجمع الوطني الديمقراطي وقياداته بصورة منهجية أكثر من غيرها وذلك بحجة تطرفه، وهذا ليس إلا جزءا من الدعاية الصهيونية للتعمية والتغطية على التناقض الكامن بين الديمقراطية ويهودية الدولة، وبالتالي على عملية النهب المستمر لأراضي المواطنين العرب، وحشرهم في معازل تضيق عليهم يومًا بعد يوم.
 
والسبب الحقيقي وراء هذا الاستعداء الخاص لحزب التجمع هو ريادة هذا الحزب في تفجير الوعي الوطني مجددًا بعد نكوص وانحسار وطني عام كاد أن يجرف قطاعات واسعة من شعبنا داخل الخط الأخضر إلى مهاوي التحلل الوطني والأخلاقي، وذلك عبر إيجاد المعادلة القوية التي تعبّر بصدق عن رؤية ونظرة الغالبية الساحقة لعرب الداخل ولكيفية ونوعية العلاقة التي من المفروض أن تكون مع الوجود اليهودي الاسرائيلي في البلاد. وهي معادلة، ولأول مرة، تربط بطريقة حديثة نضال الحركة الوطنية داخل الخط الأخضر ضد الصهيونية مع نضال بقية تجمعات الشعب الفلسطيني.. باعتبار أن الهدف النهائي هو إسقاط نظام الأبرتهايد الاسرائيلي.. وتحقيق العدالة.
 
فهل لو اختفى التجمع، أو أي حزب وطني آخر يسير على طريق الكرامة القومية ستتوقف اسرائيل عن عملية النهب والسرقة والحصار والتمييز.
 
إن التجربة التاريخية لفلسطينيي الداخل تؤكد نه لولا وجود هذه الأحزاب الوطنية ولولا النضالات السياسية والشعبية والقانونية والتنظيمية التي خاضتها، لكان وضعهم أسوأ بكثير، ولما تحققت الإنجازات الكبيرة والتي تتمثل في الأساس في الحفاظ على الهوية الوطنية، وتحقيق مستويات كبيرة من التعليم، ناهيك عن استرجاع عشرات الآلاف من الدونمات من المصادرة ومن خلال توسيع مناطق النفوذ.
 
خططت إسرائيل منذ البداية لإضعاف مقومات الصمود والنضال وهدفت إلى تفكيك المجتمع العربي، عبر تحطيم البنية الاجتماعية – الاقتصادية التقليدية وعبر المصادرة وسياسة طمس الهوية العربية الفلسطينية، من أجل أن يتقدم المشروع الصهوني داخل الخط الأخضر بيسر. وجرى ذلك في ظل غطاء وحماية الغرب الأوروبي والأمريكي والتمجيد لديمقراطية الواحة العبرية. ولكن التجمع الوطني الديمقراطي كان الحزب الرائد في مشروع تمزيق القناع عن الدولة اليهودية، ووضع التحدي الكبير أمام اسرائيل ونخبها المدعية الليبرالية بطرحه مطلب المساواة الكاملة لمواطنيها، تحداها بقيم إنسانية وكونية يدعيها وتدّعيها الدوائر الغربية النافذة نيابة عنها.
 
ولم يأتِ التحريض في البداية من أعضاء كنيست يلهثون وراء الإعلام والتسابق على التطرف ضد العرب، بل جاء من رئيس الشاباك السابق، عامي أيلون، في كتاب أصدره أوائل العقد الأخير. وقد جاء في الكتاب أن عزمي بشارة وحزب التجمع لا يعترفان بيهودية الدولة واقترح تقديم بشارة للمحاكمة ومنع الحزب من خوض الانتخابات للكنيست. كما جاء أيضًا في الكتاب أن هذا الخطاب انتقل من هوامش المجتمع العربي إلى مركز الخارطة، وأصبح خطابًا مركزيًا.
 
كما أن المخابرات الاسرائيلية أصدرت بيانًا في الأيام الأولى من الهبة الشعبية العارمة التي اجتاحت الداخل ردًا على قمع ممارسات القمع الوحشي للانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، حملت التجمع المسؤولية عن هذه الهبة، وقالت إن قادة ونشطاء التجمع شوهدوا في المظاهرات والمواجهات. وهي حقيقة نعتز بها، فأين يتواجد القادة سوى بين الجماهير الثائرة. لكن الهبة كانت في غالبيتها عفوية. أما لجنة أور التي حققت في المواجهة فقد حققت مع ثلاثة أحزاب؛ الحركة الإسلامية الشمالية، والحركة الإسلامية الجنوبية والتجمع. ففي حين حققت مع رئيسي الحركتين، فإنها حققت مع رئيس التجمع (عزمي بشارة) وأمينه العام (عوض عبد الفتاح) أيضًا، وكان ذلك في إطار تحديد المسؤولية عن المواجهات.
 
وتواصلت بل تصاعدت بعدها عملية التحريض على الدكتور عزمي بشارة والحزب، وتكررت محاولات تجريمه ومنعه من الترشح للكنيست، وذلك قبل سنوات من لجوء المخابرات الاسرائيلية إلى فبركة تهمة أمنية له عام 2006. ولم تتوقف هذه الحملات حتى اليوم فقد ازدادت طردًا مع توسع حقوق هذا الحزب، وبروز قيادات شابة تحمل راية المشروع القومي الديمقراطي، مما يعني رسوخه في التربة الشعبية. وكل ذلك مردّه نشاط سياسي وشعبي قانوني وتحدّ أيدلوجي لا هوادة فيه للطبيعة الصهيونية غير الديمقراطية لإسرائيل.
 
يجب أن يكون واضحًا لجماهيرنا في الداخل ولكل من تعنيه حرية الرأي وحرية النشاط السياسي، وكل من تعنيه الكرامة الوطنية والانتماء إلى شعب فلسطين والأمة العربية، أن المؤسسة الاسرائيلية التي تسعى إلى التفرقة بين حزب التجمع وأحزاب أخرى، وتعمل على تصنيف الأحزاب بين متطرف ومعتدل، أنها لا تُميز بين المواطنين العرب على أساس تدخلهم في السياسة أو عدم تدخلهم. جميعهم يكتوون بنار التمييز والحرمان والعداء والحصار، وجميعهم لا يُعترف بهم كأقلية قومية يحق لها حقوق متساوية-قومية ومدنية في وطنها. وعليه فإن سياسة التمييز والنهب لن تنتهي بعد حرمان حنين زعبي أو أي قائد من التجمع من الترشح للكنيست. فلواء المعركة السياسية – معركة المواطنة الكاملة والهوية القومية التي يرفعها حزب التجمع هي معركة المواطنين العرب جميعًا، والتنازل عنها أو التراجع قيد أنملة عنها تحت تأثير حملة التحريض والتخويف والتضييق هو تنازل عن كرامة الإنسان العربي وعن هويته.

التعليقات