18/11/2011 - 13:26

في انتظار الوحدة الفلسطينية في الحالة العربية الراهنة../ عوض عبد الفتاح

لكن التجارب السابقة، تجارب الحوار والاتفاقات والإخفاق أو المماطلة في التنفيذ تجعل هذا الشعب يترقب اللحظة بحذر شديد، مع أن الأجواء بين الحركتين انحسرت حدتها بشكل كبير منذ لقاء أيار الماضي في القاهرة وإعلان المصالحة التي ينتظر تنفيذ شروطها

في انتظار الوحدة الفلسطينية في الحالة العربية الراهنة../ عوض عبد الفتاح
تتواتر التصريحات والمعلومات عن قرب التوصل إلى اتفاق بين أكبر حركتين فلسطينيتين فتح وحماس لإسدال الستار على حقبة الانقسام الكارثي الذي دام خمس سنوات حتى الآن. وينتظر الفلسطينيون في كافة مواقع وجودهم هذه اللحظة التاريخية منذ سنوات، وانتظر معظمهم وضع حدّ للنهج الذي قاد إلى انقسام منذ أكثر من عقدين، والبدء للتأسيس لمرحلة جديدة تقوم على دفن العار الذي لحق بالحركة الوطنية جراء هذا النهج، وهذا الانقسام، واستعادة مقومات الحركة الوطنية الفلسطينية الأصيلة القائمة على التناقض الجوهري بين نظام الأبارتهايد الكولونيالي والشعب الفلسطيني.
 
لكن التجارب السابقة، تجارب الحوار والاتفاقات والإخفاق أو المماطلة في التنفيذ تجعل هذا الشعب يترقب اللحظة بحذر شديد، مع أن الأجواء بين الحركتين انحسرت حدتها بشكل كبير منذ لقاء أيار الماضي في القاهرة وإعلان المصالحة التي ينتظر تنفيذ شروطها.
 
وقد ساعد على التوصل إلى الإعلان عن المصالحة والوصول إلى اتفاق في أيار الماضي، المتغيرات الدراماتيكية في العالم العربي خاصة في مصر وسوريا، حيث هدّدت المتغيرات في سوريا الموقع الذي كانت تحظى به حماس في هذا البلد العربي، مما دفعها الى التفكير في البديل المصري بعد الثورة هناك، حيث ينطوي المشهد هناك على بروز تيار حركة الإخوان المسلمين كقوة رئيسية. أما المرونة التي تجلّت في موقف السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن، فقد جاءت حصيلة خيبات الأمل المتكررة من الموقف الاسرائيلي-موقف حكومة نتنياهو. أي انسداد الأفق أمام التسوية التي طال عمرها أكثر مما يلزم. بل التي سلبت من الحركة الوطنية أثمن ما فيها.
 
أمام هذه الخطوة المتوقعة الهامة تقف تحديات هائلة، وتطرح أسئلة تنتظر أجوبة، تتصل في كيفية التعامل مع الردّ الإسرائيلي والردّ الغربي عليها. كما هو معروف فإن توحيد الحركة الوطنية الفلسطينية، وأن تكون حركة حماس قوة فاعلة فيها، ليست خطوة مقبولة من دولة الاحتلال. فعلى الرغم من التغييرات التي أحدثتها حركة حماس على مقاربتها للحل، وقبولها بدولة في حدود 67 فإن إسرائيل وبحكومتها الراهنة ستقوم بخطوات معادية ليس أقلها تجميد نقل عائدات ضرائب العمال الفلسطينيين.
 
ويودّ الكثيرون أيضًا أن يتأكدوا ما إذا كان من يضع الصيغة الجديدة للحركة الوطنية الفلسطينية، قادرًا على الصمود أمام الضغوط والتهديدات المتوقعة وتحمّل تداعيات تنفيذ اتفاق المصالحة وما يمكن أن ينطوي عليه من حل السلطة أو انحلالها، وتوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي بدونه لا يمكن أن تستعيد الحركة الوطنية الفلسطينية اعتبارها، وقيمها التحررية والأخلاقية.
 
لا تحتمل الساحة الفلسطينية خيبات أمل جديدة، ولا مغامرات غير محسوبة. نحن نعيش في مرحلة انشغال العالم العربي في أوضاعه الداخلية، في الثورات والانتفاضات الشعبية، وهي مرحلة تاريخية لن تنتهي فصولها ولن نعرف معالمها في المدى القريب. لكن ما هو واضح هو أن هذه الثورات تمرّ في منعطفات خطيرة، وحالة من خلط الأوراق، بسبب نهوض قوى الثورة المضادة والمحاولات الداخلية لخطف هذه الثورات، وبسبب مخططات التدخل العسكري والسيطرة على مقود الثورة واحتوائها وتكييفها مع مشاريع الهيمنة الاستعمارية. إن أنظمة الاستبداد وبسبب قصر نظرها وعجزها عن فهم الظرف التاريخي الجديد، مهّدت الطريق لهذه النتائج – أي للبطش بالمتظاهرين والثوار بلا رحمة والتدخل الأجنبي.
 
ففي هذه الظروف الرمادية وظروف الانشغال العربي الداخلي وعدم وضوح الأفق، وفي ظل غياب الملف الفلسطيني عن جدول أعمال العرب، ليس أمام الفلسطينيين من خيار سوى خيار إعادة بناء وحدتهم والصمود على موقفهم السياسي، والتهيئة للمرحلة القادمة.
 
إن انتفاضة الشعوب العربية، التي تتعرض الآن لمحاولات خطف واحتواء وتتهددها مشاريع خارجية قديمة-جديدة، لن تكون الفصل الأخير، وليس نجاح هذه المشاريع المعادية حتميًا. قد يستغرق هذا الفصل سنين من التنافر والتخبط والصراعات وخيبات الأمل، ولكن الإنسان العربي الذي يقدم روحه ودمه بجرأة نادرة، والشعب الذي يقدّم التضحيات، والذي أصبح أكثر وعيًا وثقة بقدرته على التغيير، وأكثر معرفة بشروط الحياة الحرة الكريمة-الحرية، العدل والمساواة، ودولة القانون والاستقلال الوطني لن يقبل بعد اليوم حياة العبودية والخنوع.
 
والشعب الفلسطيني، هو جزء من نسيج هذه الأمة العربيّة، والثائر ضد المشروع الكولونيالي الصهيوني منذ أكثر من مائة عام، لا بدّ وأن يجد الطريق في التفاعل الخلاق مع طاقات هذه الأمة وليس الانعزال عنها، وتحقيق وحدته واستعادة طريقه التحرّريّة هما شرطان أساسيّان لذلك.

التعليقات