25/11/2011 - 13:31

قصة الأسد والثعلب... وجامعة الدول العربية../ مصطفى طه

من يومها وحتى الساعة، كانت سوريا هي الروح التي أبقت هذا الجسم ذا الشلل النصفي على قيد الحياة، وبإعلان تعليق عضوية سورية فيه هو إعلان شهادة الدفن الرسمية لهذا الجسم الورقي الذي لا تكون قراراته بشبة الإجماع إلا في حالات التآمر

قصة الأسد والثعلب... وجامعة الدول العربية../ مصطفى طه
جامعة الدول العربية جسم بلا روح كما اعتدنا على مواقفها في كل الأزمات الحقيقية التي عصفت بتاريخ العرب الحديث، لغة التخاطب فيها عربية بحكم تركيبتها، ولكن الخيوط الرابطة لقراراتها أمريكيه بامتياز، كانت ولا زالت، وهذا الجسم الورقي الذي ولد ميتاً قبل أكثر من نصف قرن مع ما فيه من وهن كانت سوريا تشكل روحه بوصفها قائداً لمحور الممانعة منذ أن أدخل السادات أهم دولة عربية في "حظيرة" إسرائيل سنة 1979.
 
من يومها وحتى الساعة، كانت سوريا هي الروح التي أبقت هذا الجسم ذا الشلل النصفي على قيد الحياة، وبإعلان تعليق عضوية سورية فيه هو إعلان شهادة الدفن الرسمية لهذا الجسم الورقي الذي لا تكون قراراته بشبة الإجماع إلا في حالات التآمر.
 
كنا لنتفهم هذا العهر السياسي، ربما، على الدم العربي لو تحرك دم "الجامعة" عندما جربّت إسرائيل أسلحتها الفراغية والإنشطارية والهيدروجينية على لحم الطفل الفلسطيني واللبناني عام 1982 عندما كانت المدمره الأمريكيه "نيوجيرسي" تلقي بقذائف وزنها طنان على بيروت وسقطت أول عاصمة عربية بصمت عربي مذل.
 
كنا لنتفهم هذا العهر السياسي ربما، لو تحركت كرامتها عندما قادت أمريكا تحالفاً دولياً شاركت فيه الجيوش العربية فهدمت العراق وارتكبت أبشع الجرائم بأهله واستُعملت الأسلحة النووية الصغيرة في معركة المطار فأذابت الدبابات والجنود وسقطت بغداد الصمود بأيدي التتار الجدد من جديد سنة 2003.
 
كنا لنتفهم هذا العهر السياسي، ربما، لو استكفت معظم الدول الأساس فيها بموقف المتفرج في حرب تموز سنة 2006 التي استهدفت المقاومة اللبنانية، وهُدم ثُلث لبنان، وتحول الجنوب الى رماد، وشرد منه اكثر من نصف مليون إنسان. لو كانوا متفرجين فقط ، لتفهمناهم ربما، لأننا ندرك أنهم ليسوا أسياد أنفسهم إذ حين يتحرك الرأس ينساق الذيل خلفه طوعاً، فشاركت معظم الدول العربية في المؤامرة ضد المقاومة اللبنانية إما بصمت قاتل وإما بالتحريض السري والعلني احياناً باستكمال مهمة القضاء على المقاومة تنفيذاً لقرارات كوندليسا رايس حينها، باستثناء سوريا التي شكلت الظهر الأمتن للمقاومة وصمدت رغم الضغط والتهديد والاغراءات الكثيرة التي عٌرضت عليها للتخلي عن المقاومة.
 
كنا لنتفهم هذا العهر السياسي للجامعة العربية على الدم السوري لو تحركت قطرة دم في عروق هذه المؤسسة الورقية حين غرست إسرائيل أحَّد انياب حقدها في لحم الطفل الفلسطيني في غزة نهاية سنة 2008 ومطلع سنة 2009 حين استعملت الفوسفور الابيض وفرضت حصاراً إجرامياً لا زال قائماً على غزة، فأين كان ضميرهم الغائب عندما كان الأطفال يستصرخون الغذاء والدواء؟! في حين كانت سوريا، ولا زالت، تحتضن فصائل الثورة الفلسطينية حتى الساعة.
 
كنا لنتفهم هذا العهر السياسي للمؤسسة التي نفثت روحها يوم مولدها لولا النفس الاصطناعي الذي عاشت بفعله وشكل الموقف السوري أوكسجين الحياة لو لم تسقط في جميع المحكّات الأساسية وعند الأزمات الحقيقية التي تعرضت فيها دول عربية لاعتداءات أجنبية وكأن الأمن القومي العربي يصبح هنا قضية فيها وجهة نظر.
 
كنا لنتفهم ربما، أمراء وملوك وسلاطين العرب حرقتهم القاتلة على ديمقراطية سوريا لو أن العروش الجالسين عليها لم تورث أباً عن جد بعد أن رسم الاستعمار حدود المحميات التي يقيمون فيها، ونذكر جيداً كيف طٌرحت فكرة حلف بغداد في أواخر الخمسينيات رداً على الوحدة المصرية السورية، ونذكّر أيضاً أن اتحاد الدول الخليجية المصدرة للنفط كان رداً مضاداً لفكرة الوحدة العربية التي شكل عبد الناصر محركها الأساس، كما طٌرحت حينها فكرة اتحاد الامارات العربيه مباشرةً بعد أن أعلن اليمن انضمامه للوحدة المصرية السورية ولو رمزياً، لقطع الطريق على المد الناصري الذي كاد أن يجتاح الوطن العربي حينها.
 
الدول التي لا زالت المرأة فيها تناضل في القرن الواحد والعشرين من أجل حرية التصويت، وحرية قيادة السيارة هي من تقود معركة تحرر الشعوب العربية؟!! عجباً.. الدول التي لا زالت فيها قرارات الحكم تصدر على النحو التالي: "السجن لثمانية اشهر و (300) جلدة مقسمة على (6) دفعات لذوات العيون المثيرة للفتنة"، هي من تنظّر للديمقراطيات؟!! يا لسخرية القدر.
 
لولا نفطكم يا حضرات لما سمع بكم أحد، ولولا أموالكم ومطاراتكم التي انطلقت منها المدمرات الأمريكية لما سقط العراق بحرب مُولت من ثروة بلادكم التي تتقاسمها الأسر المالكة، لولا قوة مالكم لما استطعتم فرض قراراتكم على مؤسسة جائعة معظم شعوبها كجامعة الدول العربية التي أصبحت في ذمة الله بقرارها البائس..
 
استعرضت قليلاً بعض العناوين التي تصدرت عناوين معظم وسائل الإعلام قبل وبعد صدور قرار تعليق عضوية سورية هذا بعضها:
"ترحيب غربي بتعليق عضوية سوريا مع صورة لأوباما وساركوزي الذي أشار إلى أن فرنسا تدعو المجتمع الدولي للاستماع إلى الرسالة من قبل الدول العربية وتدعو المجتمع الدولي للتصرف بمسؤولية دون تأخر".
منظمة العفو الدولية:"قرار الجامعة هذا يجب أن يمهد الطريق لمجلس الأمن، وأضافت: حان الوقت لمجلس الأمن الدولي لاتخاذ خطوة فعالة تستجيب لأزمة حقوق الانسان في سوريا".
الملك عبدالله الثاني: لو كنت مكان بشار لتنحيت".
المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا، محمد رياض شقفه: " السوريون سيقبلون تدخلاً عسكرياً تركياً".
"من يتقي الله يطرد سفيراً سورياً" شعارات إخوانية بامتياز في "جمعة طرد السفراء" فرحاً بالموقف الذي صدر من القاهرة التي تحتضن السفير الإسرائيلي حتى الساعة منذ اثنين وثلاثين سنة..
 
لا ادري لماذا استدعتني هنا "نكته" الأسد والثعلب وأنا اكتب هذا المقال وهي كالتالي:
تراهن أسد وثعلب من الأقوى، فاقترح الثعلب على الأسد أن يحاول كل منهما ربط الثاني بحبل يلتف عليه بقوة حول جذع الشجرة، وكان البدء للأسد فلف الحبل حول جسم الثعلب على جذع الشجرة وطلب منه أن يفلت نفسه إن كان قوياً فعلاً كما يدعي، حاول الثعلب وحاول حتى يئس معترفاً بضعفه وطالب الأسد بفكه ففعل.
جاء دور الثعلب ولف الحبل مرات ومرات حول الأسد ووثقه بقوة الى جذع الشجرة وقال للأسد: أثبت قوتك وحل نفسك إن كنت أسد الغاب فعلاً. حاول الأسد بكل قوته مرات ومرات حتى عجز وطلب من الثعلب فك وثاقه.
وقف الثعلب بغدره وخبثه ضاحكاً مستهزئاً وقال: لقد وقعت في الفخ، لن افك أسرك حتى الموت ذليلاً هنا حول جذع الشجرة وغادر وهو يقهقه ..
مرت ساعات وساعات وإذ بفأر صغير يطل من بين أصابع الأسد المغدور، فاقد الحيلة، وقال للأسد: أتريد ان أفك أسرك؟! ضحك الأسد على حاله ورد إيجاباً .. قضم الفار الحبل وقضم حتى انقطع وحرر الأسد من أسره... وهنا وقف الأسد صامتاً لدقائق ومن ثم قال: "والله هالبلاد اللي بربط فيها الثعلب وبحل فيها الفار ما عدت أسكنها"، قالها ورحل عن الغابة.
 
لو كنت ممثلاً لسوريا في جامعة الدول العربية عند اتخاذ قرار تعليق عضويتها لضربت لهم هذا المثل وأنا أهّم بالخروج.
العناوين الرئيسية حتى ساعة كتابة هذه الكلمات كانت تقول إن التدخل العسكري التركي في سوريا قضية وقت.
خيوط المؤامرة بانت، والمعارضة الوطنية الحقيقية يجب أن تفرز نفسها بوضوح لتصر على الإصلاح من ناحية، ورفض التدخل الأجنبي، وحماية حركات المقاومة العربية من ناحيه أخرى وطرح برنامج واضح للمصالحة ما بين النظام والمعارضة الوطنية الحقيقية والتي ليست على شاكلة عبد الحليم خدام وأمثاله.    

التعليقات