23/12/2011 - 13:58

من، وما الذي، يقف وراء العنف؟../ عوض عبد الفتاح

لا بديل عن الانتفاضة على أنفسنا، وعلى واقع القهر القومي، انتفاضة فكرية وتنظيمية تهزّ أركان العجز وأركان المؤسسة الاسرائيلية

من، وما الذي، يقف وراء العنف؟../ عوض عبد الفتاح
تشتد وطأة آفة العنف على مجتمعنا العربي الفلسطيني، وتحصد كل أسبوع تقريبًا المزيد من الضحايا، وما يُثير الهلع هو وقوع الأطفال أو الشباب الصغار ضحايا هذا العنف، كما حصل أوائل هذا الأسبوع في قرية الجديدة، وكذلك انحدار الممارسة العنفية إلى أشبه بحرب الشوارع التي شهدتها بلدات وأحياء عربية كالطيبة واللد من نفس الأسبوع.
 
مشاعر الذهول والصدمة والخوف تجتاح العديد من البلدات العربية، ويتعمق القلق على الأمن الشخصي. فلم يعد أحد يشعر أنه آمن من هذا العنف المتغوّل. هناك من سقط قتيلاً أو جريحًا أو كاد أن يُقتل أو يجرح لأنه كان بالصّدفة بالقرب من مسرح الجريمة.
 
مبادرات الغضب تنطلق في هذه البلدة أو تلك وتُنصب الخيام الاحتجاجية ضد المجرمين وضد الشرطة الاسرائيلية التي تتقاعس بل تتواطأ مع هذه الظاهرة. فالشرطة جزء من النظام العنصري وأحد أذرعه المنفذة لسياسات النظام، وهذا النظام العنصري لا يقلق من هذه الظاهرة طالما هي تقضم من مناعة "العدو العربي الداخلي" وتضعف مقوماته وقدراته على مقاومة مخططات نهب الأرض وخنق التطور وحصار الإنسان العربي، وتحدّ من "خطر" نموه الديمغرافي.
 
يبدو أن الكثيرين غير قادرين على الربط بين نتائج وأسباب ظاهرة العنف، رغم أن عددا من الباحثين الاجتماعيين في الداخل يكتبون عن ذلك مستندين إلى نظريات تشخيص الحالات الاجتماعية المختلفة.
 
لن يتوقف العنف ولن تتراجع وتيرته بصورة كبيرة من خلال المظاهرات والاحتجاجات وإقامة خيام الاعتصام، وعقد المؤتمرات لتشخيص خلفيات العنف المستشري. جميع هذه النشاطات والمبادرات هامة وضروريّة لأنها تحافظ على بعض ما تبقى من تماسك اجتماعي وأخلاقي بين أفراد المجتمع الفلسطيني في الداخل. ولكن ما يُقلق أنها تُعيق التعاطي مع المشكلة الآخذة بالتفاقم بمنظار شمولي، وبالتالي تُساهم في تكريس الوضع القائم، الوضع الآيل الى المزيد من التدهور والتأخّر، وبالتالي نحن نتكبّد المزيد من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية والأخلاقية.
 
نحن نحتاج الى انتفاضة، انتفاضة على أنفسنا وانتفاضة على المؤسسة الاسرائيلية الظالمة. نحن نحتاج إلى أن ننتفض على عجزنا، على الجمود وعلى الدوران حول أنفسنا. نحن نحتاج إلى استثمار الطاقات الكبيرة الفكرية والثقافية والتعليمية المتوفرة لدى شعبنا وخاصة الطاقات الشابة، ولكنها المتفرقة، وإلى البناء على التجربة الغنيّة المتراكمة في مواجهة نظام الأبارتهايد الاسرائيلي الكولونيالي منذ النكبة. الشعوب العربية المنتفضة ضد أنظمتها الاستبدادية انتفضت أولاً على الخوف واللامبالاة والقنوط.
 
كل أسباب الغضب الشعبي العارم متوفرة ولكن هذا الغضب لم ينطلق بعد ويتحوّل إلى فعل سياسي وشعبي شامل. ألا يجب أن نعالج أسباب ذلك. المجتمع العربي وقواه السياسية غير صامتة، فصوتها دائمًا مرتفع. ووصل هذا الصوت الى المحافل الدولية التي أجبرناها بعد حوالي عشرين عامًا من طرق بابها إلى تجاوز تحفظاتها من التدخل في "الشأن الاسرائيلي الداخلي"، وهو تبرير تسلحت به هذه المحافل في السابق.
 
لم تعد "الفزعات" كالإضراب العام والمظاهرات المرخصة تكفي؛ هي ضرورية في غياب الفعل المؤسساتي والشعبي الشامل. والإضراب الوطني بخصوص أهلنا في النقب كان ضروريًا ولكن ماذا بعد.
 
إن الانتفاضة على الواقع القهري يتطلب توفّر شرطين أساسيين:
الشرط الأول هو تشخيص علمي وموضوعي لواقع المجتمع العربي؛
الشرط الثاني استنباط استراتيجية خطة عمل للتعاطي مع الواقع.
 
بالنسبة للشرط الأول، لا بدّ أن يوضح للناس وجميع المؤثرين في الرأي العام، أن التشوّه الاجتماعي، والتحديث القسري المشوّه وانسداد الأفق أمام الناس وأمام الأجيال الشابة تحديدًا، واجتياح مظاهر الفقر لأكثر من 50% من مجتمعنا هو الذي ينتج مظاهر العنف ومظاهر التفكك الاجتماعي والأخلاقي. والمسؤول الأول والرئيسي عنه هو الدولة العبرية ونظامها العنصري الآخذ بالتغوّل ضد عرب الداخل. الدولة العبرية وبحكم أيدلوجيتها الصهيونيّة سرقت الأرض وطوّرت المجتمع اليهودي الاسرائيلي، ولكنها انتهجت خطًا معاكسًا ضد عرب الداخل، خطا استعماريا مُركّبا.
 
الشرط الثاني، لا يجب الانتظار للحظات ثورية التي قد تأتي قريبًا وقد لا تأتي إلا بعد زمن، بل يجب التحلّي بالجرأة وتجاوز الفئوية، والشروع في إعادة بناء مؤسساتنا الجمعية بصورة تدريجية ومتواصلة وفي مقدمتها لجنة المتابعة لتصبح عنوانًا لحكم ذاتي أو برلمانًا عربيًا وما يتفرع عنها من مؤسسات فرعية ثقافية واقتصادية وشعبية قادرة على التجاوب مع حاجات الإنسان العربي الفعلية.
 
ولكن لا بدّ من التذكير أن جماهير شعبنا قد لا تنتظر إطلاق صرختها المدوّية تحت وطأة المخططات التدميريّة الاسرائيليّة ضدهم فتفاجئنا وتفاجئ الجميع بثورتها مرة أخرى كما كان الحال في يوم الأرض عام 1976 وأكتوبر عام 2000 وغيرها من الانتفاضات المحلية المتفرقة، وتفرض حينها هيبتها على البنى القائمة. في كل الأحوال لا بديل عن الانتفاضة على أنفسنا، وعلى واقع القهر القومي، انتفاضة فكرية وتنظيمية تهزّ أركان العجز وأركان المؤسسة الاسرائيلية.

التعليقات