09/01/2012 - 12:33

قراءه أولية في اقتراح قانون "تنظيم إسكان البدو في النقب 2012"../ د. ثابت أبو راس*

حكومة إسرائيل بطرحها مسودة القانون تتقدم نحو مواجهة أخرى مع المواطنين العرب في هذه البلاد. المقدمة لذلك نراها يوميا بتصعيد قمعها لعرب النقب. رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو نصب نفسه حاكمًا عسكريًا بدون الإعلان عن حكم عسكري في النقب. رفض اقتراح القانون هو واجب الساعة. والسؤال ما نحن فاعلون؟ النجاح في صد هذه الهجمة الأعنف منذ العام 1948 تفرض علينا، قبل كل شيء، وحدة كل الأطياف الحزبية والفعاليات الاجتماعية والسياسية وتكثيف نضالنا الجماهيري والسياسي والتصرف كشعب يناضل من أجل وجوده ومن أجل مستقبله في وطنه

قراءه أولية في اقتراح قانون
نشر مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو قبل عدة أيام مذكرة قانون "تنظيم إسكان البدو في النقب". جاء ذلك في أعقاب تقرير برافر- عميدرور، الذي وضع خطة لتهجير أكثر من 40 ألف عربي بدوي في النقب وهدم غالبية القرى غير المعترف بها. وجاءت مذكرة القانون أسوأ من تقرير برافر ذاته. وتمتد هذه المذكرة ببنودها وتفسيراتها على 64 صفحة وتتضمن 85 بندًا مختلفًا، يكتنف الغموض لغتها وبنودها مما يجعل مهمة قراءتها وفهمها عصية على المواطن العادي، بل حتى على المختصين في القانون.
 
نظرة سريعة في اقتراح القانون ولغته توحي بأن أمورا كثيرة أجل البت بها وبقيت غامضة، وأمورا أخرى جرى التراجع عنها، وأعطيت لرئيس الحكومة صلاحيات واسعة لإصدار تعليمات جديدة وتقييدات أخرى بشأن مناطق "تنظيم الإسكان"و"مناطق التعويض" (بند 74). وحتى إبطال تعليمات لا تروق له. والأنكى من ذلك فقد ألقيت على عاتق رئيس الحكومة نتانياهو مهمة تعريف "من هو البدوي"الذي يسكن في النقب وبالتالي من يستحق التعويض ومن لا. كما تمنحه مذكرة القانون صلاحية تعيين لجنة التعويضات. حتى أن ممثل الجمهور العربي النقباوي الوحيد في اللجنة المكونة من خمسة أشخاص سيعين من طرف نتانياهو نفسه. هذا بالإضافة إلى حقه بإخفاء معلومات حول عمل اللجنة عن الجمهور الواسع. وحق هذه اللجنة باتخاذ قرارات حتى دون أن تجتمع أي عبر البريد الالكتروني – الايميل.
 
بداية نقول إن عنوان اقتراح القانون مغالط فالأصح أن يطلق عليه اقتراح قانون "سلب أراضي عرب النقب" بدل "تنظيم إسكان البدو". أما هدفه الأول فتنظيم ملكية الأرض في النقب. وأما الهدف الثاني فينتقل إلى "تطوير النقب لكل سكانه". نعم يصادرون أراضينا من أجل تطوير النقب لكل سكانه، وكأن هنالك مشكلة مع إسكان المواطنين اليهود في النقب.
 
أكثر ما يقلق في لغة مذكرة القانون هو التطرق إلى القرى غير المعترف بها وسكانها كمستوطنين عشوائيين وبحاجة لتنظيم وليس كسكان أصلانيين أصحاب هذه البلاد. لغة المذكرة توحي بأن عرب النقب هم عائقبيئي وديمغرافي يجب التخلص منه عن طريق إسكانه في بلدات. إن مصطلح التوطينيليق بمجتمعات مهاجرين وليس من سكن وأعمر النقب قبل قيام الدولة وقدوم الهجرة اليهودية إلى فلسطين. من جهة أخرى تركزت مذكرة القانون بقضية الأراضي وادعاءات الملكية. وفي أحسن الحالات وعند تعاون جميع مدعي الملكية مع القانون، فيما لو سن ببنوده الحالية، فإن عرب النقب الذين يشكلون 32% من سكان النقب سيمتلكون في أحسن الحالات حوالي 1% من أراضي المنطقة فقط.
 
اقتراح القانون لا ينص بتاتا على الاعتراف بقرى أو إقامة قرى أخرى جديدة. بالعكس فهو يتراجع أو يخفي وجود قرار بالاعتراف بثلاثة قرى في نطاق المجلس الإقليمي أبو بسمة. هذه القرى هي: أبو تلول والفرعة وعبده التي تجري هذه الأيام عملية تخطيط هيكلي لها بهدف الاعتراف بها. فقائمة بأسماء البلدات السبع وقرى أبو بسمة أتي على ذكرها، لكن تم حذف القرى المذكورة أعلاه من القائمة. كذلك فإن موضوع الاعتراف المشروط بالقرى غير المعترف بها والذي نص عليه تقرير غولدبرغ لم يذكر بالمرة في مذكرة القانون. حيث لم يذكر أسماء قرى من الممكن أن تعترف بها الدولة حسب ما جاء في قرارات سابقة لسلطات التخطيط.
 
كذلك فقد حددت وقصرت فترة تصديق الملكية إلى تسعة أشهر بدل سنتين ونصف كما جاء في تقرير برافر. كذلك من يتأخر عن تصديقه لادعاء ملكيته بين 9 إلى 19 شهرًا فالمقابل الذي سيحصل عليه سيكون هامشيًا. أما إذا لم تصدق الملكية خلال ال 19 شهر الأولى من إقرار القانون فمدعي الملكية لن يحصل على شيء. وسيتم تسجيل الأرض لصالح الدولة بعد خمس سنوات في حال لم يطبق مدعي الملكية "القانون". ولكن الموقف المبدئي يجب أن يرفض مطلب تصديق الملكيةنفسه ما دام أن ادعاءات الملكية هذه قد سجلت وقبلت في دائرة أراضي إسرائيل قبل 40 عاما.
 
وفي تفسير مذكرة القانون في كل ما يتعلق بمدعي الملكية "الذين لا يجلسون على أرضهم" ادعى كاتبوها "أن هناك فروقا بين من يسكن على أرضه ومن لا يسكن"، وأنه "لا توجد إمكانية عملية لتخصيص أراض زراعية لهؤلاء". في الوقت ذاته تمنح فيه الدولة آلاف الدونمات للمزارع الفردية اليهودية وتوزع قسائم بناء كبيرة في البلدات اليهودية القائمة أو المزمع إقامتها لكل من ينتقل من السكان اليهود الساكنين في المركز إلى منطقة الجنوب. ولا تخفي مذكرة القانون في تطرقها لمدعي الملكية غربي شارع 40 موقفها حيث ورد بأنه "وبسبب الصالح العام لإخلاء الأرض من أجل أغراض الاستيطان" فإن المقابل أو التعويض الذي سيمنح لمدعي الملكية سيكون "مقابلا ماديا فقط".
 
كذلك فإن التعويض على الأرض سيكون بأراض "زراعية أو صحراوية فقط". لذلك فقد وسعت منطقة التعويضات في الخارطة الوحيدة المرفقة إلى مذكرة القانون إلى الجنوب لتشمل أراضي صحراوية جنوبي مدينة ديمونا ومنطقة مفرق عرعرة وبلدة "يروحام" وعلى طول الجهة الشرقية لشارع 40 وشارع 211 وصولاً إلى مفرق النقب و"طلاليم" و"كيبوتس رفيفيم".
 
أما بالنسبة للتعويض على الأرض داخل مناطق النفوذ في البلدات فسيحصل مدعي الملكية على 25% من أرضهم فقط وليس 50% كما أشير سابقا حيث أن الاتفاق بين الدولة ومدعي الملكية يبدأ أولا بالتنازل عن 50% من الأرض، ومن ثم التنازل بعد هذا الاتفاق عن 50% أخرى "لأن سعر الأرض داخل منطقة النفوذ أعلى". والأنكى من ذلك أنه سيتم تعويض المواطنين بعشرة آلاف شيكل مقابل كل دونم أرض داخل منطقة البناء في البلدة، وسيتم بيع هذه الأراضي كقسائم بناء (500 متر مربع) بمبلغ 100 ألف شيكل. وسيتم تحديد عدد القسائم التي يستطيع كل شخص شراؤها حتى سبعة قسائم على أن يكون الحاصل على قسيمة بناء ابن 24 سنة على الأقل (حسب اقتراح برافر).
 
مذكرة القانون سيئة لأنها تضرب عرض الحائط بقوانين قائمة وتخضعها للقانون المقترح (بند 77). يشمل هذا الأمر قوانين إدارية قائمة وقوانين تنظيم وبناء. حتى قوانين الميراث لم تسلم من ذلك. الأمر الذي يذكرنا بقانون التسويات سيء الصيت. كذلك فاقتراح القانون ينص على حلول زمنية يبدأ بالتنازل عن غالبية الأرض لصالح الدولة وإخلائها من كل غرض، بما فيها قلع الأشجار، وموافقة مدعي الملكية على حق الدولة بالتصرف بها كما تشاء. ويشمل اقتراح القانون الحق في هدم البيوت دون أوامر هدم. ويعطى موظف "سلطة توطين البدو" الحق في التصرف كما يشاء "من أجل تطبيق القانون". ولا تستطيع المحاكم "تأخير تنفيذ القانون".
 
حكومة إسرائيل بطرحها مسودة القانون تتقدم نحو مواجهة أخرى مع المواطنين العرب في هذه البلاد. المقدمة لذلك نراها يوميا بتصعيد قمعها لعرب النقب. رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو نصب نفسه حاكمًا عسكريًا بدون الإعلان عن حكم عسكري في النقب. رفض اقتراح القانون هو واجب الساعة. والسؤال ما نحن فاعلون؟ النجاح في صد هذه الهجمة الأعنف منذ العام 1948 تفرض علينا، قبل كل شيء، وحدة كل الأطياف الحزبية والفعاليات الاجتماعية والسياسية وتكثيف نضالنا الجماهيري والسياسي والتصرف كشعب يناضل من أجل وجوده ومن أجل مستقبله في وطنه.

التعليقات