12/01/2012 - 10:26

فصل الخطاب../ ساطع نور الدين

أغرب من خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، ردود الفعل عليه. معظمها احتوى على مصطلحات غربية، ترد بين الحين والآخر في البيانات الرسمية الأميركية أو الأوروبية، مثل الانفصال عن الواقع أو الانقطاع عن العالم أو الإغراق في الدم، وصولاً إلى الاستنتاج أنه فقد شرعيته، ويجب أن يرحل

فصل الخطاب../ ساطع نور الدين
أغرب من خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، ردود الفعل عليه. معظمها احتوى على مصطلحات غربية، ترد بين الحين والآخر في البيانات الرسمية الأميركية أو الأوروبية، مثل الانفصال عن الواقع أو الانقطاع عن العالم أو الإغراق في الدم، وصولاً إلى الاستنتاج أنه فقد شرعيته، ويجب أن يرحل.
 
سيرة الأسد وتاريخه وتجربته، وبينها ما هو لبناني لم يطوه النسيان بعد، تسمح بالاستنتاج الفوري أن الخطاب كان واحداً من أبرز تجلياته، وقد عبر فيه عن شخصيته الحقيقية سواء عندما كان يقرأ من النص أو عندما كان يرتجل، وكشف عن خطته الفعلية التي لا تحتمل الجدل، والتي تستكمل صراعاً بدأه والده الراحل حافظ الأسد، واستعاد الابن بعض مصطلحاته وتصنيفاته وتوصيفاته التي كانت رائجة في ثمانينيات القرن الماضي، وأجرى مقارنة صريحة بين عناوين تلك المرحلة وبين عناصر الأزمة الراهنة.
 
ربما كانت هذه الاستعادة هي أهم ما جاء في الخطاب: الأسد الابن لا يزال في حقبة الثمانينيات بكل ما تعنيه الكلمة من تواطؤ عربي على الأب دفعه للذهاب إلى طهران الثورة الإسلامية، ومن ضغط غربي لم يتوقف إلا عند التفاهم على إنهاء الغزو العراقي للكويت، لكنه تجدد في أعقاب الغزو الأميركي للعراق وتطور في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حتى بلغ ذروته الحالية.
 
ليس هناك انقطاع عن العالم أو عن الواقع كما يحلو للبعض أن يردّد. هذا هو العالم الذي يعيش فيه الأسد الابن منذ أن كان طفلاً في الثمانينيات ، والذي ذكر به المستمعين إلى خطابه في جامعة دمشق وطالبهم بعدم نسيانه، مع أن غالبيتهم تكبره سناً. وهذا هو تحليله الطبيعي للثورة الشعبية الراهنة التي تستهدف نظامه وتهدده، والتي هي عبارة عن مجموعة من اللصوص والقتلة والشياطين والمتآمرين والإرهابيين الذين ينبغي التخلص منهم فوراً ومن دون تردد، وقبل الإصلاح الذي بدأ وهو يسير بشكل طبيعي أيضاً، وبمعزل عن مطالب الشارع.
 
قد يكون هذا العالم الذي يعيش فيه الأسد خيالياً بالنسبة إلى سواه، لكن الخطاب قدّم صورة في السياسة والأمن والاجتماع والاقتصاد وحتى الزراعة لا توحي بأن الرئيس السوري واهم. التقارير التي يتلقاها والاجتماعات التي يعقدها لا تقود إلا إلى مثل هذا الاستنتاجات، ولا تصف الثورة إلا بصفتها بؤراً معزولة لا يزيد عدد المتجمعين فيها عن بضعة آلاف من السوريين.
 
قبل الخطاب سربت مصادر رسمية سورية معلومات عن أن الأسد سيرسم خريطة طريق لإصلاحات جدية تنفذ في فترة لا تزيد عن أسابيع، وأنه سيعلن التمسك بالحل العربي الذي يعرف القاصي والداني أنه خشبة خلاص لنظامه أكثر مما هو عملية تآمر عليه. ربما خاب ظن تلك المصادر التي يبدو أنها بسذاجة بعض المعارضين السوريين أو بعض العرب أو بعض الأميركيين والأوروبيين الذين ما زالوا يتوقعون من الرئيس السوري صدمة إصلاحية تنهي الكارثة التي تسير نحوها سوريا.
 
لا داعي للمفاجأة. هذا هو الأسد وهذا هو عالمه وهذا هو تحليله، وقد فصله في خطاب مطوّل لا لبس فيه ولا حساب بعد الآن لكلفته الدموية الباهظة.
 
"السفير"

التعليقات