26/01/2012 - 19:00

براءة: حبيسة والدها والسلطة../ مصطفى إبراهيم

والدها يحمل البطاقة الشخصية الإسرائيلية ولهذا تم تسليمه إلى الجانب الإسرائيلي، هذا ما قاله المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدنان الضميري حول جريمة حبس والد لابنته الطفلة براءة ملحم من قلقيلية داخل حمام بيته لأكثر من عشر سنوات من قبل. رواية الفتاة تقشعر لها الأبدان، فهي لم تخرج من حجزها إلا للكنس والتنظيف، ووالدها لم يكن يقدم لها إلا القيل من الأكل، وهذا الأكل لم يكن أكثر من رغيف خبز وزيت

براءة: حبيسة والدها والسلطة../ مصطفى إبراهيم
والدها يحمل البطاقة الشخصية الإسرائيلية ولهذا تم تسليمه إلى الجانب الإسرائيلي، هذا ما قاله المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدنان الضميري حول جريمة حبس والد لابنته الطفلة براءة ملحم من قلقيلية داخل حمام بيته لأكثر من عشر سنوات من قبل. رواية الفتاة تقشعر لها الأبدان، فهي لم تخرج من حجزها إلا للكنس والتنظيف، ووالدها لم يكن يقدم لها إلا القيل من الأكل، وهذا الأكل لم يكن أكثر من رغيف خبز وزيت.
 
والسؤال هنا: هل والدها لا يحمل الهوية الشخصية الفلسطينية أم أنه تخلى عنها؟ وكيف كان يعيش في الضفة الغربية؟ وهل الجريمة ارتكبت في إسرائيل ليتم تسليمه للجانب الإسرائيلي؟ وهل يجب أن نستسلم لما يسمى بالولاية القضائية الإسرائيلية لمواطنين فلسطينيين يحملون المواطنة الإسرائيلية والتي تمنحهم الحصانة؟ وهل القضاء الفلسطيني غير مؤهل للنظر في الجريمة التي ارتكبها بحق ابنته؟ هل لأنه يحمل البطاقة الشخصية الإسرائيلية يفلت من العقاب على جريمة ارتكبها في أراضي السلطة الفلسطينية؟
 
المتهم هو والد الطفلة التي أصبحت شابة في الحبس، وسلب منها إنسانيتها وطفولتها في قصة تقشعر لها الأبدان خوفا عليها من التحرش الجنسي، كما ادعى والدها، كيف سمح لنفسه أن يستخدم كل هذا العنف ضد ابنته الطفلة، تركها كل هذه السنوات من دون حنان الأب والأم، وتنام في البرد، وتعاني الوحدة والقلق والخوف، ولم تمتلك القوة والإرادة لتحرير نفسها لضعفها وقلة حيلتها.
 
 رسم لها عالمها الخاص به، وأصبح عالمها من دون ان تختاره أو تحدد ملامحه، تركها مع طشت للغسيل وبطانية وراديو صغير تستمع إليه ولم تستطع التواصل من خلاله مع العالم الخارجي. لم تعش طفولتها كباقي الأطفال ولم تحلم أحلام الأطفال والفتيات، حرمها من أبسط حقوق الإنسان الأساسية: أن تكون إنسانة ولها كرامة. حريتها كانت داخل جدران الحمام وللعمل كخادمة بعد منصف الليل لتنظيف البيت.
 
الشرطة الإسرائيلية احتجزت والد الفتاة، وقامت محكمة الصلح الإسرائيلية بتمديد اعتقاله وزوجته التي تحمل الهوية الإسرائيلية لأنها كانت على علم بحبس الفتاة ولم تبلغ عن ذلك. والد الطفلة وزوجته في تبرير منهما للجريمة ادعيا أنه لم يكن لديهم مكان كاف في البيت، ما منعهم من التوحد معاً في فراش الزوجية. القاضية الإسرائيلية التي مددت اعتقال الوالد وزوجته صدمت من الأدلة، وأن زوجة الأب مشاركة في حبس الفتاة، وقالت على الرغم من عدم وجود أدلة على استخدام العنف الجسدي ضد الفتاة إلا أن الأدلة تشير إلى حبس الفتاة والتسبب لها في تعذيب نفسي.
 
بالرغم من الفرحة التي ظهرت على وجه براءة وهي في حضن والدتها والتي تتحمل مسؤولية عدم الدفاع عن ابنتها وتركتها وحيدة مع معاناتها التي استمرت عشر سنوات، ومن دون أن يقف بجانبها حتى أقرب الناس لها مع شخص فقد آدميته بحجة حمايتها، في حين سمح لنفسه أن يمارس حياته ونزواته ويتزوج من أكثر من امرأة.
 
 ستبقى براءة تعاني من العنف والألم النفسي الذي سببه لها والدها وفقدان حنان الأم، وظلم المجتمع وثقافته المتخلفة بالنظر للمرأة، وإذا لم يقتنع المجتمع أنها إنسانة ولها حقوق وعليها واجبات ولها الحق في اختيار طريقة حياتها ستظل المرأة محرومة من حقوقها.
 
حال براءة ستبقى كما هي عليه إذا لم تتغلب على مشاكلها النفسية وظلم الوالدين والقصاص من والدها أمام القضاء الفلسطيني ليكون عبرة لغيره ممن يرتكبون جرائم عنف ضد النساء، فإنها ستبقى حبيسة أنانية والدها وتعذيبه لها وحبيسة السلطة بتخليها عن مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والقضائية مقابل الالتزام باتفاق أوسلو المذل بهذه القضية وغيرها من القضايا.

التعليقات