01/02/2012 - 11:35

كتاب خدم في بلاط السلطان../ مصطفى إبراهيم

حال الميوعة السائدة في ساحتنا الصحافية والاستقطاب في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، فتح الباب واسعا لنشوء جيل جديد من الصحافيين والكتاب جندوا من أجل قضايا ومشاريع سياسية وشخصية، وتعبئتهم سياسياً للدفاع عن مشروع سياسي لحساب مشروع آخر

كتاب خدم في بلاط السلطان../ مصطفى إبراهيم
حال الميوعة السائدة في ساحتنا الصحافية والاستقطاب في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، فتح الباب واسعا لنشوء جيل جديد من الصحافيين والكتاب جندوا من أجل قضايا ومشاريع سياسية وشخصية، وتعبئتهم سياسياً للدفاع عن مشروع سياسي لحساب مشروع آخر.
 
ووضعوا أنفسهم في خانة المساءلة الشعبية عندما ارتضوا أن يكونوا خدما في بلاط السلطان وأصحاب المال والنفوذ، ولم يكتفوا بذلك بل سيطرت عليهم ثقافة الخوف عندما ابتعدوا عن مناقشة القضايا الوطنية الكبرى وقضايا وهموم الناس والدفاع عنهم في ظل الانقسام، هؤلاء من خانوا الصحافة ورسالتها وضميرهم.
 
وفي حالتنا الفلسطينية عامة لا يتم طرح قضايانا الوطنية بشفافية وحرية على صفحات الصحف اليومية المحلية لغياب سقف الحرية في تلك الصحف، واتجه عدد من هؤلاء إلى الكتابة في قضايا سياسية عامة لا تلامس الأمور الحياتية للناس، أو الكتابة في الشأن الإسرائيلي أو الدولي، وتجند بعض منهم للهجوم على حماس وحكومتها، أو العكس.
 
ولم يكتف هؤلاء بالكتابة في الصحف بل زاحموا كتاب الرأي في المواقع الألكترونية الذين لم يجدوا لهم مساحة للكتابة في الصحف، ووجدوا في الفضاء الألكتروني مكانا حرا للتعبير عن آرائهم فيما يدور في الساحة الفلسطينية، لمساحة الحرية الممنوحة فيها وبعيدة عن مقص الرقيب.
 
ومع ذلك لم يستغل أولئك الفضاء الالكتروني للتعبير عن آرائهم بحرية، لمناقشة القضايا الكبرى وهموم الناس، والاعتداء على حقوق الإنسان والحريات العامة في شطري الوطن، والدخول في حوار وطني، وسيطر عليهم الرعب والرقيب الذاتي وثقافة الخوف، مع أن هناك عددا من الصحفيين والكتاب من يعبرون عن آرائهم بحرية في غزة، ويوجهون النقد لحركة حماس وحكومتها من دون أن يتعرضوا للمساءلة والمحاسبة، بعكس ما نراه في الضفة الغربية.
 
ويحجم عدد كبير من هؤلاء عن التعبير بحرية وجرأة وتقديم التضحيات والقيام بالدور المنوط بهم وتحمل مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية، وذلك ليس بسبب ثقافة الخوف والجبن فقط، بل لما تقوم به السلطة من الاحتواء الناعم التي تدفع الصحافيين والكتاب إلى القيام بدور الرقيب الذاتي نيابة عن السلطة وأجهزتها الأمنية والرقابية، بالإضافة إلى الطموح الشخصي وعبادة الذات لعدد من هؤلاء للصعود والترقية الحكومية والارتزاق، وتتم التضحية بحرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير واستقلال وسائل الإعلام.
 
فضلاً عن الثارات والأحقاد والمصالح الشخصية، وضعف النفوس، وأيضاً هناك من يتوهمون أن التقرب للسلطة والتطاول على طرف لحساب طرف آخر قد يعمدهم كتاباً، أو إعلاميين، وما كان لكل ذلك ولهذه الأسباب الذاتية أن تأخذ هذا الحجم أو تفرض هذه الحال من أكل الذات، لولا حال الانقسام والإحباط الوطني العام التي ولدتها الانكسارات والهزائم الوطنية والشخصية، وما تلاه من تفكك للنسيج الوطني والسياسي، والاجتماعي، والانغلاق على الذات.
 
حالة الاستقطاب والفرز، عمق حال الانقسام السياسي والاجتماعي والجغرافي، وساهم في تفكك النسيج الاجتماعي. تلك عوامل أنهت وجود الضمير الجمعي للكتاب والصحافيين والإعلاميين، فأصبحنا جميعاً أفراداً يتآكلون، وأصبحوا جميعاً يخلطون بين "النقد الذاتي" وهو أسلوب التعامل بين أبناء الشعب الواحد، وبين "التشهير" وهو أسلوب الحرب مع الأعداء!
 
تتطلب الشجاعة أن نعترف أن ما يجري هو حقيقي. فالخطوة الأولى لكي نتجاوز الحال المرضية التي تدفع هؤلاء الكتاب إلى الإحجام عن التعبير بحرية والخوض في قضايانا الرئيسية، وأصبحوا كتابا في خدمة السلطان، وهي حال موضوعية لها أسباب ذاتية، تخص هذا الفريق من الصحافيين والكتاب، وأسباب موضوعية تتعلق بالتطورات التي حدثت وتحدث في شطري الوطن وبين صفوف الشعب الفلسطيني وثقافته وأخلاقه، وتأثيراتها الجانبية على الصحافيين والكتاب خاصة على المثقفين منهم.

التعليقات