01/03/2012 - 21:45

"فلسطينيو إسرائيل، صراع من الداخل"../ عوض عبد الفتاح

بحث جديد يُحذر من انفجار المواجهة بين الأغلبية اليهودية والأقلية الفلسطينية

تتعالى الأصوات، أصوات السياسيين وأصوات الباحثين، يهودًا وعربًا، محذرة من مغبة نشوب صدام واسع بين الأغلبية اليهودية المهيمنة على الدولة العبرية والفلسطينيين الذين فرضت عليهم المواطنة الإسرائيلية.
 
وهذا الكتاب "فلسطينيو إسرائيل، صراع من الداخل" قد يكون أحدث صرخة، وأوضح تحذيرًا للاعبين على ساحة الصراع؛ إسرائيل والمجتمع الدولي لتدارك الأمر، والقيام بالخطوات اللازمة.
 
الكتاب هو بحث أكاديمي، يرصد ويستعرض التدهور الحاصل في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين خاصة في العقد الأخير، ويتوقع أن ينفجر الوضع إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك. مؤلفا هذا الكتاب أستاذان جامعيان في العلوم السياسية، أحدهما يهودي إسرائيلي والآخر يهودي أمريكي، في جامعات الولايات المتحدة؛ واشنطن ونيويورك، هما إلان بيلغ وديفيد فاكسمان.
 
مؤلفا الكتاب لا يكتفيان بتحليل تركيبة بنية العلاقات القائمة داخل الدولة العبرية، والتحولات التي جرت على المجتمع اليهودي الإسرائيلي وعلى المجتمع العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، بل يطرحان تصورات للحلول، لتحقيق المساواة كالاعتراف بالفلسطنيين كأقلية قومية وبحكم ذاتي ثقافي وإلغاء هيمنة الأغلبية اليهودية على الدولة، ولكن دون مغادرة المنطقات الصهيونية الأساسية، أي الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة وقانون العودة والمنظمات اليهودية شبه الرسمية كالوكالة اليهودية.
 
ويحدد المؤلفان هدف الكتاب كالتالي: "هو إصدار نداء عاجل لإحداث تغيير هام في العلاقات بين الأغلبية اليهودية والأقلية الفلسطينية".
 
ويحذران من  "أن التجاهل والتقليل من المشكلة تقارب الكارثة – لأن ذلك سيقود الى انهيار كامل لحل الدولتين، وإلى اضطرابات وعنف واسع النطاق داخل اسرائيل".
 
ويستعرضان الأحداث والمتغيرات التي يشهدها العقد الأخير منذ هبة القدس والأقصى والتعامل بوحشية مع المتظاهرين العرب والصدامات التي حصلت في المدن المختلطة وفي مدينة عكا بالتحديد أواخر عام 2008.
 
ما يلفت الانتباه في الكتاب، هو الربط بين قضية عرب الداخل والقضية الفلسطينية عمومًا، وهو الأمر الذي عمدت المؤسسة الاسرائيلية الرسمية طيلة الوقت إلى تجاهله، وحاولت فرض الولاء على هذا الجزء من الشعب الفلسطيني دون أن تمنحه المساواة والحقوق الفردية والجماعية. وينتقدان بشدة تجاهل الأطراف الدولية لواقع ودور الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في الصراع وفي الحل.
 
كتبا: "إن هذه القضية ليست قضية ذات أهمية محلية لإسرائيل التي تهدد الاستقرار الداخلي للبلاد وحتى نظامها الديمقراطي فحسب إنما هي أيضًا قضية مرتبطة بصورة لا تقبل الفصل عن الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي".
 
ويضيفان: "ببساطة، إن هذه القضية تشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لدولة اسرائيل؛ ولتعريف نفسها كدولة يهودية، وإنه من الخطأ الاعتقاد أن الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل يمكن أن يحل من خلال الدولتين فقط"..
 
وينتقدان تجاهل قضية الفلسطينيين في إسرائيل من جانب "الأغلبية اليهودية، والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، والإدارات الأمريكية والمجتمع الدولي برمته... إذ جرى حتى الآن التركيز على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 67، وهذا التجاهل عمق المشكلة وفاقم الإحباط لدى الفلسطينيين في إسرائيل".
 
ويحذران من أنه إذا لم تلتفت هذه الأطراف إلى هذه القضية فإنه "يُخشى أن يتواصل تصاعد التوتر وصولاً إلى مواجهات عنيفة كفقدان حقوق مدنية، نشاطات إرهابية، وحتى انتفاضة داخلية... باختصار يمكن أن ينفجر هذا الصراع من الداخل". ويحذران من أن "الهدوء الظاهر لا يجب أن يخدع أحد، حيث لا نشهد حاليًا مواجهات وأعمال عنف واسعة، ولكن تحت سطح الحياة اليومية الهادئة يتفاقم التوتر".
 
وحسب الكتاب، فإن معالجة القضية الفلسطينية برمتها فقط هي التي تجلب السلام، ولكن "ليس هذا ما يفعله باراك أوباما، ولا اتفاقية أوسلو ولا خريطة الطريق ولا اتفاق أنابوليس" ويقترح المؤلفان العمل على زيادة الوعي على المستوى الدولي بأهمية وضرورة الاهتمام بالقضيتين في نفس الوقت أو بالتوازي..
 
ويلفتا النظر إلى أن النضال الفلسطيني الجاري هو مُجزّأ، "فالفلسطينيون في الضفة والقطاع يعملون من أجل دولة فلسطينية، والفلسطينيون في إسرائيل يعملون من أجل المساواة. "وإذا لم يحصل الطرفان على أهدافهما سيطالبان بحل الدولة الواحدة في فلسطين/إسرائيل، وهذا كابوس بالنسبة لإسرائيل".
 
ولا يقلل المؤلفان من أهمية إيجاد حل لقضية الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ولكنهما يؤكدان على أن ذلك لا يكفي، ليس هذا فحسب بل يعتقدان أن ذلك قد يسارع في تفجير الوضع في الداخل الإسرائيلي، إذ سيجد الفلسطينيون، مواطنو إسرائيل أنفسهم، مرة أخرى مهملين من جانب أطراف الصراع، فيثورون على أوضاعهم.
 
ما هو المخرج
 
تُشكل مقاربة ها الكتاب لقضية عرب الداخل، من حيث ربطها بالقضية الفلسطينية، ودعوة اللاعبين الإقليميين والدوليين التعامل معها على هذا النحو، خطوة مهمة. فحتى فترة قريبة انتهجت المؤسسة الاسرائيلية سياسة طمس الهوية الفلسطينية وتجاهل الارتباط الثقافي والتاريخي لعرب الداخل مع الشعب الفلسطيني وأمتهم العربية. وكما هو معروف فإن هناك شبه إجماع في الدولة العبرية بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية وعلى اختلاف التوجهات السياسية، حول التحدي الذي يطرحه عرب الداخل وقواهم الوطنية. والحلول المطروحة تتراوح بين الطرد، (جزء منهم على الأقل) أو الاحتواء مع إدخال تحسينات اقتصادية. على سبيل المثال فإن زعيم حزب "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل، يعترف بهذا الربط، لكنه يطرح حلاً للتخلص من جزء منهم من المثلث الصغير (130.000) عبر ضمهم إلى دولة الحكم الذاتي، وفرض الولاء على من تبقى دون مساواة كاملة.
 
الكتاب يرصد انزياح الدولة العبرية والمجتمع الاسرائيلي نحو اليمين والتوجه أكثر نحو التشديد على الطابع اليهودي للدولة. ويعترف بأن إسرائيل، منذ عام 1948 لم تكن يومًا دولة ديمقراطية ليبرالية إنما جمهورية يهودية ثابرت على اعتماد سياسة إقصائية تجاه الأقلية الفلسطينية رغم أن نظامها السياسي يحتوي على العديد من الحقوق الليبرالية كالانتخابات الحرة، وحرية التنظيم، وحرية التعبير وغيرها.
 
ولكن الحلول التي يطرحها المؤلفان، رغم أنها متقدمة على طروحات تيارات إسرائيلية ليبرالية، فإنها إما لدوافع أيديولوجية، أو لدوافع براغماتية، تتجاهل حقيقة أن مسار الأحداث تجاوز منذ زمن ما يطرحانه، وكان ممكن أن يكون هذا الطرح ملائمًا للمناخ الذي ساد عشية وبعد توقيع أوسلو. غير أنه منذ 15 عامًا، قلبت إسرائيل الواقع الجغرافي والديمغرافي في البلاد (فلسطين).. فالوقائع التي فرضتها إسرائيل بالقوة في أراضي 67، تجعل حتى من أنصار أوسلو يشككون بإمكانية إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 67، فكم بالحري المعارضون لذلك أصلاً. كما أن التحولات الجارية في النظام السياسي الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي والانسحاب المتواصل من الجانب الديمقراطي والإيغال في الجوهر اليهودي لدولة إسرائيل، تطرح أمام الكثيرين ضرورة النظر بصورة جدّية في ما صوره المؤلفان ككابوس لإسرائيل، ألا وهو حل الدولة الواحدة، والذي يجب أن يُعرض كحل إنساني يحقق المساواة والعدل للجميع. ويكون جاذبًا ومغريًا لا منفرًا.
 
يقترح المؤلفان التخفيف من البعد اليهودي لطابع الدولة العبرية؛ أي أن يصبح اسم دولة إسرائيل "الوطن القومي اليهودي ودولة كل مواطنيها" ومنح حقوق جماعية وفردية كاملة للمواطنين العرب، وحكم ذاتي ثقافي. وفي توجههما إلى المواطنين العرب، يطالبان بالتخلي عن المطالبة بتحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، وألا ينعتوا إسرائيل "بالكولونيالية" أو "الإمبريالية"، لأن ذلك من شأنه أن يستفز الأغلبية ويزداد التباعد بين المجموعتين!!
 
ليس هذا فحسب بل إن المؤلفين يقولان، إنه يجب المحافظة على الطابع اليهودي للدولة مع ضرورة إنهاء الهيمنة والتوجه نحو المساواة!! والحفاظ على العلاقة مع المنظمات اليهودية شبه الرسمية (وهي منظمات هدفها خدمة اليهود فقط) كالوكالة اليهودية!!
 
ماذا بعد
 
المؤلفان ليسا متفائلين بإمكانية قبول الأغلبية اليهودية للتصورات التي يطرحانها. فالأغلبية، حسبهما، ستتمسك بامتيازاتها، والحكومة الحالية ليست مستعدة لقبول هذه التصورات أو الحلول.
 
ومن الواضح للمتابع للمشهد الاسرائيلي أنه ليس في الأفق استعداد إسرائيلي للانسحاب من الأراضي المحتلة، وليس في الأفق استعداد لمنح المساواة الكاملة لحوالي 20% من المواطنين العرب في إسرائيل. وبالتالي فإن الصورة على المدى المتوسط قاتمة... وتحمل في طياتها احتمالات المواجهة والتصعيد. وهذا ما جاء في تقرير المخابرات الإسرائيلية مؤخرًا بخصوص اندلاع انتفاضة ثالثة.
 
ويطرح المؤلفان سيناريوهات عديدة، منها تغوّل الدولة اليهودية أكثر وأكثر، والتشديد على الطابع الإثني، وزيادة العداء والقمع. أما على مستوى عرب الداخل فإن السيناريوهات التي يطرحانها: انسحاب العرب من اللعبة السياسية الإسرائيلية (انتخابات الكنيست)، انفجار انتفاضة داخلية، انخراط مجموعات في الكفاح المسلّح، تدويل قضية عرب الداخل، دمج النضال الفلسطيني بين طرفي الخط الأخضر.
 
بطبيعة الحال، فإن الخاسر الأكبر على المدى البعيد هو الدولة العبرية؛ صورتها كدولة ديمقراطية تتآكل والصراع الداخلي والاستقطاب يتزايد، وقوة ردعها على المستوى الخارجي مهددة، بفعل القوى الإقليمية الصاعدة، والإمكانيات المتوقعة من الثورات العربية وبروز الشعب العربي كلاعب في رسم السياسات المستقبلية تجاه الخارج. أما أصحاب الأرض الأصليون وبالرغم مما يلحق بهم وما سيلحق بهم من المزيد من النهب والحصار والقتل والتدمير، فإنهم باقون. ولكن هذا بالضبط، أي بسبب احتمال تعرض الفلسطينيين لمزيد من المعاناة والحصار، ما يجعل التهيؤ لهذه المرحلة وتقليل الخسائر مهمة وطنية ملحة.
 
إن السيناريوهات المطروحة تقتضي إعادة قراءة المتغيرات والمستجدات واجتراح تصورات جديدة، واقعية، وجذرية ولكن بوجه إنساني كامل. تصورات لمستقبل قريب ولمستقبل بعيد، يجذب كل المعنيين بالسلام الحقيقي، وبتحقيق العدالة، إلى دائرة العمل والنضال.
 
وقد يكون من الخطوات الهامة والممكنة هو تصعيد التحرك في المحافل الدولية، والإفادة مما تحقق حتى الآن، لطرح قضية عرب الداخل في الهيئة العمومية للأمم المتحدة. وبما أن عرب الداخل كأقلية قومية لا يملكون مكانة تمثيلية، حسب قانون الأمم المتحدة، فإنه فقط عبر منظمة التحرير الفلسطينية يمكن إيصال قضية عرب الداخل. وكما هو معروف، فإن قيادة المنظمة (انصار أوسلو) تتهرب من التجاوب مع هذا الطلب تقيدًا باتفاقية أوسلو البائسة.
 
فقد حان الوقت لوضع المنظمة أمام مسؤولياتها اتجاه جميع الفلسطينيين أيننما كانوا طالما غاب أفق الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، وطالما   حضرت الحاجة لولوج آفاق جديدة وإن كانت لا تقل وعورة وتضحيات.

التعليقات