09/03/2012 - 08:20

القرد الذي في داخلي يتحداني../ عطا مناع

لا اطلب منكم أن تتفقوا معي، ولا أميل أن أنادي بشعار لا يفسد الخلاف في الود قضية، ولا اعتقد أنني وكغيري من الفلسطينيين المشمئزين من الحالة بكل تفاصيلها يمكن أن نتصالح مع هذا الواقع المغيث، واقع يمشي على أربع وكأنة يعود بنا إلى مرحلة القطيع، وللقطيع أيها السادة قانون، الأقوى هو الذي يحظى بكل شيء، لكن الفرق بين القطيع والحالة أن القردة على سبيل المثال تتدافع وتتحد من أجل بقاء النوع

القرد الذي في داخلي يتحداني../ عطا مناع
لا أطلب منكم أن تتفقوا معي، ولا أميل أن أنادي بشعار لا يفسد الخلاف في الود قضية، ولا اعتقد أنني وكغيري من الفلسطينيين المشمئزين من الحالة بكل تفاصيلها يمكن أن نتصالح مع هذا الواقع المغيث، واقع يمشي على أربع وكأنة يعود بنا إلى مرحلة القطيع، وللقطيع أيها السادة قانون، الأقوى هو الذي يحظى بكل شيء، لكن الفرق بين القطيع والحالة أن القردة على سبيل المثال تتدافع وتتحد من أجل بقاء النوع.
 
القرد الذي في داخلي يتحداني، ولسان حالة يقوله شتان ما بيني وبينك، فأنت انحططت إلى مرحلة أدنى من القردة، أنت تنتهك حقوق الشرائح الضعيفة، وترفع شعار الدفاع عنها. فعلى سبيل المثال أنت ومع اقتراب الثامن من آذار لك صولات في الدفاع عن حقوق المرأة، عطلات مدفوعة الأجر، خطابات وشعارات للأمانة إنها جميلة لكنها تسقط أمام حالة الاضطهاد الذي تعاني منة المرأة العربية والفلسطينية التي تخضع لقوانين أكل الدهر عليها وشرب من أيام العثمانيين والبريطانيين والأردنيين، حط في الخرج.
 
تخرج عليك الأسيرة هناء شلبي التي دخلت الأسبوع الرابع في إضرابها المفتوح عن الطعام احتجاجاً على الاعتقال الإداري والتفتيش العاري وبطريقة مذلة وأنت لا زلت تنادي بشعار الأرض والعرض، تختبئ وراء سقوطك وانغماسك في المرحلة، وتنادي في الناس اخرجوا الى الشوارع وشاركوا في المسيرات وأقيموا خيم الاعتصام تضامناً معها مع العلم أنها في أسفل سلم أولوياتك يا مواطن.
 
القرد الذي في داخلك يعريك أمام نفسك، انظر لحالك كيف تنظر بإعجاب لوزير الزراعة وهو يعطيك جرده حساب لخسائر القطاع الزراعي، ويقول لك واثقاً خسرنا خمسة ملايين وطوباس وحدها خسرت أقل من هذا الرقم بقليل.. أنت تعرف وتهز رأسك إعجابا بمعلومات الوزير التي يحسد عليها، وحاشا لله أن يغرد الوزير خارج السرب فلا أنت ولا الوزير مسموح لك الخروج من الدائرة المرسومة لكما، والمطلوب منك أن لا تفكر لمجرد التفكير وأن تتساءل لماذا تعرت البنية التحتية في الشتاء الأخير، حط في الخرج.
 
القرد الذي في داخلي يتحداني يقول لي لسان حالك كما قال مظفر النواب "تدافع عن كل قضايا الكون وتهرب من وجه قضيتك........"، ترقص طرباً في المساء منتظراً أن يغادرك الانقسام بلا رجعة، وفي الصباح تكتشف أنك ساذج، عن أي وحدة تتحدث وأنت سجين نفسك والحالة التي تعصف ببلدك والمعتقلون السياسيون لا زالوا في الزنازين؟ المضحك أن احدهم يخرج علينا ويقول لا يوجد لدينا معتقلون سياسيون، والآخر يقول إنهم لا يريدون أن يخرجوا من السجن.
 
دعك من قردك وافهم الدرس، ألا تعرف أن السياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد، عليك ان تفهم أن أيام الأيديولوجيات ولت، فالمصالح في هذه المرحلة تحسب في ميزان الذهب وحدة القياس الجديدة التي تجعلك تتنقل من غصن إلى غص أسرع من القرد الذي في داخلك. وأنصحك أن لا تخوض في التفاصيل فالتفاصيل تقودك إلى ما وراء الشمس، لأنك قد تضع اليد على الجرح الذي هو المصالح، والمصالح تقول إن المواطن متهم حتى تثبت براءته والمسؤول بريء حتى تثبت إدانته، وحتى وان أدين المسئول هناك تخريجه لكل شيء.. يا سيدي حط في الخرج.
 
القرد الذي في داخلك لم يعد يفهم العربية فلغة الضاد تُعرض في مزاد الأطلسي، وما عادت الحكومات تنطق بالعربية، ليبيا تذبح وتقسم إلى دويلات بعد أن سحل ألقذافي في شوارعها، والشعب السوري بين مطرقة القمع وسندان الإرهاب، وليبرمان الذي يتباكى على الشعب السوري هو الوجه الأخر لأنظمة الدشاديش التي تحاول أن تقنعنا أنها تقود راية الديمقراطية والحريات في عالمنا العربي، وبلاد العم سام تشد على يد القاعدة التي أعلنت النفير باتجاه سوريا، وثوار الناتو عدوا العدة من ليبيا باتجاه الحدود السورية التركية ويرفعون شعار إنقاذ الشعب السوري، لا زلت اذكر حنا مينا ولواء الاسكندرونة الذي سلخ عن سوريا لصالح تركيا التي ارتكبت المذابح ضد الأرمن.
 
قرد أرعن لكنة واقعي، هو القرد الذي عاش فيك ومعك، كان منذ البدايات وما زال، وها أنت تطوي السنين وترى السقوط في قاع القاع للمثل العليا التي لا زلت تعتقد بها، ألم أقل لك إن السياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد، ولكن الطامة الكبرى أن يتحول الوطن فيك إلى حفنة من المصالح التي تطحن لحمك وتحول حياتك والذين سبقوك إلى الله لمجرد اللاشيء، وأن تساق إلى المذبحة بالسيف الذي كان معك وأصبح على رقبتك.
 
اليوم تابعت أن الأمانة العامة لنقابة الصحفيين تستنكر مشاركة صحفيين فلسطينيين بمؤتمر صحفي إسرائيلي في مستعمرة بيت ايل، قرأت وناقشت الخبر على أثير إذاعة صوت الوحدة حيث اعمل، ضحك القرد الذي في داخلي وضحكت لدرجة القرف، وخاصة أن النقابة تقول إن هؤلاء ليسوا أعضاء فيها، والمشين أن هذه المشاركة تأتي قبل أيام من انتخابات نقابة الصحفيين بحضور ممثلين عن النقابات العربية التي تنبذ التطبيع، والمصيبة أنني اعرف تمام المعرفة أن العشرات من الصحفيين شاركوا في لقاءات تطبيعية مع الإسرائيليين وبعضهم سيقود النقابة ولكن ليس إلى بر الأمان، ولكن هذا هو الواقع الذي نعيش.
 
أحيانا تختلط الأمور علي لدرجة أنني لا أعرف من القرد فينا، لكنني متيقن أن للقرود كرامة تدافع عنها، وأن لها طريقة ملفتة للاحتجاج كأن تتنقل على الأشجار بسرعة وتحدث حالة من الفوضى تلفت النظر، هي لا تستكين ولا تتقبل الذبح بسهولة، لا تقبل بأن تشرب الماء قبل حد السكين، هي القردة التي قيل عنها أنها الأصل والله اعلم.
 
هي تنغيصات تطل برأسها بين الحين والآخر، لكنها تضعني أمام حقيقة أن لا شي ثابتا في هذا الواقع المتغير الذي يستند إلى الحقيقة النسبية في النظر إلى الأشياء، كان يكون التطبيع أو الخيانة وجهة نظر، وأن تتحول المقاومة إلى " برنيطة" وعلى المقاس المطلوب وكأنك تدخل إلى سوبر ماركت، لعن اللة القردة الأجداد التي أصبحت ما نحن عليه، تطل علينا ما بين الحين والآخر تذكرنا بحقائق الأمور.

التعليقات