09/03/2012 - 03:34

يوم المرأة العالمي.. المخفي أعظم/ عوض عبد الفتاح

المجتمع العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، خاضع لسطوة نظام قهري عنصري وإقصائي. ويعاني من إفرازاته الرجال والنساء. وكما هو معروف، منذ النكبة مرّ ويمرّ مجتمعنا بعمليات تحديث مشوهة قسرية- تتجلى في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

يوم المرأة العالمي.. المخفي أعظم/ عوض عبد الفتاح

 

لا أحد يعرف حجم الظلم الفادح الذي تكتوي به المرأة، أو الحجم العددي للنساء اللواتي يعشن المعاناة كل لحظة، فالمخفي أعظم. كم منا يعرف حجم معاناة النساء في محيطه القريب؟ كم من النساء يُعبّرن عن معاناتهن؟ وكم منهن يكتمن أنّاتهنّ؟
 
الرجال وإن كانوا أيضًا خاضعين لمنظومة القهر، إما من جانب نظام استبدادي، أو من نظام احتلالي، يتمتعون بقسط من الحرية، بحرية التعبير، المستمدة من الشرعية الممنوحة لهم من المجتمع باعتبارهم رجالا. حرية ممارسة الهيمنة على الزوجة، الأخت، أو الإبنة، سواء كانت هيمنة ناعمة أو خشنة، والأمر سيّان، والمكفولة بقوانين النظام الأبوي المتوارث.
 
 قلة هم الرجال الذين فكوا قيودهم، وأعادوا الاعتبار لإنسانيتهم واكتشفوا استحالة اكتمالهم بدون النصف الآخر. وكثيرات هن النساء اللواتي فرضن حضورهن رغمًا عن النظام الأبوي، الذكوري، وبعضهن حققن ذلك بعد أن اكتشفن ذواتهن، وبعد أن أدركن أن التطرّف النسوي لا يقود إلا إلى الانعزال، بل يصبّ في خانة النظام الأبوي المتطرف. هناك من يقول إنهن مستفزات، وأقول نحن الرجال نحتاج إلى هذا الاستفزاز لنصحو من غفوتنا وإغفالنا لمعاناتهن.
 
مسيرة الحياة البشرية منذ فجر التاريخ، تتمثل في البحث عن معنى الحياة، بوعي أو بغير وعي. الإنسان متطور بطبيعته وطموح بصورة دائمة. وهو ليس كتلة بيولوجية فحسب، بل هو مجموعة من المشاعر والأحاسيس، مشاعر الخوف، والمحبة والسعادة والفرح ومشاعر اليأس والإحباط. تجده يخوض معاركه الفردية والجماعية لتحسين نوعية الحياة، وتجده أيضًا يخوض معارك من أجل فرض العقيدة، وكأن العقائد هي هدف الحياة، وليس وسيلة وقيم لتنظيم أواصر العلاقة بين بني البشر وتحقيق كرامة الفرد وسعادته. إن الإنسان هو الغاية النهائية، وكرّست ذلك الأديان السماوية والفلسفات الوضعية.
 
خطت البشرية خطوات واسعة باتجاه التقدم الصناعي والاقتصادي والتكنولوجي والانفتاح السياسي، وتحققت إنجازات هامة في مجال التعليم والصحة والثقافة والفنون والإنتاج وتحققت الحرية (كله نسبي) للعديد من الشعوب والأفراد. لكن كل ذلك لم يُنه القهر بل اتخذ أشكالاً متنوعة. وازدادت الفجوات الاجتماعية والاقتصادية حتى في أغلب الدّول المتطورة صناعيًا واقتصاديًا وسياسيًا؛ إذ أخضعت الرأسمالية المتوحشة الإنسان إلى عبودية جديدة، وحولته إلى كائن مستهلك. إننا أمام إقطاع جديد. وامتد هذا الطاغوت إلى الدول النامية، مما أحدث تشوّهًا فظيعًا في مجتمعاتها، التي قلبت ظهر المجنّ على الأنظمة، التي تبنت النموذج الليبرالي الجديد في الاقتصاد، عبر الثورة العارمة، وانفتح أفق جديد على احتمالات إعادة النظر في مجمل هذا النموذج، وما يحمله من غبن هائل على الفرد، رجلاً كان أم امرأة. 
 
إن الانتفاضات في العالم العربي التي كانت فيها المرأة حاضرة ورائدة ومشرقة، أو حركات الاحتجاج في دول الغرب، كحركة الاحتلال occupy wall street في الولايات المتحدة الأمريكية، تشي بأن الوضع القائم ليس عصيًا على التغيير، وأن الشعوب حية.
 
المرأة الفلسطينية
المرأة الفلسطينية من أكثر النساء معاناة في العالم، فهي منذ أكثر من مائة عام تخوض مع شعبها أشرس المعارك وأشدها وأخطرها. تخوض نضالاً وصمودًا في وجه احتلال قاس، ونظام كولونيالي اقتلاعي وعنصري. فهي تقاوم هذا النظام المعادي، وتتصدى في الوقت ذاته لدورها التربوي داخل البيت. الكثيرات اللواتي يخترن الطلائعية والقيادة يتحملن عبئـًا ثلاثيًا، سياسيًا، وقوميًا، واجتماعيًا: من الاحتلال، ومن المجتمع، ومن سلطة الدولة الوطنية.
 
في السجون، ومن بين المئات من النسوة اللواتي اعتقلن، أو اللواتي ما زلن يخضعن للاعتقال، اضطررن إلى الولادة داخل السجن، أو عزلن عن الأبناء.
 
الأسيرة المناضلة هناء شلبي، التي حذت حذو المناضل خضر عدنان، بخوضها الإضراب عن الطعام، لفتت نظر الكثير من أبناء شعبنا الى الدور الأسطوري للمرأة الفلسطينية المناضلة خلف القضبان. لكن هل ذلك سيقود بالضرورة إلى المساواة وإنصاف المرأة!
 
في السابق، أي أثناء النضالات التحررية الواسعة، استصغرت الثورة الفلسطينية حقوق المرأة الاجتماعية. القيادة الذكورية دفعت دائمًا مسألة تحرير المرأة إلى ما بعد إنجاز التحرير الوطني. وتبيّن أن لا الوطن تحرّر ولا المرأة تحرّرت وظلّ المجتمع على حاله. هكذا وعلى خلفية هذا الإخفاق الكبير، وعلى ضوء بزوغ وعي نسوي متجدّد، تعود الآن مسألة التحرر الاجتماعي وحماية المرأة من غبن النظام الأبوي، ومن عنف الرجل إلى المقدمة. غير أن أمامها، بل أمامنا، طريق طويل وشاق، للوصول إلى مراحل متقدمة في هذا المجال المجتمعي.
 
نماذج غاربة ونماذج بازغة
المجتمع العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، خاضع لسطوة نظام قهري عنصري وإقصائي. ويعاني من إفرازاته الرجال والنساء. وكما هو معروف، منذ النكبة مرّ ويمرّ مجتمعنا بعمليات تحديث مشوهة قسرية- تتجلى في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
 
فمن ناحية، استطاع هذا المجتمع أن يُعيد تكوين نفسه كجماعة قومية مع ملامح مجتمع موحد، بعد أن كان بقايا مجتمع مهزوم في العقدين الأولين من إقامة إسرائيل، وتمكن من إعادة بناء قيادة له، ومن تحقيق إنجازات تعليمية كبيرة شملت المرأة التي تزيد نسبتها الآن في الجامعات عن نسبة الذكور. ومن ناحية ثانية، وبسبب إستراتيجية الاحتواء والحصار والتمييز عادت إلى المشهد الكثير من العادات المتخلفة الخطيرة.. وأبرزها وأخطرها ظاهرة العنف ضد النساء، وظاهرة الثأر.
 
والحقيقة، أنه لولا ظهور جمعيات وأطر نسائية جريئة، تتصدى لظاهرة قتل المرأة على شرف العائلة، لأدارت الكثير من شرائح المجتمع والأحزاب السياسية ظهرها لهذه الظاهرة الخطيرة. ومع ذلك هناك حاجة لتصعيد وتوسيع دائرة الاهتمام بذلك ورفع مستوى حساسية المجتمع لهذه الآفة. كما أن ممارسة أشكال أخرى من العنف ضد الزوجات ما زال كبيرًا رغم ارتفاع مستوى التعليم العربي بقيم المساواة والتسامح والاحترام. وجزء كبير منه مسكوت عنه.
 
التشوه السياسي لا يقل عن التشوه الاجتماعي. ومن تجليات التشوه، انتماء عرب للأحزاب الصهيونية والتمثل في الكنيست على هذا الأساس. ولم يخلُ الكنيست من أعضاء الكنيست الذكور المنتمين للأحزاب الصهيونية منذ النكبة. وقد أدخل إلى الكنيست في العقد الأخير امرأتان الى الكنيست لفترة قصيرة، إحداهن عن حزب «ميرتس»، والأخرى عن حزب «العمل». وحاول حزب العمل تسخير الأخيرة للوصول إلى المرأة العربية لجني الأصوات، أي الإمعان بعملية التشويه السياسي والوطني للمرأة العربية الفلسطينية في الداخل، وعزلها عن النضال السياسي وتغريبها عن شعبها.
 
فهل يتذكر أحد اسمي هاتين المرأتين؟ ربما قلائل جدًا. كان هذا التمثيل النسائي امتهانا للإنسان العربي وللمرأة العربية.
 
لقد جاء قرار التجمع الوطني الديمقراطي بترشيح امرأة في الأماكن الثلاثة الأولى المضمونة، ووصولها إلى الكنيست ببرنامج وطني ومستقل، ليضع حدًا لهذا الامتهان، ويفتح أفقًا وطنيًا جديدًا وأفقًا سياسيًا أمام المرأة العربية. لقد تلاشت أسماء النسوة المحمولات على الأحزاب الصهيونية وليصحح هذا الانحراف، وليصبح اسم حنين زعبي، ابنة التجمع، مرادفًا للموقف الوطني الواضح والأصيل والجريء ومرادفًا للشموخ والإباء الذي يُجسّد ويعكس شموخ وإباء شعبنا؛ رجاله ونسائه. هذا بالطبع لا يعجب نظام القهر العنصري، ولا أبواقه، فجن جنونهم لأنهم غير معتادين على رؤية نساء عربيات شامخات، على صورة حركتهم الوطنية وعلى صورة شعبهم الزاخر بالنساء الباسلات، منهن من يقبعن بالسجون، ومنهن من يجابهن الاحتلال ومنهم من يعاندن بؤس اللجوء. وهناك في النقب من يُجابهن بؤس وشظف العيش وعمليات هدم البيوت والاقتلاع على مدار اللحظة.
 
ويا للمفارقة، فالمجتمع الاسرائيلي ونظامه السياسي الذي يتباهى بحداثته وديمقراطيته وتنوّره، يكشف عن وجه آخر كان متواريًا، هو الشوفينية المريضة. إن العداء المرضي لحنين زعبي ليس مدفوعًا بالعنصرية للعرب وبالعداء لبرنامج التجمع الوطني الديمقراطي فحسب، بل أيضًا مدفوعًا بالشوفينية الذكورية ضد النساء.
 
لن تجدي كل هذه الحملات العنصرية، فالحركة الوطنية شقت طريقها وضربت جذورها، بمؤازرة الرجال والنساء من أبناء هذا الشعب الباقي.
لقد نشأ في حضن التجمع كادر واسع من المناضلين والمناضلات، من الكبار والشباب، لقد غربت نماذج الذل والامتهان وبزغت نماذج العز والفخار. ولكن أمام حزبنا طريق طويل والامتحان الحقيقي هو في النتائج الملموسة لنضاله الوطني والاجتماعي.

التعليقات