12/03/2012 - 12:52

السعودية "جاهزة" للتغيير.. وتنتظر بو عزيزي آخر!../ هيفاء زعيتر

كل المؤشرات في السعودية اليوم تشي بأن وصول "الربيع" إلى أرجاء المملكة بات مسألة وقت لا أكثر. أما ما ارتكز عليه النظام من عوامل لتعزيز الاستقرار الداخلي، سواء عبر "الرشوة" الاستباقية التي أسكت بها التململ السياسي معتمداً على وفرته النفطية، أو عبر ارتكازه على التحالف التاريخي مع المؤسسة الدينية لتفريق صفوف المعارضة من جهة والدعم الغربي الذي يحظى به من جهة أخرى، فيبدو أن أركانه بدأت تهتز تحت وطأة التحديات المتنامية

السعودية
قوات مكافحة الشغب السعودية تقوم بتفريق مسيرة في قرية العوامية في آذار العام الماضي، طالب المشاركون فيها بالإفراج عن ثلاثة مدونين
 
 
 
 
كل المؤشرات في السعودية اليوم تشي بأن وصول "الربيع" إلى أرجاء المملكة بات مسألة وقت لا أكثر. أما ما ارتكز عليه النظام من عوامل لتعزيز الاستقرار الداخلي، سواء عبر "الرشوة" الاستباقية التي أسكت بها التململ السياسي معتمداً على وفرته النفطية، أو عبر ارتكازه على التحالف التاريخي مع المؤسسة الدينية لتفريق صفوف المعارضة من جهة والدعم الغربي الذي يحظى به من جهة أخرى، فيبدو أن أركانه بدأت تهتز تحت وطأة التحديات المتنامية.
 
فهل السعودية باتت جاهزة للتغيير إذاً؟ وهل ما يُحكى عنه من حراك داخلي تعيشه المملكة حقيقي، يحجبه فقط خوف الإصلاحيين من التعبير؟ أم إن النظام سيستطيع احتواء المطالب "المادية" لسكان المملكة بما هو معروف عنه منذ عهود؟ ولكن كيف تفسّر المؤشرات الاقتصادية – الاجتماعية كالارتفاع "الكارثي" في معدلات البطالة وإضراب طالبات جامعة الملك خالد في أبها أمس.. ألم تسبق تلك المؤشرات نفسها شرارة الاندلاع في بلدان أخرى؟ وما الحجم الحقيقي للمعارضة الشيعية المتمركزة في المنطقة الشرقية؟
 
-------------
 
أسئلة كثيرة تخيّم على الذكرى السنوية الأولى لـ"يوم الغضب"، الذي جرى تنظيمه في السعودية في مثل يوم أمس من آذار الماضي. "الغضب" السعودي لم ينجح حينها في التوسع لحشد إجماع وطني حول مطالب الإصلاح، لأسباب يعزوها البعض لتركزه في منطقة "معزولة جغرافياً وطائفياً" كالمنطقة الشرقية أو الفشل في تأمين رؤية موحدة للإصلاح، فضلاً عن انقسام المعارضة طائفياً وقبلياً. اليوم "بدأ الحراك الإقليمي ينعكس على الداخل السعودي، وتبدو أوضاع البلاد قابلة على المستوى السياسي والاجتماعي، وتعكس هذه القابلية كذلك الصراعات بين الليبراليين والمحافظين ومشكلة البطالة الصارخة وما يتبعها من تظاهرات لطلاب ومتخرجين"، حسب الكاتب والمحلل السياسي السعودي حمد الباهلي الذي يؤكد في حديثه لـ"السفير" أن "الأزمة الحقيقية هي عدم انسجام الخطاب السياسي الرسمي مع المشكلات الداخلية المتراكمة، فالمشكلة لا تقتصر فقط على عدم رسم سياسة واضحة لمستقبل الدولة، بل حتى لمستقبل الحكم نفسه".
 
مشكلة البطالة تحولت إلى "حديث الساعة" في السعودية، بعيداً عن مظاهر الوفرة التي تشتهر بها المملكة والتي يدعيها النظام، أما نسبة الـ10 في المئة من العاطلين عن العمل، أي حوالى مليوني عاطل، التي تؤكدها التقارير الرسمية فهي خير دليل، في وقت تصل هذه النسبة إلى عشرين في المئة بحسب الأرقام غير الرسمية. وهذه الأرقام نفسها، وفقاً لتقرير للباحثة إلهام فخرو نشره معهد "كارنيغي"، تكشف أن 670 ألف عائلة، أي حوالى ثلاثة ملايين شخص من أصل 18 مليون نسمة، تعيش في الفقر. كما أن البؤس لا يقتصر على المناطق الريفية، فقد نقل وثائقي عُرض عن الفقر في الرياض مؤخراً شهادات عن عائلات تأكل وجبة واحدة في اليوم، ويقيم عشرون من أفرادها في المنزل نفسه. ويبلغ معدل الرواتب أقل من 1300 دولار في الشهر، مع وجود فجوة هائلة بين الطبقات الاجتماعية، خاصة أن 22 في المئة من السكان يعيشون في الفقر، ما يعني أنه ليس للثروة النفطية تأثير كبير على مستوى حياة المواطن العادي كما هي الحال في دول الخليج الأخرى، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية. وتؤكد الصحيفة أن السعودية هي المصدرة الأولى للنفط في العالم، لكنها مهدَّدة بخسارة هذه المكانة بسبب الاستهلاك الداخلي المفرط للوقود الذي ينمو بنسبة سبعة في المئة سنوياً... كما أن الخطط الطويلة الأمد لم تنجح في تنويع الاقتصاد: ما زالت الحكومة تستمدّ نحو 75 في المئة من إيراداتها و90 في المئة من عائداتها التصديرية من النفط، ولا يزال الناتج المحلي الإجمالي للفرد في السعودية الأدنى بين بلدان مجلس التعاون الخليجي.
 
ويشرح مصدر سعودي معارض لـ"السفير" أن هذه المشاكل تتفاقم نتيجة الحلول المؤقتة، فالمسألة هي في النمط الاقتصادي، حيث يتوجب خلق مناخ اقتصادي يتحرك فيه القطاع الخاص"، موضحاً أن "مخرجات التعليم الرسمي تسهم في زيادة معدلات البطالة إذ يتفادى القطاع الخاص توظيف متخرجي العام، وعددهم كبير، لضعف مؤهلاتهم".
 
ووفقاً للمصدر "عندما يتصاعد العاملان، الاجتماعي والاقتصادي، يتحولان إلى سياسي، وعندها تكون البؤر الصغيرة من الاحتقان والتوتر مرشحة للالتقاء مع بؤر أخرى"، مردفاً أن "سيناريوهات المستقبل تبقى معقدة تستعصي على القراءة الواضحة، إلا أن الأمر برمته يبقى منوطاً بعنصر المفاجأة الذي لا يمكن لأحد توقعه".
 
النظام و"مرض" النكران
 
عنصر المفاجأة يشكل ركناً أساسياً في قراءة الباهلي لما ستؤول إليه الأحداث، وإن كان يؤكد أنه ما زالت هناك فسحة من الوقت يمكن خلالها أن تتبلور الصورة أكثر فأكثر. في هذه الأثناء، يعود الكاتب المعروف بتوجهه الليبرالي إلى تقييم أداء النظام كونه الباب الأكثر وضوحاً لفهم المسار الذي تسلكه المملكة. ويقول "عندما توفي ولي العهد الأمير سلطان تحولت الأنظار إلى الأمير نايف على أمل أن يظهر ميلاً لصياغة سياسات أكثر تماسكاً، ولكن تبيّن لاحقاً أن عدم الاستقرار يوسّع رقعته مهدداً النظام السياسي"، ويوضح "هناك محاولات غير مترابطة ومرتجلة لدى النظام للتعامل مع الأزمات، يغذيها ترسمله بالرصيد الجمعي وقوته المالية والدينية.. كأنه يعمل على البَرَكة"، منتقداً "إمعان النظام في تجاهل المشاكل وإنكار وجودها، ويتصرف وكأن لا شيء يحصل".
 
من هنا، ينتقل الباهلي إلى مشكلة الشيعة في المنطقة الشرقية كونها "المثال الأكثر وضوحاً لإنكار النظام لأزماته". تجربة الباهلي من خلال عمله لفترة طويلة في تلك المنطقة تدفعه للتأكيد أن "النظام يميل إلى التهويل بالخطر الإيراني في إطار المخطط الإقليمي الكبير للمواجهة السنية ـ الشيعية، ولكنني أعرف الناس في المنطقة الشرقية، هم ينتظرون حلولاً سهلة. مطالبهم بسيطة تكفيها تقديمات متواضعة، يمكنها أن تحولهم على المدى المتوسط إلى عنصر داعم لاستقرار الأوضاع... بمعنى أن احتواء مشكلة المنطقة الشرقية أمر ممكن بالنسبة للسلطة يعززه الولاء الكبير الذي يمتلكه أهلها تجاه البلاد". والجدير بالذكر هنا أن المنطقة الشرقية تضم 90 في المئة من احتياطيات النفط في البلاد، إلا أنها من الأشد فقراً في السعودية، ويشتكي سكّانها منذ وقت طويل من التمييز المذهبي.
 
ينسحب الأمر، حسب الباهلي، على باقي المشكلات "سواء ما حدث في أبها قبل أيام، أو ما أثير حول قضية حمزة كشغري وغيرها من قضايا الاعتقال التعسفي لمجموعة من المحامين قبل سنوات وللمدونين وسجناء الرأي، حيث تمتلك السلطة الإمكانيات المادية والمعنوية لحلها ببساطة، ولكن ما ينقصها هو جرأة الاعتراف بوجود هذه المشاكل والاستمرار في الاستناد إلى نظرية "الوضع في السعودية مختلف" السائدة حاليا".
 
يُذكر أنه في تشرين الثاني الماضي، وفقاً لتقرير "كارنيغي"، حُكِم على ستة عشر رجلاً بالسجن لفترات طويلة بعدما حاولوا إنشاء منظمة لحقوق الإنسان. كما اعتُقِل مؤسّس جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية في أيار الماضي، وكذلك عشرة أعضاء من حزب الأمة الإسلامي الذي طالب بتمثيل أكبر وبإنهاء الحكم الملَكي المطلق. ويوضع آلاف المواطنين أيضاً في الحجز في مختلف أنحاء البلاد على خلفية تُهَمٍ أمنية. علماً أن المعلومات الخاصة تشير إلى أنه تجري حالياً مناقشة قانون جديد لمكافحة الإرهاب سيجيز تمديد الحجز من دون تهمة بموجب تعريفات واسعة للإرهاب تشمل "تعريض الوحدة الوطنية للخطر" و"الإساءة لسمعة الدولة أو مكانتها في العالم".
 
شرارة الاندلاع.. والتحديات
 
ترى صحيفة "الغارديان" أن الخلافات بين أفراد الجيلَين الثاني والثالث في العائلة المالكة، اللذين تتعارض آراؤهما حول وتيرة الإصلاح ومساره، قد تخلق فرصةً لإعادة خلط أوراق التحالفات. فيما يسعى قادة جدد إلى تطوير مساحات نفوذ خاصة بهم. وفي الوقت الذي تستمرّ فيه التيارات المعارِضة في خوض معركتها تحقيقاً للربيع السعودي الذي تصبو إليه، سيتوقّف نجاحها في المستقبل على قدرتها على الاتحاد حول مجموعة وطنية مشتركة من المطالب السياسية، وعلى التخلّص من شياطين القبلية والمذهبية.
 
ووسط التردد الشعبي في التحرك بفعل الخوف من ارتباط التغيير بالفوضى كما في ليبيا واليمن، وأمام التحالف "الاستراتيجي" الناجح بين النظام والمؤسسة الدينية المحافظة الذي استطاع أن يحتوي العديد من الحركات المعارضة بـ"تحريم الاحتجاجات"، على سبيل المثال، وإزاء تحديات المعارضة بالتخلّص من شياطين القبلية والمذهبية... يبقى سؤال "كيف" و"متى" ستندلع "الشرارة" رهن ما ستحمله أيام المملكة المقبلة.
"السفير"

التعليقات