22/03/2012 - 15:40

حراك الطلاب السعوديين: سقوط الأوهام../ بدر الإبراهيم*

لم يكن احتجاج الطالبات في جامعة الملك خالد في أبها (جنوب السعودية)، وما تبعه من تظاهرات الطلاب والطالبات المُطَالِبَة بإقالة مدير الجامعة عبد الله الراشد، الأول من نوعه في السعودية. لقد كان تتويجاً صاخباً لأكثر من تحرك قامت به طالبات جامعيات في أكثر من جامعة سعودية، على مدار العام الماضي. ويبدو أنّه سيكون نقطة انطلاق لمطالب أوسع لطلاب وطالبات الجامعات، خصوصاً بعد الاعتصام الأخير لطالبات جامعة القصيم للمطالبة بتغيير أوضاع الجامعة السيئة، والتأكيد على التضامن مع طالبات أبها في مطلب إقالة الراشد

حراك الطلاب السعوديين: سقوط الأوهام../ بدر الإبراهيم*
لم يكن احتجاج الطالبات في جامعة الملك خالد في أبها (جنوب السعودية)، وما تبعه من تظاهرات الطلاب والطالبات المُطَالِبَة بإقالة مدير الجامعة عبد الله الراشد، الأول من نوعه في السعودية. لقد كان تتويجاً صاخباً لأكثر من تحرك قامت به طالبات جامعيات في أكثر من جامعة سعودية، على مدار العام الماضي. ويبدو أنّه سيكون نقطة انطلاق لمطالب أوسع لطلاب وطالبات الجامعات، خصوصاً بعد الاعتصام الأخير لطالبات جامعة القصيم للمطالبة بتغيير أوضاع الجامعة السيئة، والتأكيد على التضامن مع طالبات أبها في مطلب إقالة الراشد.
 
الملاحظ أنّ الحراك قد بدأ في الوسط الطلابي الساكن لفترة طويلة، وأنّ الطالبات الجامعيات هن من يقود هذا الحراك بشكل أساسي، وإن كان الطلاب أيضاً قد دخلوا على الخط. عند تحليل الأسباب، يمكن إحالة هذا الحراك المتنامي في الجامعات السعودية إلى تغيير واضح في المزاج وأنماط التفكير عند فئة الشباب الجامعيين تحديداً. فما يحدث هو نتيجة لتفاقم سوء الأوضاع الناتج من غياب لغة تفاهم مشتركة بين الشباب والمسؤولين من جهة، وتغيّر أساليب الشباب في التعبير عن أنفسهم وواقعهم من جهة أخرى.
 
ما حدث أنّ المسؤولين لم يفهموا تراكم المتغيّرات في المجتمع السعودي الذي تشكل الفئة الشابة الغالبية الساحقة فيه، ولم يدركوا أنّ للشباب متطلبات لم تعد الأدوات والمناهج القديمة في التعاطي معهم مجدية في دفنها، وها هي تخرج إلى السطح بشكل لم يكن متوقعاً، لتؤكد على تغيير صريح في طبيعة تفكير الشبان والشابات. إذ إنّهم يخرجون في مسيرات جماعية مطالبين بإقالة أكبر مسؤول في إدارة المؤسسة التي ينتمون إليها، ويقدمون مطالبهم بطريقة تختلف عن استجداء الهبات والمكرمات التي كان من المفترض أنّ العقل السعودي قد تعوّد عليها، ويرفضون الواقع الحالي بما يحمله من فساد وفشل إداري وتنموي.
 
يضاف إلى ذلك تراكم الكبت الخاص بالمرأة السعودية، وقد أظهر تصدّي الطالبات تحديداً لقيادة الحراك رغبة منهن في التعبير عن ذواتهن ومطالبهن بشكل واضح عبر إسماع أصواتهن للمسؤولين وأصحاب القرار. ولا يمكن عزل هذه الحركة عن تراكم الغبن الذي تشعر به النساء السعوديات نتيجة تهميشهن في الواقع السعودي، وبالتالي تظهر هذه المطالبة في أحد أوجهها كتعبير عن الاستياء من كامل الواقع الذي يخنقهن، وينعكس في حياتهن الجامعية الشبيهة بالحياة في السجون. ويتكامل هذا الحراك مع النموذج الذي قدمته منال الشريف في مطالبتها العملية بقيادة المرأة للسيارة عبر قيادة سيارتها في شوارع مدينة الخبر، وما تلا ذلك من حملة لقيادة السيارة استجاب لها عدد من النساء.
 
يقدم الحراك الطلابي الأخير نموذجاً مناقضاً لكل الخطاب الإعلامي الرسمي على مدى السنوات الماضية، ويسقط عدداً من الأوهام التي أصر الخطاب الإعلامي على الترويج لها. ولعل أبرز الأوهام الساقطة هو وهم النهضة التنموية الشاملة في البلاد، والتي يركز عليها الخطاب الإعلامي الرسمي بوصفها منجزاً يكفي المواطنين ويغنيهم عن أي مطالبة بالتحوّل الديموقراطي. وقد كان من الضروري أن تظهر على السطح صورة الجامعات المفتقرة لمقومات الجامعة الأساسية، والمتمتعة بسوء الخدمات المقدمة للطلاب والطالبات في بلد نفطي غني ليسقط الحديث عن إنجازات التنمية بالضربة القاضية.
 
الحديث المتكرر في السنوات الماضية عن إنشاء جامعات في عدد من مناطق المملكة، والاحتفاء بهذا الأمر، بدده تحرك الطالبات والطلاب في جامعة الملك خالد والذي كشف أنّ هذه الجامعات ليست إلا مدارس ثانوية كبيرة، لا علاقة لمبانيها وتجهيزاتها وطرق التدريس فيها وتعاطي إدارتها مع الطلاب بمسمى جامعة، وأنّ الفساد المالي والإداري لم يترك مجالاً إلا ودمره. هكذا ظهرت صورة غياب النظافة، الذي تشتكي منه طالبات جامعة الملك خالد، كصورة لوطنٍ بأكمله ملأه الفاسدون بأنواع القذارات وتمت التغطية عليها، عبر الفرقعة الإعلامية التي تنكشف ولو بعد حين، كما حدث في فضيحة جامعة الملك سعود التي صعقت بها مجلة "ساينس" المعروفة كل من صدق خداع التصنيفات.
 
وهم آخر سقط بحراك الطالبات والطلاب هو وهم الخصوصية السعودية. إذ روّج الخطاب الإعلامي الرسمي لعدم وجود تأثيرات للربيع العربي على المجتمع السعودي. وتوهم البعض أنّ الرخاء الاقتصادي سيقف سداً منيعاً بوجه أي تأثير للربيع العربي على السعوديين، لكن المفاجئ بالنسبة إليهم أنّ هذا الرخاء السطحي وغير المؤسس على أسس متينة كان هو الثغرة الرئيسية التي نفذت منها تأثيرات الربيع العربي. فالفساد في الجامعات والمؤسسات المختلفة والفقر والبطالة المتزايدة التي تدفع شباناً يافعين للانتحار، صارت قضايا لا يمكن تجاهل تأثيراتها في تحريك الناس للمطالبة بحقوقهم. ولا يقدم منع الناس من الحديث عن الفقر مثلاً في وسائل الإعلام، إلا صباً للزيت على نار المشكلة.
 
تأثيرات الربيع العربي واضحة في طريقة حركة الطالبات والطلاب، وتجمعهم للتعبير عن مطالبهم المشروعة. مع ذلك لا يمكن المبالغة في تقدير هذا الأمر وتضخيمه. لكن من المهم التأكيد أنّ طريقة تعاطي الناس مع مشاكلهم تتغيّر، والحراك الطلابي يقدم نموذجاً بجانب نماذج أخرى للإضراب عن العمل في شركات ومؤسسات مختلفة تتزايد مع مرور الوقت، وهو ما يؤكد وجود تأثير حقيقي يتعلق تحديداً بثقافة المطالبة بالحقوق واتخاذ أشكال مختلفة وجديدة في التعبير عنها.
 
يشير الحراك الطلابي إلى سقوط الوهم المتعلق بكون الطالبات والطلاب في الجامعات السعودية مدجنين بشكل كامل وبعيدين تماماً عن الأجواء الطلابية المعتادة في البلدان العربية الأخرى. فقد قدم الحراك الأخير رسالة تتعلق بأهمية إيجاد اتحادات طلابية منتخبة، تستوعب الطلاب، وتمثل كياناً لهم يحرص على حقوقهم ومصالحهم وتحترمه إدارات الجامعات.
 
وهم الرخاء المالي يتبدد مع تزايد أعداد العاطلين وانتحار بعضهم، وتزايد أعباء الحياة التي تقلص وجود الطبقة الوسطى وتضغط عليها، والأهم وجود الفساد كثقافة وممارسة لم تترك للبلد النفطي إلا صوراً نادرة للنجاح التنموي والرضا الشعبي عن الخدمات والبنية التحتية.
 
خلاصة القول إنّ جيلاً سعودياً جديداً يقدم مقاربة مختلفة لواقعه، في ظلّ متغيرات داخلية وخارجية عديدة وكبيرة، وأنّ الفساد والإهمال وتردي الخدمات يفاقم الإشكال مع هذا الجيل ويزيد الاحتقان. لذا لا مناص من محاولة فهم لغة الشباب ومطالبهم بالتغيير والتعاطي معهم ومع الواقع بلغة وأدوات جديدة ومختلفة تماماً.
"الأخبار"

التعليقات