21/04/2012 - 11:16

"أخلاقيّات" القوّة وقوّة "أخلاقيات بيريس../ زهير أندراوس

وزيرة المعارف الإسرائيليّة السابقة، شولاميت ألوني، هي باعتقادي المتواضع جدًا، من أصدق الصهاينة الذين التقيت معهم خلال مسيرتي الصحافيّة، وبطبيعة الحال الأمور نسبيّة. قبل ثلاث سنوات ونيّف، وصلت إلى بيتها في كفار شمرياهو، لإجراء لقاءٍ معها. قالت إنّ براك هو مجرم حرب وكذلك أولمرت، ولفتت إلى أنّه خلال محاضرة ألقتها أمام حشد من ضباط جيش الاحتلال قالت لهم: جميعكم بدون استثناء، أياديكم ملطخة بالدماء، انتم تملكون الطائرات وتقتلون، وهم يفجرون أنفسهم لأنّ لا طائرات عندهم. وقال أحدهم إنّك تقارنين بين دمّنا وبين دم الفلسطينيين، فأجبت إنّه نفس الدم، وأردفت: دولة قويّة وعظمى مثل إسرائيل، التي لا أفتخر بها، يجب أنْ تتنازل من أجل السلام، أمّا عن الجيش فقالت إنّه جيش احتلال، مشددةً على أنّ دولة إسرائيل هي دولة قوية جدًا من الناحية العسكريّة والاقتصاديّة والتربية والتعليم، ولكن حكّامها يعملون على غسل دماغ المواطنين بأنّهم ضحايا وإخافتهم، وكيفما تدور في إسرائيل يقول لك الشعب البسيط إنّ العرب يريدون إلقاءنا في البحر، ولنفترض أنّ ذلك صحيحًا، هل يملكون القوة لإخراج ذلك إلى حّيز التنفيذ؟ وتابعت ألوني: الحكماء الذين يجلسون في موقع صنع القرار يخيفون الشعب، بدل أنْ يزرعوا فيه الثقة والأمان، أيْ اليهودي الملاحق، وبالتالي فإنّهم يجمعون القوة لتنفيذ ما يشاؤون، ولا تنسى أنّ الذين أقاموا الدولة وصلوا إلى هنا من دول غير ديمقراطية، هل أحضروا معهم الديمقراطية، الجواب لا

وزيرة المعارف الإسرائيليّة السابقة، شولاميت ألوني، هي باعتقادي المتواضع جدًا، من أصدق الصهاينة الذين التقيت معهم خلال مسيرتي الصحافيّة، وبطبيعة الحال الأمور نسبيّة. قبل ثلاث سنوات ونيّف، وصلت إلى بيتها في كفار شمرياهو، لإجراء لقاءٍ معها. قالت إنّ براك هو مجرم حرب وكذلك أولمرت، ولفتت إلى أنّه خلال محاضرة ألقتها أمام حشد من ضباط جيش الاحتلال قالت لهم: جميعكم بدون استثناء، أياديكم ملطخة بالدماء، انتم تملكون الطائرات وتقتلون، وهم يفجرون أنفسهم لأنّ لا طائرات عندهم. وقال أحدهم إنّك تقارنين بين دمّنا وبين دم الفلسطينيين، فأجبت إنّه نفس الدم، وأردفت: دولة قويّة وعظمى مثل إسرائيل، التي لا أفتخر بها، يجب أنْ تتنازل من أجل السلام، أمّا عن الجيش فقالت إنّه جيش احتلال، مشددةً على أنّ دولة إسرائيل هي دولة قوية جدًا من الناحية العسكريّة والاقتصاديّة والتربية والتعليم، ولكن حكّامها يعملون على غسل دماغ المواطنين بأنّهم ضحايا وإخافتهم، وكيفما تدور في إسرائيل يقول لك الشعب البسيط إنّ العرب يريدون إلقاءنا في البحر، ولنفترض أنّ ذلك صحيحًا، هل يملكون القوة لإخراج ذلك إلى حّيز التنفيذ؟ وتابعت ألوني: الحكماء الذين يجلسون في موقع صنع القرار يخيفون الشعب، بدل أنْ يزرعوا فيه الثقة والأمان، أيْ اليهودي الملاحق، وبالتالي فإنّهم يجمعون القوة لتنفيذ ما يشاؤون، ولا تنسى أنّ الذين أقاموا الدولة وصلوا إلى هنا من دول غير ديمقراطية، هل أحضروا معهم الديمقراطية، الجواب لا.
 
***
 
سُقنا هذه المقدّمة على وقع إحياء ذكرى المحرقة (الهولوكوست) التي تعرض لها اليهود، إبّان الحرب العالميّة الثانيّة من قبل المجرم النازيّ أدولف هيتلر، إننّا إذْ نتضامن مع الناجّين من المحرقة، ونُشارك عائلات الضحايا في مصابهم الأليم، من منطلق إنسانيتنا وفلسطينيتنا وعروبتنا، نرى من المناسب أنْ نتطرّق إلى أقوال الثعلب جزّار قانا ورئيس الدولة العبريّة، شيمعون بيريس، الذي يتبوأ منصبًا رفيعًا في تزييف الحقائق والتاريخ، ويظهر هذا الثعلب أمام العالم ككبش فداء: النازّيون، يقول بيريس، عرفوا أنّ قوة اليهود الأخلاقيّة أهّم من قوتهم العسكريّة، لهذا اقترفوا الجريمة، ومن أقواله أيضًا: إنّنا لن نشعر بالأمن والاطمئنان ما دام الإسلام شاهرًا سيف الجهاد، ولن نطمئن حتى يخمد الإسلام سيفه إلى الأبد. أمّا بالنسبة للحكم العسكريّ، الذي فرضته الدولة العبريّة على فلسطينيي الداخل منذ إقامتها على أنقاض شعبنا فيقول هذا المراوغ: إنّ تطبيق القانون 125 الذي اعتُمد عليه في تشكيل الحكم العسكري هو استمرارية مباشرة للنضال في سبيل الهجرة والاستيطان اليهوديّ.
 
***
 
أقوال هذا الثعلب يُمكن إدخالها في العبثيّة، والعبثيّة هي مدرسة أدبيّة فكريّة، تدّعي أنّ الإنسان ضائع ولم يعد لسلوكه معنى في الحياة المعاصرة، ولم يعد لأفكاره مضمون، وإنّما هو يجتر أفكاره لأنّه فقد القدرة على رؤية الأشياء بحجمها الطبيعيّ، نتيجة للرغبة في سيطرة الآلة على الحياة لتكون في خدمة الإنسان حيث انقلب الأمر فأصبح الإنسان في خدمة الآلة، وتحول الناس إلى تروس في هذه الآلة الاجتماعيّة الكبيرة. وبيريس هو عبثيّ، لأنّ أقواله حول دافع النازيين لقتل اليهود لا تمت إلى الحقيقة بصلة، ذلك أنّ الحركة الصهيونيّة، وصنيعتها دولة الاحتلال، أثبتتا عكس ذلك، باعتمادها على القوة العسكريّة لتنفيذ مخططاتهما الخبيثة واللئيمة في فلسطين التاريخيّة وفي العالم العربيّ المستباح، ومن واجبنا، لا بلْ من حقّنا أنْ نسأل هذا الثعلب المكّار: ما العلاقة بين الأخلاقيات والعسكرة؟ هل تعتقد أنّ زعمكم بأنّ جيش احتلالكم هو أكثر الجيوش أخلاقيّة في العالم، بات ينطلي على جميع الشعوب في كلّ أصقاع العالم؟ للتذكير وللمعلومات العامّة فقط، الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي العربيّة والفلسطينيّة هو أقدم وأقذر وأبشع احتلال في العصر الحاليّ، وبالتالي عن أيّ أخلاقيّات تتكلم يا ثعلب؟ والثعالب، بمناسبة، حيوانات متوحدّة على عكس العديد من الكلبيّات الأخرى، وهي مفترسات منتهزة للفرص تقتات على مجموعة متنوّعة من الأغذية مثل القوارض بشكلٍ خاص بالإضافة للجنادب. وللتنوير: فقد قالوا إنّ الثعلب أراد أن يختطف عنقودًا من العنب، فلم يقدر على ذلك وأعياه أمره و أحّس بالعجز عنه، فارتد عنه وهو يقول: إنّه حصرم.
 
***
 
في العام 1969 قالت غولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيليّة آنذاك: ليس عندي أدنى شك، في أنّه عندما يأتي اليوم الذي تكون فيه إمكانية حقيقيّة للسلام، لن يتنازل أحد منّا عن شبر واحد من الأراضي التي يمكن أن تضمن حدودا آمنة.
 
أمّا بيريس، الذي يتكلّم بكل صلفٍ ووقاحةٍ عن الأخلاقيّات، لا العسكرة، فإنّه يتباهى ويفتخر بمناسبة أوْ بغيرها، بأنّه أقام الفرن الذريّ في ديمونا بالجنوب، والذي حسب المصادر الأجنبيّة، يحتوى على أكثر من 200 رأسٍ نوويٍّ، بإمكانها محو العالم العربيّ عدّة مرّات عن الخريطة، أيْ أنّ هذا الثعلب هو الذي أدخل الأسلحة الفتاكّة إلى المنطقة، ولا نعتقد أنّه أقدم على هذه الفعلة للمحافظة على حدودٍ أمنة للدولة العبريّة، فقوتها العسكريّة، بدون أسلحة الدمار الشامل، تتفوق على جميع الجيوش العربيّة، وكما قالت ألوني، فإنّ دولة الاحتلال، هي دولة عظمى وقويّة، ودولة عظمى عليها أنْ تستغل قوتها الاقتصاديّة والعسكريّة لإحلال السلام، ولكنّ أركان إسرائيل يخشون من السلام، ربّما لأنّه سيؤجج الصراعات الداخليّة داخل المجتمع اليهوديّ في إسرائيل بين الاشكناز وبين المستجلبين من الدول العربيّة، بين العلمانيين والمتدينين، بين الفقراء والأغنياء، ذلك أنّه بعد مرور 64 عامًا على تأسيس الدولة تبيّن أنّ حلم بن غوريون، الذي رفض حمل الهويّة الزرقاء، لأنّه كُتب عليها أيضًا باللغة العربيّة، بتأسيس أمّة إسرائيليّة بات على مزبلة التاريخ.
 
***
 
وبما أننّا أتينا على ذكر بن غوريون، فلا غضاضة بالاستعانة بمقولته الشهيرة: "لو كنت زعيمًا عربيًا لما صنعت سلامًا مع إسرائيل، هذا أمر طبيعيّ لأننّا أخذنا بلادهم"، وكما هو معلوم فإنّ الثعلب المكّار بيريس هو تلميذ بن غوريون، ورئيس الوزراء الحاليّ، بنيامين نتنياهو، بات في الآونة الأخيرة يتقرّب من مَنْ يُطلقون عليه لقب مؤسس الدولة العبريّة، أمّا المجرم بامتياز أرئيل شارون، فقد قال: "إنّك ببساطة لا تحمل الناس في شاحنات وتذهب بهم بعيدًا، إننّي أُفضّل التوصيةبسياسة ايجابيّة، أنْ تخلق في الواقع وضعًا يدفع العرب بطريقة ما إلى أنيُغادروا". وما أشبه اليوم بالبارحة، أركان الصهيونيّة جميعهم، لا يُريدون السلام، لا مع أنفسهم ولا مع الأمّة العربيّة، إنّهم يعملون بدون كللٍ أوْ مللٍ لتحقيق الأطماع التاريخيّة للحركة الصهيونيّة، وهل تعتقدون أنّ قرار الأمم المتحدّة الذي ساوى بين الصهيونيّة والعنصريّة جاء من عبث؟ الجواب لا.
 
***
 
إنّ الفترة التاريخيّة التي صعدت فيها الصهيونيّة في منتصف القرن الثامن عشر تعطيها مباشرة صفة العنصريّة لأنّ تلك الفترة هي ذروة الغزو الكولونياليّ للعالم الثالث، والذي رفع شعارات عنصريةّ تُخفي فيها رسالة الإنسان الأبيض، تصدير الحضارة إلى البلدان المتخلفة، وفرض حكمة الغرب ضد جهل الشرق، وبمّا أنّ بيريس، هو من أخطر منظري الصهيونيّة، نسأل: كيف حصل هذا الرجل على جائزة نوبل للسلام؟ إنّ أطفال قانا، الذين قتلتهم يا بيريس، سيُواصلون ملاحقتك، لأنّه وفق القانون الدوليّ: أنت مجرم حرب. نقطة. واعتمادًا على ما ذُكر نجد أنّ إسرائيل التي تدّعي الديمقراطيّة تُقسّم المجتمع إلى قسمين: جزء تُطبّق عليه الديمقراطيّة الصهيونيّة ويشمل اليهود، وجزء يُطبّق عليه القمع ويشمل الفلسطينيين، وبذلك تظل الصهيونيّة مخلصة لمعايير التمييز العنصريّ: الديمقراطيّة لليهود ولا ديمقراطية لغير اليهود. 

التعليقات