22/04/2012 - 05:06

ربيع الأسرى/ عوض عبد الفتاح

ويخطر السؤال في ضوء ذلك كله، لماذا يضطر المناضلون وراء القضبان كأفراد وكجماعة الى امتشاق سلاح الإضراب عن الطعام لما فيه من تعذيب للجسد، وماذا تعني مبادرة خضر عدنان والتي اقتفى أثرها، هناء شلبي ومناضلون آخرون في مسيرة كفاح أليمة. كيف نضع ذلك ضمن المشهد السياسي القائم.

ربيع الأسرى/ عوض عبد الفتاح

تلوح في الأفق بشائر ربيع الأسرى، بشرنا به خضر عدنان، ومن بعده هناء شلبي، وعبد الله البرغوثي. أزهاره لما تتفتح بعد، ولكن براعمه تداعب الريح وتقاوم العاصفة، وينجح عدنان بإضرابه الأسطوري، في ليّ عنق السجان، فيدشن لزملائه مسارًا جديدًا في كفاح الأسرى الأسطوري.. ويفتح بذلك باب الاحتمالات لتفاعلات شعبية طال انتظارها. هذا الربيع، الذي تعثر بعد وقت قصير من انطلاق الحراك الشبابي في آذار من العام الماضي بسبب تدخل قوى الاحتواء، تتحرك نسماته الآن، وسط طريق الآلام والمعاناة التي يكابدها أسرانا على مدار اللحظة.

مبادرة بطولية فردية كان أطلقها خضر عدنان، تبعها مبادرة فردية ثانية، ثم ثالثة، ثم رابعة، ثم موجة عارمة يتصدرها 1600 بطل، صبروا، ثم صبروا، ثم ثاروا وأطلقوا صرخة جماعية ينتظر أن تتحول إلى وقفة وحدوية شاملة. لقد اكتشف هؤلاء المناضلين أن صبرهم الطويل والأليم والمضني، في أتون عزل شديد القسوة لم يكفِ. لم يُحدث الهزّة العنيفة المطلوبة في المحتل.

ولكن حتى صبرهم أغاظ المحتل. وأزعجه صمودهم وقضّ مضاجعه. فقرر إضافة المزيد من الأثقال على أكتافهم، ظنًا منه أنه سيكسرهم، فإذا بهم يتحدونه بقوة أكبر، وبعزيمة أشد. ويخطر السؤال في ضوء ذلك كله، لماذا يضطر المناضلون وراء القضبان كأفراد وكجماعة الى امتشاق سلاح الإضراب عن الطعام لما فيه من تعذيب للجسد، وماذا تعني مبادرة خضر عدنان والتي اقتفى أثرها، هناء شلبي ومناضلون آخرون في مسيرة كفاح أليمة. كيف نضع ذلك ضمن المشهد السياسي القائم.

المشهد السياسي الحالي يتحكم به المحتل. يظهر على الأرض كلاعب وحيد. يُعيد تشكيل الجغرافيا والديمغرافيا وفق رؤيته الصهيونية العنصرية والاستعمارية. عبر التهويد، وإقامة الجدران، وعزل الناس عن بعضها البعض، والإيغال في القمع؛ المحتل يقمع كل مبادرة شعبية للنهوض، ويقمع أسرى الحرية مرتين وثلاثة واربعة وكأنه يُريد أن يُسدل الستار كليًا على جريمته الكبرى.

وفي هذا السياق يفرض المحتل على  أسرانا جولة جديدة من التعذيب والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية. وفي المقابل، نحن أمام حركة وطنية فلسطينية مأزومة، يتخاصمها فريقان رئيسيان؛ أحدهما لا زال رهينة لاتفاقية أوسلو، وقيودها المذلة والمهينة، وتنقصه الإرادة والرغبة في تحطيم هذه القيود نهائيًا مرة وللأبد، إذ يكتفِ بخطوات متواضعة. وفريق آخر اختار المقاومة نهجًا ولكن سرعان ما وجد نفسه وكانه يكرّر خطأ الفريق الأول دون أن يدري، ويقع في فخ ازدواجية السلطة والمقاومة.

وللأسف فإن كل المحاولات الجارية للمصالحة لم يتمخض عنها نتائج جدية، مما يقتضي هزة قوية من خارج الأطر الرسمية، تضعنا على عتبة مرحلة واعدة. فهل تكون انتفاضة الأسرى هي الهزة المطلوبة وتخرجنا من حالة الانقسام المأساوي، ومن حالة الارتهان للقوى المانحة، ومن حالة الوكيل المحافظ على أمن الاحتلال. إذًا فإن حركة الأسرى، ولجوءهم مرة أخرى الى سلاح المعدة الخاوية، هو ليس صرخة ضد المحتل فحسب، بل أيضًا هو إدانة لمن أخفق في إدارة النضال هناك في هرم السلطة، ولمن يصرّ على سياسة الانتظار الكارثية.

إن إضراب الأسرى عن الطعام هو نداء لاستعادة المبادرة، هو دعوة لإعادة الاعتبار للحركة الوطنية، باعتبارها حركة تحرر وطني، تتصدى وتقاوم، لا تتوسل. إنهم يخوضون نضالهم، وهم يحملون الأمل بأن من شأن هذا النضال أن يضع قضية ظروف اعتقالهم على أجندة الجميع، ليس هذا فقط بل إنه قد يفتح الأفق لحراك شعبي شامل متجدد ضد مجمل المشروع الاحتلالي الاستيطاني، ومجمل نظام القهر العنصري وهذه هي المعركة الأصلية التي يجب أن يشارك فيها بفعالية كافة تجمعات الشعب الفلسطيني.

وجودهم في الأسر، هو تحصيل حاصل مشاركتهم في النضال، وتضحياتهم الكبيرة. وإن تحسين شروط أسرهم وتجديد النضال من أجل إطلاق سراحهم هو جزء من عملية النضال الطويلة. لا يجوز السكوت على ظروف الإذلال والتعذيب التي يتعرضون لها الى حين تحقيق النضال الفلسطيني غايته النهائية، فلا بدّ من جعل هذه القضية، قضية الشعب كله بصورة فعلية وليس معنويًا فقط، قضية كل فرد من شعبنا، وأيضًا تحويلها إلى قضيّة دوليّة تضع العالم والمحافل الدولية أمام مسؤولياتهم. 

التعليقات