28/04/2012 - 06:03

ما الذي يريده نتنـياهــو مقــــابل تطوير الاقتصاد العربي؟ / امطانس شحادة

بالإضافة للسياسات الاقتصادية، يستعرض نتياهو شروطه السياسية مقابل رصد الميزانيات، ويقول "إن جميع الفعاليات التي نمارسها قد تُمنى بالفشل نظراً لوجود ظاهرة سلبية تمسّ بجودة الحياة والحرية في التجمعات السكنية العربية ألا وهي استشراء آفة الجريمة". وهنا يربط نتياهو بين تحقيق الامن الشخصي وخفض مستويات الجريمة بنجاح مشروع "الخدمة الوطنية- المدنية" متجاهل دور الحكومة وتقصير الشرطة في خلق هذا الواقع، اذ يقول "لا أعلم مصدر الادعاء الذي يعتبر الخدمة المدنية ضرباً من المؤامرة. إنه ليس من قبيل المؤامرة بل يمثل فكرة ممتازة. إذ يجب تجاوز هذا التابو وحشد طاقات السكان العرب لتقديم الخدمات المجتمعية لدعم المجتمع نفسه أي لمساعدتكم. أرجو منكم الانخراط بهذا المجهود لتحقيق غاية محاربة الجريمة".

ما الذي يريده نتنـياهــو مقــــابل تطوير الاقتصاد العربي؟ / امطانس شحادة

قــــراءة في مؤتـمــــــــر "شراكة وتنمية" 

 

 

عقد في مدينة حيفا منتصف آذار مؤتمر رئيس الحكومة لتطوير الاقتصاد العربي تحت عنوان "شراكة وتنمية 2012"، بمشاركة واسعة من مندوبي المجتمع العربي وعدد من الأكاديميين العرب، ورؤساء سُلطات محلية عربية، وناشطون في مؤسسات المجتمع المدني العربي، ورجال أعمال ومبادرين، بالإضافة الى مؤسسات إسرائيلية رسمية. ما يهمنا في هذه المقالة القصيرة هو جانبين من هذا المؤتمر، الاول، قراءة في خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والسياسات المقترحه فيه. ثانيا، مراجعة موقف من تحدث نيابة عن المجتمع الفلسطيني من الحضور ونوعية المطالب الاقتصادية التي طرحت، تحديدا، اشارات الفصل بين السياسي والاقتصادي الذي ذوتته النخب الفلسطينية المشاركة في المؤتمر.
 
توضح كلمة بنيامين نتانياهو أمام المؤتمر بشكل جلي ان تعامله مع تطوير الحالة الاقتصادية للسكان "غير يهود"، وفقا لتسمية نتنياهو، ينطلق من: أ- التزامه للفكر الاقتصادي اليبرالي؛ ب- الفصل بين الحالة الاقتصادية والسياسية للسكان العرب، ج- تطوير اقتصاد العرب بما يخدم اقتصاد إسرائيل. اذ يرى نتياهو ان القطاع الخاص والمبادرات الخاصة هما المحرك الاول لتطوير الاقتصاد العربي، في ظل حيادية الدولة، ويرمي الي اقناع السكان العرب بالاكتفاء بتحسين الظروف الاقتصادية المعيشية والابتعاد عن مطالب سياسية او قومية أخرى. لكنني اعتقد التعامل مع حالة الاقتصاد العربي في إسرائيل وفقا لمفاهيم الاقتصاد الليبرالي ليس بريئا، كونه يسمح بتجاهل وجود معيقات بنيوية سياسية تعمل على اعاقة تنمية الاقتصاد العربي، ويتجاهل الحاجة في تدخل الدولة لتطوير الاقتصاد العربي الكلي ويكتفي بالتغني بخلق مبادرات اقتصادية فردية ناجحة، تحسن نوعا ما من اداء ومعطيات اقتصاد السكان "غير اليهود". 
 
اما اخراج البعد السياسي عن الواقع الاقتصادي فيتجلى من خلال رفض نتياهو الاعتراف بان تغيير المكانة الاقتصادية تحتاج الى تغيير المكانة السياسية والقانونية للسكان "غير اليهود"، ومن خلال اقصاء قيادات سياسية عربية من عملية وضع السياسات الاقتصادية المعمول بها لتطوير اقتصاد العرب، وتخويل سلطة حكومية للعمل على تطوير اقتصاد الاقليات لتكون تحت سيطرة الحكومة واذرعها، وتتحكم بمنسوب تطوير الاقتصاد العربي، حدوده ومعالمه، مثل الوضع الراهن، حين تكون الدولة بحاجة لاستعمال الاقتصاد العربي لتطوير الاقتصاد الكلي وتحقيق أهدافه، مثل رفع نسبة المشاركة في قوى العمل ورفع الانتاجية والدخل السنوي لكي يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي ألتطور. على سبيل المثال يقول نتنياهو في كلمته في افتتاح ألمؤتمر: "وإذا تمكنا من زيادة نسبة الناتج القومي للفرد لدى أبناء الأقليات والسكان اليهود المتشددون دينياً (الحريديم) فإننا سنصل بسرعة فائقة إلى مستوى 40 ألف دولار كناتج محلي سنوي للفرد الواحد، مما يجعلنا نحتلّ مرتبة متقدمة بين قائمة الدول المتطورة في العالم". ويضيف نتنياهو، "أن كل تصريحات الشخصيات العامة تُختبر دوماً وفق معيار واحد قبل غيره ألا وهو الأموال. ونحن ندعم التزاماتنا بالأموال على أرض الواقع". وبهذا، يطلب نتياهو من السكان العرب الاهتمام فقط بما يرصد من أموال، حتى لو قامت الشخصيات العامة او متخذي القرار بسن قوانين عنصرية، او بشتم وتهديد العرب بالطرد او ألقمع. فهذا كله غير هام وفقا لنتنياهو، المهم كم ندفع !!! 
 
بالإضافة للسياسات الاقتصادية، يستعرض نتياهو شروطه السياسية مقابل رصد الميزانيات، ويقول "إن جميع الفعاليات التي نمارسها قد تُمنى بالفشل نظراً لوجود ظاهرة سلبية تمسّ بجودة الحياة والحرية في التجمعات السكنية العربية ألا وهي استشراء آفة الجريمة". وهنا يربط نتياهو بين تحقيق الامن الشخصي وخفض مستويات الجريمة بنجاح مشروع "الخدمة الوطنية- المدنية" متجاهل دور الحكومة وتقصير الشرطة في خلق هذا الواقع، اذ يقول "لا أعلم مصدر الادعاء الذي يعتبر الخدمة المدنية ضرباً من المؤامرة. إنه ليس من قبيل المؤامرة بل يمثل فكرة ممتازة. إذ يجب تجاوز هذا التابو وحشد طاقات السكان العرب لتقديم الخدمات المجتمعية لدعم المجتمع نفسه أي لمساعدتكم. أرجو منكم الانخراط بهذا المجهود لتحقيق غاية محاربة الجريمة".
 
من حيث لا يعلم
اما المهندس رامز جرايسي رئيس بلدية الناصرة واللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية العربية فقط تحدث في افتتاح المؤتمر، بصفته التمثيلية باسم المجتمع العربي، وقال "ازداد في السنوات الاخيرة الاهتمام بالطاقة الاقتصادية الكامنة في الوسط العربي لتطوير الاقتصاد العام في ألبلاد، وفي حالة تخصيص الادوات والموارد اللازمة سيشكل رافعة لجسر الهوّة الاجتماعية – الاقتصادية بين اليهود والعرب". وعرض جرايسي 6 نقاط اساسية لتطوير الاقتصاد العربي، تتمحور جميعها في الجانب الاقتصادي دون الربط بينها وبين تغيير جذري للسياسات الحكومة المنتهجة تجاه السكان العرب في كافة المجالات، وبذلك ذوت الفصل بين السياسي والاقتصادي، حتى لو لم يقصد ذلك. النقاط التي طرحها جرايسي تتمحور في: وضع خطة خاصة واسعة لتطوير كل الوسط العربي والتي تعتمد المسح العلمي للاحتياجات (اي دون ربطها بتغيير السياسات)؛ تطبيق قرار الحكومة بتفعيل التعليم المجاني لأجيال 3-4؛ تأكيد توصيات لجنة طراختنبرغ على أهمية تجهيز اراضي معدّة للبناء في الوسط العربي، والحاجة الماسّة لتمويل الخرائط التفصيلية اضافة الى توسيع مسطحات المدن والقرى العربية؛ ضرورة تسهيل الالتحاق بالتعليم العالي في الوسط العربي، وخاصةً النساء. وفي هذا الاطار ضرورة تمويل ودعم المؤسسة الاكاديمية – الناصرة؛ ضمان الاستقرار الاقتصادي للسلطات المحلية العربية؛ وكذلك التعامل بشكل جدي مع ارتفاع منسوب العنف في الوسط العربي.
 
السيد جرايسي يضع مطالب تقليدية، في حين يرى هو واخرين ان الاقتصاد الإسرائيلي بحالة ماسة الى تطوير الاقتصاد العربي لتحقيق اهداف اقتصادية إسرائيلية. لكنني اعتقد، خلافة للسيد رامز جرايسي وآخرين، أنه في الحالات غير الاعتيادية يجب وضع شروط غير تقليدية تمكن من بناء اقتصاد عربي حقيقي غير متعلق تماما، من حيث الدخل ورأس المال والأسواق، بالاقتصاد الإسرائيلي. منها، على سبيل المثال لا الحصر، المشاركة في تقسيم ميزانيات الدولة لتكون عادلة ومستجيبة لاحتياجات المجموعة السكانية العربية، وتخصيص اراضي لمناطق صناعية في البلدات العربية، وتسويقها بأسعار معقولة ومدعومة وتمويل البنى التحتية فيها؛ اقامة لجنة اقتصادية عربية تشمل مهنيين وسياسيين تعمل الى جانب لجنة المتابعة والاعتراف بها من قبل الحكومة وإشراكها في وضع السياسيات ألاقتصادية، وعدم قبول مبداء الحكومة ان التطوير الاقتصادي يكون عبر التعامل مع رجال اعمال ومبادرين عرب فقط، وتوفير امكانيات استثمار حقيقة في البلدات العربية، بل عبر التواصل والاتفاق مع أجسام تمثيلية للمجتمع العربي وإشراكها في وضع السياسيات. 
 
يمكن القول ان خطاب نتنياهو هو استمرار للسياسات الاقتصادية تجاه مجموعة السكان العرب، التي تتسم بنزع التنمية عن الاقتصاد العربي الكلي والإفقار الجماعي، بالتوازي لخلق نماذج نجاح فردي، عن طريق ادوات الاقتصاد النيو-ليبرالي. الادوات لتنفيذ ذلك لها شقين، الاول عن طريق استمرار اهمال احتياجات المجموعة العربية في ميزانيات الدولة وميزانيات التطوير والتنمية، وعدم تطوير البلدات العربية او رأس المال البشري، والإبقاء على العوائق البنيوية. الثاني، اقامة مؤسسات- سلطة حكومية او مؤسسات من القطاع الخاص او القطاع الثالث او مؤسسات مشتركة، تعمل مع القطاع العربي الخاص وعدد من رجال الاعمال العرب على تطوير الشركات والمبادرات الاقتصادية التجارية الخدماتية العربية والفصل بين الاقتصادي والسياسي وتجاهل تام للقيادات العربية ومؤسسات تمثيلية. مؤتمر "شراكة وتنمية" جاء لترسيخ هذه السياسيات، من خلال سكوت غريب من قبل المشاركين العرب. هذا النهج وهذا السكوت لن يؤدي الى تطوير الاقتصاد العربي الكلي، وجل ما يمكن تحقيقه هو مساعدة بعض الشركات العربية ورجال الأعمال العرب على توسيع أعمالهم وزيادة الأرباح.   
 
 
عن مجلة "مالكم"

التعليقات