26/05/2012 - 14:11

السعودية تخاف ثورة البحرين../ سمير كرم

عندما يُكتب التاريخ الصحيح الحقيقي لثورات الربيع العربي لن يكون من الضروري مراجعة النهايات التي انتهت إليها فحسب، بل سيكون من الضروري مراجعة البدايات أيضا

السعودية تخاف ثورة البحرين../ سمير كرم

عندما يُكتب التاريخ الصحيح الحقيقي لثورات الربيع العربي لن يكون من الضروري مراجعة النهايات التي انتهت إليها فحسب، بل سيكون من الضروري مراجعة البدايات أيضا.

والبداية الأولى لثورات الربيع العربي لم تكن في تونس، أي لم تكن في حدث انتحار الشاب التونسي بوعزيزي. فهذه كانت بداية ثورة تونس حقاً ولكنها لم تكن البداية لثورات الربيع العربي. ثورات الربيع العربي بدأت بعيداً كثيراً عن تونس، بل بعيداً كثيراً عن عيون الإعلام العربي التي تعرف أين تنتقي وتفلت منها هذه المعرفة في أحيان كثيرة.

البداية الحقيقية كانت في البحرين. في وقت ليس سابقاً بكثير على وقت تفجر الثورة التونسية، لكنه على أي الأحوال سابق عليها. في البحرين كانت البداية، والبداية لا تزال مستمرة. أما كيف أمكن إخفاء البداية بل ومحاولة طمسها فإن الامر يتعلق لا بالبحرين إنما بالسعودية. السعودية تملك من المال والنفوذ والسلطان على منطقة الخليج ما يمكنها من تغيير الحقائق وتغيير مسار التاريخ إذا لزم الأمر، وهي لا تكون في مثل هذه الجهود وحدها. إنها تجر وراءها الإعلام العربي في معظمه، بل ومعظم الإعلام الغربي، بما في ذلك الإعلام الذي يملك السطوة والتأثير العظيمين في العالم وهو الإعلام الأميركي.

إنما لا يبدو أن السعودية قادرة على وأد ثورة البحرين لا على أرض الواقع ولا على فضائيات الإعلام. ثورة البحرين تبرهن على قدرتها على الاستمرار، بل تبرهن على قدرتها على الاستمرار في إفزاع المارد السعودي المجاور، وإظهار مدى خوفه من ثورة البحرين الصغيرة بكل المقاييس، عدا الثورة والإصرار والاستمرار.

هذه هي الصورة الراهنة لمشروع ابتلاع المملكة العربية السعودية البحرين الذي كان مقرراً أن يعلن في صورة اتحاد بين البلدين في الرياض قبل أسابيع قليلة. ولكن ما كان منتظراً لم يتحقق وتأجل إعلان اتحاد البحرين والسعودية إلى وقت آخر، ربما يحين عندما يعقد اجتماع القمة لمجلس التعاون الخليجي في موعده الدوري المقرر في شهر كانون الأول المقبل.

حتى الآن لم يعرف سبب حقيقي لهذا التأجيل وقد لا يعرف في أي وقت ولكن من الواضح أن عملية الابتلاع لم تبد بالسهولة التي تخيلها المارد السعودي. ذلك أن الفوارق بين البلدين لا تتعلق فقط بالحجم إنما تتعلق بدرجة تقدم المكونات السياسية في كل منهما ولصالح الكيان الأصغر حجما.

المملكة العربية السعودية تبلغ من حيث المساحة مليونين و150 ألف كيلو متر مربع. أما البحرين فلا تتجاوز مساحة 757 كيلو متر مربع. السعودية يزيد تعداد سكانها على 26 مليون نسمة (حسب آخر تعداد جرى في العام 2010)، أما البحرين فلا يتجاوز تعداد سكانها مليوناً واحداً و206 آلاف نسمة (2010)، نسبة الشيعة بينهم 58 في المئة والسنة 24 في المئة. مع ذلك فإن الطبقة الحاكمة (التي اختارت التحول إلى النظام الملكي في العام 2006) تتألف من السنة وحدهم. إجمالي الدخل القومي السعودي 472 مليار دولار (2008) مقابل 14 ملياراً للبحرين.

مع ذلك فإن البحرين تتجاوز السعودية بمسافة كبيرة من حيث التركيبة السياسية والتركيبة التعليمية والثقافية بشكل عام. وربما يرجع هذا إلى أن البحرين ـ وهذه حقيقة نتصور أنها غير معلومة على نطاق واسع في العالم ـ ليست دولة نفطية، إنما تعتمد على موارد محلية أخرى تنتجها طبقة عاملة أكثر تطوراً. وتستورد البحرين سنوياً نفطاً لاستهلاكها المحلي بما يصل إلى نسبة 51 في المئة من إجمالي وارداتها. أما السعودية فإن نسبة النفط من صادراتها إلى الخارج تصل إلى نحو ثمانين في المئة من إجمالي هــذه الصادرات. ويبــلغ تعداد أفراد القوات المسلحة السعودية 221 ألف عنصر، ويبلغ نصيب الفرد السعودي من الإنفاق العسكري 1540 دولاراً في العام.

وقد عاشت البحرين تحت احتلال برتغالي استمر من العام 1521 إلى العام 1602 وتحت الاحتلال البريطاني من العام 1920 إلى العام 1971. وشهدت نضالاً وطنياً ضد الاحتلال ارتفع بمستوى الحياة السياسية فيها ليسبق بلدان الخليج الأخرى النفطية. وطوال عهودها الماضية، عانت البحرين من التشتت بين انتمائها العربي وإصرار إيران على أنها جزء منها، وهو وضع كان شديد التوتر طوال حكم الشاه الإيراني ولكنه خفّ كثيراً منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979.

في المقابل، يبدو أن أنباء سعي السعودية إلى ضمّ البحرين في اتحاد معها أعادت إلى إيران لهجة التحذير من هذا المشروع ووصف مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) المسعى السعودي بأنه يقوم على تصور خاطئ بأن البحرين "لقمة سائغة". وطالب بعض النواب الإيرانيين حكومتهم بالقيام بعمل دبلوماسي جاد إزاء خطة السعودية التي وصفوها بأنها يمكن أن تثير الأزمات في المنطقة. وعمد 190 نائباً في البرلمان الإيراني إلى إصدار بيان جاء فيه أن "هذه الخطوة غير المنطقية ستؤدي بالتأكيد إلى تعزيز الانسجام والاتحاد بين أبناء الشعب البحريني في مواجهة المحتلين، وستنقل الأزمة البحرينية إلى السعودية وستدفع المنطقة إلى فوضى واسعة النطاق، إذ لا يمكن تهدئة الشعوب بالقوة وبالضغوط السياسية". والواقع أن الحرب الكلامية اشتعلت بين حكومتي البحرين والسعودية من ناحية وإيران من ناحية أخرى، واستدعت البحرين القائم بأعمالها في طهران، كما استدعت سفير طهران في المنامة للفت نظره إلى مواقف إيران المناهضة للبحرين. ووصف مسؤول برلماني إيراني سلوك السعودية تجاه البحرين بأنه يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة ...إن حكّام البحرين لا يملكون الحق في بيع البلاد إلى دولة أخرى".

في الوقت نفسه، أكد المراسل البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ايان بلاك (صحيفة الغارديان) أن المعارضة البحرينية ترفض، وقد أعلنت بالفعل رفضها، فكرة الاتحاد بين السعودية والبحرين ومطالبتها بإجراء استفتاء يشمل دول الخليج جميعاً في شأن هذا الاتحاد. وتدل التظاهرات العارمة التي هزت السعودية، مع أنها جرت على أرض البحرين، ضد فكرة اتحاد الابتلاع على مدى وعي جماهير البحرين للهدف النهائي من هذا الضم القسري. إنه محاولة لوقف تيار الثورة من الامتداد إلى خارج البحرين في أي اتجاه كان، وبالأخص إذا اتجه صوب السعودية. وفي السعودية فإن ظروف الثورة وعواملها تنتشر فوق الأرض وتحت الأرض. تنتشر بين أبناء "الطائفة" الشيعية في المناطق التي تسجن فيها الطائفة، كما بين أبناء "الطائفة" السنية حيث تنتشر مظالم النخبة الملكية الحاكمة. وقد تبدو ظاهرة مثيرة للدهشة أن تظهر السعودية كل هذا الخوف من تأثيرات ثورة الشعب البحريني، ولكن هذا الخوف دليل واضح على مدى اهتزاز النخبة الملكية هناك أمام احتمالات انتشار هذه "المعارضة" عبر الحدود بين بلدان الخليج.

وربما تخشى السعودية أكثر ما تخشى وجود ودور الحزب الشيوعي البحريني الذي يلعب دوراً مهماً في حياة البحرين السياسية والثقافية منذ تأسيسه في خمسينيات القرن العشرين، وإن كان النظام الحاكم لأسرة الحمد قد فرض على هذا الحزب أن يمارس دوره النضالي "تحت الأرض". فالحزب يلتزم العمل السري منذ سنوات طويلة. ولكن الأحزاب الشيوعية العربية والعالمية كثيراً ما تشير إلى دور الحزب الشيوعي البحريني باعتباره أهم الأدلة على وجود الحركات التقدمية في هذا البلد الذي يتميز عن بلدان الخليج الأخرى بوجود طبقة عاملة قوية وواعية. وهو أمر لا تستطيع النخبة الحاكمة السعودية أن تحتمله أو تغفره.

ويصف الحزب الشيوعي البحريني نفسه بأنه "حركة الطليعة الواعية المنظمة للطبقة العاملة في البحرين. يتبنى الحزب في سياساته وعمله إلغاء استثمار الإنسان للإنسان واضطهاد شعب لشعب، ويهدف إلى بناء مجتمع ديموقراطي. ويدعو إلى حمل السلاح والنضال ضد الطبقة الحاكمة الظالمة. ويدعو إلى العمل للتغلب على الطائفية بكل أنواعها".

وقد ذكرت وكالة "رويترز" البريطانية للأنباء - في برقية لها من الرياض - أن المعارضة البحرينية ترفض مشروع الاتحاد الذي تريد السعودية فرضه على البحرين وذلك باعتباره مشروعاً يهدف في الأساس إلى تجنب الإصلاح السياسي. ولا يستقيم هذا المعنى إلا إذا اعتبرنا أن الأسرتين الحاكمتين في السعودية والبحرين يجمع بينهما هذا الميل إلى تجنب الإصلاح السياسي في البلدين وليس في البحرين وحدها.

ويجدر بالذكر هنا أن الأفكار التي أعلنت عن هذا الاتحاد تبقي على كياني الدولتين بل وتبقي على عضوية كل منهما في الأمم المتحدة. كما أن المشروع الاتحادي يشمل مجالات العلاقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية. وأضافت وكالة "رويترز" ـ نقلا عن صحف محلية في السعودية والبحرين ـ أن الحكومتين تسعيان مبدئياً إلى إقامة اتحاد بينهما في ظل قلق يساور البلدين من مشاعر السخط بين المواطنين الشيعة تجاه الأسرتين الحاكمتين اللتين تتهمان إيران بإذكاء هذه المشاعر وهو ما تنفيه الحكومة الإيرانية.

وليس خافياً على من يتابع تطورات منطقة الخليج أن البحرين كانت مبكرة في الثورة ضد الهيمنة الطائفية والتسلط القمعي الذي تمارسه الأسرة المالكة الحاكمة، وأن النخبة الحاكمة اضطرت إلى الاستنجاد بالسعودية التي سارعت إلى إرسال قوات منها لقمع مظاهرات البحرينيين ضد الهيمنة الطائفية والقمع السياسي. وقد بدا كأن القوات السعودية نجحت في إخماد المظاهرات الاحتجاجية ولكن استمرار الأحداث دل على عكس ذلك. ولا تزال البحرين تشهد المظاهرات والاضطرابات في وجود قوات النجدة السعودية.

ويرى المراسلون الغربيون في منطقة الخليج أن المسؤولين البحرينيين يرون في الاتحاد مع السعودية "طريقاً إلى تبرير مزيد من القمع ضد الغـالبية الشيعية في الجزيرة، وهو الهدف الذي سعت إليه القوات السعودية عندما غزت البحرين لقمع احتجاجات البحرينيين المطالبين بإجراء انتخابات حرة".

والآن يبدو أن السعودية أصبحت تخشى تأثيرات القوى التقدمية البحرينية على الأوضاع السعودية الداخلية. وربما اعتقدت أن إدماج البحرين معها في هذا النوع من الاتحاد يمنح السعودية فرصة أكبر للتدخل في البحرين من دون إثارة اعتراضات خليجية أو عربية أو عالمية.

إن البحرين تستضيف في أراضيها أكبر قاعدة عسكرية أميركية في منطقة الخليج. وقد تجنبت القاعدة حتى الآن التدخل ضد تظاهرات القوى الثورية، ولا يمكن الجزم بأنها ستتجنب هذا التدخل كل الوقت وبعد أن يتم ابتلاع السعودية للجزيرة. لم يكن بين أهداف إقامة هذه القاعدة العسكرية الأميركية في البحرين أن تخمد القاعدة الأميركية "القلاقل الداخلية" في البحرين، ولكن ليس من المتصور أن تتجنب القاعدة التدخل في الشأن البحريني المتعلق بالحكم أو المتعلق بالديموقراطية أو التركيب الطائفي إذا بدا أن هذه أمور يمكن أن يصل تأثيرها إلى المملكة السعودية. إنما المؤكد أن صانع القرار الأميركي سيبقي اختيار التدخل إلى ما بعد اختبار قدرة السعودية على الاحتفاظ بالأمر الواقع من خلال احتواء البحرين في الكيان السعودي الأكبر والأقوى. والجديد أن المخاوف من النيات السعودية تجاه البحرين بدأت تقلق دويلات الخليج الأخرى. فانعكاسات الخوف السعودي من ثورة البحرين لا تقف عند حدود السعودية ولا تقف عند حدود البحرين.

"السفير"
 

التعليقات