20/06/2012 - 12:53

ثمة مخرج لمأزق الانقسام الفلسطيني../ علي جرادات

الحالة الفلسطينية في غاية التعقيد بسبب انقساماتها الداخلية التي تتداخل مع ما تعيشه الحالة العربية من انكفاء على الذات تفرضه تحولات عاصفة في أكثر من دولة عربية، وفي مصر وسوريا بخاصة، وقبل كل شيء بسبب استباحات الاحتلال والصلف السياسي لقادته الآخذ بالتعمق بصورة غير مسبوقة. هذا فضلاً عن تداخل كل ما تقدم مع تدخلات دولية ترعى سياسة الاحتلال، وتقودها الولايات المتحدة كدولة عظمى باغية لم تكف يوماً عن عدائها للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة وحقوقه المشروعة، ناهيك عن محاولات إدامة انقسامه الداخلي وتعميقه، وإجهاض كل محاولة جادة لإنهائه

ثمة مخرج لمأزق الانقسام الفلسطيني../ علي جرادات

الحالة الفلسطينية في غاية التعقيد بسبب انقساماتها الداخلية التي تتداخل مع ما تعيشه الحالة العربية من انكفاء على الذات تفرضه تحولات عاصفة في أكثر من دولة عربية، وفي مصر وسوريا بخاصة، وقبل كل شيء بسبب استباحات الاحتلال والصلف السياسي لقادته الآخذ بالتعمق بصورة غير مسبوقة. هذا فضلاً عن تداخل كل ما تقدم مع تدخلات دولية ترعى سياسة الاحتلال، وتقودها الولايات المتحدة كدولة عظمى باغية لم تكف يوماً عن عدائها للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة وحقوقه المشروعة، ناهيك عن محاولات إدامة انقسامه الداخلي وتعميقه، وإجهاض كل محاولة جادة لإنهائه.

تعقيدات لا يقوى على معالجتها سوى عقل وطني شمولي يستوعب عناصر اللوحة الفلسطينية المركبة وتداخلها، وتحفزه إرادة سياسية جادة تتسلح بطريقة تفكير مسؤولة في مأزق متعدد الأوجه تعيشه الحركة الوطنية الفلسطينية بانقساماتها التي لم ينفع لإنهائها، (ولن ينفع)، كل المحاولات القائمة على تجاهل أساسها السياسي، فـ"اتفاق مكة" سكبت فيه جهود لا يستهان بها، وحوارات القاهرة واتفاقاتها وإعلاناتها المتكررة لم تنقطع، والوساطة المصرية لم تدخر جهداً عن اقتراح أفكار وممارسة ضغوط، ولجان المصالحة الوطنية الداخلية ما انفكت تحاول، ولكنها كلها لم تفض إلى إعادة بناء وحدة وطنية منشودة فرعها إعادة توحيد "سلطتي" الضفة وغزة المتنازعتين، فيما أصلها إعادة توحيد الشعب الفلسطيني وإفشال محاولات تفكيكه إلى تجمعات بأجندات متباينة، وهو ما لا يكون إلا بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كمؤسسة وطنية تمثيلية جامعة بقيادة موحَّدة وبرنامج سياسي موحَّد، كأهداف يعد التقدم بخطوات ملموسة على طريقها ضرباً من الوهم من دون اعتراف الجميع بما يكفي من حزم بأن الكيان الصهيوني ماضٍ في سياسات استباحة الشعب الفلسطيني، أرضاً وحقوقاً ووجوداً وتطلعات، وبأن القضية الفلسطينية ليست على أبواب تسوية سياسية ولو متوازنة، فما بالك بعادلة، وأن الدولة الفلسطينية ولو على حدود الأراضي المحتلة عام 1967 ليست "على مرمى حجر".

تلك هي حقائق الصراع على الأرض التي لا يستجيب لاستحقاقاتها وتحدياتها إصرار قيادتي "فتح" و"حماس" على اختزال الوحدة الوطنية في محاولات يلفها الشك لتوحيد "حكومتي" "السلطة الفلسطينية" في حكومة واحدة بجهازين أمنيين يترأسها الرئيس الفلسطيني على أساس برنامج سياسي يقوم على مواصلة "التهدئة" مع الاحتلال كسياسة ثابتة لا محيد عنها، وعلى استمرار محاولات تجديد التفاوض العبثي مع أكثر حكومات "إسرائيل" تطرفاً وعنجهية تحت مسمى "لقاءات الاستكشاف" تارة، و"الرسائل المتبادلة" تارة ثانية، و"الحوار دون التفاوض" تارة ثالثة، وكل ذلك في إطار انتظار قيادة "فتح" لانقضاء الموسم الانتخابي الأمريكي، عدا انتظارها، وبالمثل قيادة "حماس"، لما ستؤول إليه الحالة المصرية عموماً، وما ستسفر عنه انتخاباتها الرئاسية خصوصاً.   

هنا ثمة إغفال لحقيقة أن المخرج من الانقسام بات مرهوناً باستيعاب خصائصه وخصائص ما أنتجه من مأزق، وباستيعاب منهجية هذا المخرج وطابعه، بوصفه صناعة فلسطينية أولاً، وينبع من المركبات الفلسطينية ذاتها، فالاستنجاد بالعامل الخارجي أو الاستقواء به أو انتظار ما ستؤول إليه تحولاته، لم يفضِ، ولن يفضي، إلا إلى إدامة الانقسام وإطالة أمده، بما يؤكد حقيقة أنه كلما استنزف العامل الوطني الفلسطيني نفسه زادت التدخلات الخارجية في شؤونه، وأخطرها بالطبع تدخلات الاحتلال وراعيه الأمريكي، وبالتالي فإنه لم يعد ثمة مهرب من الاعتراف بالحقائق كما هي، فالانقسام عميق أولاً  وسياسي بامتياز ثانياً، ولا يمكن إنهاؤه "بعناق"، وإنما بالبحث عن الخطوة السياسية الصحيحة الأولى في ميدان مزروع بالألغام والتناقضات، فعقلية أنا أريد وعلى غيري الانصياع قد فشلت، ولم تجنِ سوى الانقسام، ولن يقود الإصرار عليها إلا إلى تعميقه، وتحديد الهدف يبدأ بالبحث عن قواسم مشتركة لا تنسف خيارات القوى السياسية المختلفة، فلا يوجد قوة تختار الانتحار السياسي بالتخلي عن خيارها، فما بالك عندما يصبح خطَّ سيرٍ ومصالح فئوية ومصدر تمويل في آن، فلا الذين وقَعوا اتفاق أوسلو جاهزين لسحب توقيعهم، ولا الذين يناهضونه مستعدين للتوقيع عليه، ناهيك عن أن ثمة لكلا الخيارين قوى اجتماعية وتيارات شعبية تسندهما، عدا ما لكل منهما من دعم خارجي، وبالمحصلة فإن ميزان القوى الداخلي لا يتيح القول: "نحن الشرعية التاريخية " أو" نحن شرعية المقاومة "، ذلك أن للميزان كفتين متعادلتين تقريبا، ما يعني أن مدخل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة إنما يتمثل في انتخاب مرجعية تشريعية شاملة للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، أي انتخاب مجلس وطني على قاعدة الحجم الانتخابي للتجمعات والتمثيل النسبي، بما يتجاوز وضعية: "سلطتين" ، قيادتين، برنامجين، "داخل وخارج"، "غزة وضفة"، و....الخ من مظاهر التشظي، وبما ينهي تشرذم المرجعيات ويفضي إلى توحيد الإرادة، وهذا خيار ممكن رغم ما يعترض سبيله من عقبات يمكن تذليل الداخلي منها بالتوافق، بينما يمكن حل الخارجي منها بالتعيين كما كان يحصل على امتداد مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية التي تصبح بذلك مرجعية شاملة تضم كافة المركبات السياسية، الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية... بينما تتولى "السلطة" إدارة مجالات التعليم، الصحة، التنمية، القضاء..... فأربعة ملايين يعيشون في الضفة وغزة تثقل كاهلهم استباحات الاحتلال، وهموم بطالة تناهز 35%، وفقر يناهز50% وتعليم ينتج بطالة سنوية تناهز 40 ألفاً من خريجي الجامعات وطلبة الثانوية، وقطاع صحي يلهث وراء الأمراض دون جدوى، مع كل ما يتطلبه كل ذلك من توحيد للجهد والإمكانات والإرادة، وتخطيط سليم، واجتثاث للفساد، وتقليص "للجيوش" البيروقراطية والأمنية التي لا يحتملها الاقتصاد الفلسطيني الذي يفترض أن يكون اقتصاد تقشف ومقاومة وصمود لا اقتصاد بذخ واستهلاك.  
 

التعليقات