26/06/2012 - 12:59

مرسي قائدا لمصر: مرحلة الاختبار../ د. مخلص الصيادي

حين أصبحت المنافسة في انتخابات الرئاسة بين الدكتور محمد مرسي، والفريق أحمد شفيق، كنت مع مرسي بلا شك ولا تردد، وقد أكون ممن وصفهم المراقبون بأنهم وقفوا الى جانب مرسي بغضا بشفيق، أو بدقة أكثر بغضا بما يمثله شفيق من ارتباط وتمثيل للنظام البائد

مرسي قائدا لمصر: مرحلة الاختبار../ د. مخلص الصيادي

حين أصبحت المنافسة في انتخابات الرئاسة بين الدكتور محمد مرسي، والفريق أحمد شفيق، كنت مع مرسي بلا شك ولا تردد، وقد أكون ممن وصفهم المراقبون بأنهم وقفوا الى جانب مرسي بغضا بشفيق، أو بدقة أكثر بغضا بما يمثله شفيق من ارتباط وتمثيل للنظام البائد.

وكنت ككثيرين قد رصدت أداء غير مشجع من جماعة "الإخوان المسلمون" في مسار الثورة، وخيوطا لم تنقطع مع النظام السابق في كل مرة كانت المؤشرات تدل على فرص لاستمرارية ذلك النظام، وزادت المؤشرات غير الايجابية في أداء الجماعة في مجلس الشعب المصري وفي قضية اللجنة التأسيسية، وفي موضوعات عدة ظهرت في هذه المرحلة الانتقالية.

بل إنه في عز التوتر الذي سبق إعلان فوز مرسي بالرئاسة ظهرت تصريحات ومواقف تربط بين الأزمة الراهنة بين القوى السياسية والعسكر، وتلك التي وقعت بين ثورة يوليو والتنظيمات السياسية مطلع الثورة والتي عرفت بأزمة 54، وكان الحديث عن تشابه الأزمتين، فيه نوع من إرادة تزوير الحقائق، والسطو على الذاكرة الشعبية والتاريخية، حيث لا يوجد بين الحدثين أي وجه من أوجه التشابه، أيا ما كانت الزاوية التي ننظر من خلالها لهذين الحدثين، أو نجري عبرها عملية المقارنة. وكان بينا أن الإخوان المسلمين، ومعهم الليبراليون، يريدون من إطلاق فكرة التشابه استثارة موقف قديم لهم، كانوا فيه من أنصار إسقاط الثورة، ومحاولة إعطاء شرعية جديدة له، ولقد أحسن الأخ الدكتورعبد الحليم قنديل في مقاله الذي خصص لهذا الموضوع تحديدا وجاء تحت عنوان"هناك فرق" وأعاد موقع الفكر القومي العربي نشره.

كذلك فإن الحديث عن "الجمهورية الثانية" التي ولدتها ثورة 25 يناير، بات حديثا ملتبسا لأنه حديث انطلق دون تحديد للمعيار، مما سمح للبعض بأن يعتبر الجمهورية الأولى هي جمهورية ثورة يوليو، والجمهورية الثانية هي جمهورية ثورة يناير، الأولى اتصفت بالاستناد الى العسكر، والثانية اتصفت بالاستناد الى الحركة الشعبية، وهذا قول غير حقيقي على الإطلاق، بل إنه يحمل تزويرا للإرادة الشعبية، ذلك أن أهداف ثورة يوليو هي نفسها أهداف ثورة يناير، والفارق الرئيس أن طلائع الجيش هي من قامت بتنفيذ الثورة وأفرزت قيادتها عام 1952، في حين أن التحرك الجماهيري هو الذي نفذ ثورة يناير، وهو الذي أفرز أو يحاول أن يفرز قيادة المرحلة.

ويدرك كل باحث أو سياسي يقرأ الأحداث بشيء من الموضوعية، أن ثورة يوليو هزمت أو انتهت، حينما انتهت الخيارات الاجتماعية والسياسية والوطنية والقومية التي التزمتها وأخذت من خلالها صفة الثورة.

البعض يعتبر أن هذا حدث في انقلاب أنور السادات  منتصف مايو 1971، والبعض يذهب الى أن هذا حدث بعيد حرب اكتوبر 1973، حينما اتجه السادات الى المعسكر الأمريكي وسلم له زمام مصر، لكن أحدا لا يستطيع أن يقول إن ثورة يوليو تمتد من تاريخ انطلاقها حتى تاريخ سقوط الرئيس المخلوع مبارك، إن مثل هذا القول تزوير للتاريخ، وتزوير لدوافع ثورة يناير وللقوى التي فجرتها، وللمستقبل الذي ترنو اليه.

بعض القائلين بالجمهورية الثانية يستندون الى حقيقة أن الجمهورية الأولى تلتقي على حقيقة غياب التعدد السياسي الحقيقي وخصوصا في انتخابات رئاسة الجمهورية حيث كانت كلها استفتاءات وليس انتخابات تنافسية، وأن الجمهورية الثانية قائمة على أساس هذا التعدد، وهو الأساس الذي كان واضحا في انتخابات رئاسية تعددية تنافسية لاشك فيها، وهو استناد صحيح، ويمكن الأخذ به إذا ما نظر الى المصطلحين من هذه الزاوية فقط، ولقد ظهر من خلال التصريحات والمواقف أن الأخوان المسلمين والليبراليين يريدون أن يروجوا لفكرة أن ثورة يوليو مسار واحد حتى سقوط مبارك، وأن ثورة يناير نقيض شعبي، وهذه مخادعة وتزوير لا يمكن القبول به، ولا يؤسس لمرحلة تعاون وائتلاف وطني، ولا يجوز النظر إليه من زاوية حسن النوايا.

إلا أن كل هذه العوامل السلبية في النظر إلى الأداء الإخواني لم يكن ليطغى على حقيقة أن شفيق هو النظام السابق، وأن مرسي ليس كذلك، مهما كان حجم الاتفاق أو الخلاف معه، وأن نجاح شفيق كان سيمثل كارثة للحياة الوطنية المصرية، وللحركة الشعبية العربية، فيما نجاح مرسي يمثل امتحانا حاسما لحركة "الإخوان المسلمين" ولفكرها السياسي والاجتماعي.

وهذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها الحركة في مصر مثل هذا الامتحان، وهو امتحان عسير لسوء ما آلت اليه أحوال البلاد والعباد، لكن الشعب المصري جاهز لهذا الامتحان، وعناوين هذا الامتحان واضحة لا لبس فيها، ولا خفاء:

** إن مصر تريد أن تعود لحجمها ومكانتها ورسالتها، وشعب مصر يريد أن يعود سيد نفسه، وقراره، وأن تكون ثروته له بالعدل فيرتفع عنه الضيم الناتج عن الفساد والسرقات ونهب الثروات، والانحيازات الطبقية البائسة التي ولدت فوارق طبقية مدمرة، وأن يعيش على أرض بلادة آمنا كريما، قادرا على حماية مستقبله، غير مرتهن لأحد.
** وإن الديموقراطية، والدولة المدنية، والتنمية الشاملة، وتأمين الرعاية الصحية والتعليمية والإسكانية، ومواجهة البطالة، وتحقيق الأمن القومي بكافة مستلزماته، وبناء جيش قوي،
** والموقف من فلسطين، ومن كامب ديفيد وغيرها من الاتفاقات المجحفة بالحق الوطني، ومن حصار غزة، والوفاء بحقوق الانتماء الى الأمة العربية وافريقيا.

كل هذه عناوين لهذا الامتحان، الموقف منها لا يقبل التأجيل، وتلبيتها يستدعي برنامجا واضحا متكاملا تحشد له طاقات الأمة وقواها المتعددة.

ومن هنا يصبح أول أبواب الامتحان النظر في كيفية تطبيق الرئيس الجديد للإلتزام الذي أعلن عنه مع القوى السياسية المختلفة قبيل ظهور نتائج انتخابات الرئاسة، كما سيكون تجسيد الرئيس الجديد لشعار أنه رئيس لكل مصر، وأنه وفيٌ لأهداف ثورة يناير مدخل حقيقي لقياس صدقيته، وصدقيه ما أعلنه " الأخوان المسلمون" جماعة وحزبا بهذا الشأن.

لا نغادر أحكامنا السابقة وشكوكنا بشأن الجماعة، ولا نغير تقييمنا لفكرها الاجتماعي والسياسي، لكننا لا نجعل ذلك حاجزا يمنعنا من الدعوة للرئيس الجديد و"للإخوان المسلمين" جماعة وحزبا بالنجاح والتقدم في نهضة مصر واستعادتها عافيتها، وأن نضع جهدنا لأجل ذلك.

وسيكون مكسبا عظيما لمصر والأمة العربية أن ينجح الأخوان المسلمون في هذا الامتحان،  وسيكون مما يسرنا وثلج قلبنا أن نصل في قابل الأيام الى نتيجة مفادها أن هذه الشكوك والمخاوف هي وليدة مرحلة تاريخية مضت، وظرف لم يعد ضروريا الوقوف عنده.
 

التعليقات