17/07/2012 - 10:43

غسان كنفاني يدق جدران الخزان../ د. فايز رشيد

مرت الذكرى الأربعون لاغتيال المخابرات الصهيونية الإسرائيلية، للشهيد الفلسطيني الكاتب والمثقف والأديب المبدع غسان كنفاني، حين قام الموساد بتفجير سيارته في 8 يوليو 1971

غسان كنفاني يدق جدران الخزان../ د. فايز رشيد

مرت الذكرى الأربعون لاغتيال المخابرات الصهيونية الإسرائيلية، للشهيد الفلسطيني الكاتب والمثقف والأديب المبدع غسان كنفاني، حين قام الموساد بتفجير سيارته في 8 يوليو 1971.

لم يكن كنفاني قائداً عسكرياً يصدر الأوامر للمقاتلين بالقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل حتى تقوم باغتياله. كان فناناً وكاتباً سلاحه القلم، ومع ذلك قامت إسرائيل بقتله، وهو ما يثبت مضاءة سلاح القلم في هزّحصون العدو!

من الصعب حصر غسان كنفاني في حقلٍ أدبي أو سياسي معين، فهو القاص والروائي والرسام والسياسي، المناضل الذي جعل من قلمه أداة نضالية في تصوير معاناة شعبه، وتحريضه لاستعادة حقوقه من خلال القيام بالثورة ضد العدو. لم يرتضِ غسان بالأفكار السائدة أو المألوفة التي صورّت الفلسطينيين في الخمسينيات وبداية الستينيات كشعبٍ مسكين مغلوب على أمره، وفقط يحتاج إلى تقديم المساعدات إليه! غسان كنفاني رفض هذا الواقع وقام بعملية تحريض واسعة لأبناء شعبه من خلال مؤلفاته:

ففي روايته "عائد إلى حيفا" وصف فيها رحلة اللجوء من حيفا إلى مدينة عكا الفلسطينية، وكان طفلاً آنذاك لكنه وعى طبيعة الارتحال والتهجير، وفي رواية "أرض البرتقال الحزين" تطرق كنفاني إلى الترحال من عكا إلى الشتات، وفي رواية "سرير رقم 12" يتطرق إلى الذات في تصوير معاناة الشعب من خلال المرض العضوي والمرض بالحنين إلى الوطن. في رائعته "رجال في الشمس" تطرق كنفاني إلى حياة اللجوء في الكويت للفلسطينيين في الشتات، وقام بتصوير صعوبة الرحلة إليها من خلال التهريب ولو في خزان نقل المياه، كما صور عودته إلى دمشق في سيارة مهلهة، صوّر الحالة التي كان عليها الفلسطينيون في تلك الحقبة وكان عنوانها: البحث عن لقمة العيش، مثبتاً أنهم ضلوا الطريق. في ذات الرواية تساءل كنفاني عن الفلسطينيين الذين ماتوا في الخزّان قائلاً: لماذا لم يقرعوا جدران الخزّان؟هذه الصرخة هي رفض للواقع، وتبني لما يجب أن يكون عليه الفلسطينيون من ثورة تتجه لاستعادة الحق والعودة إلى الوطن.

في القصة القصيرة: أبدع كنفاني أيضاً، ففي قصة "ما تبقى لكم" والتي تعتبر مكملة لرجال في الشمس يكتشف البطل طريق القضية من خلال الثورة المسلحة، ولذلك فإن هذه القصة تعتبر استشرافية تنبؤية لما يفترض أن يكون، وبالفعل تفجرت الثورة في منتصف الستينيات، وعلى ذلك قِسْ. غسان كنفاني كتب أعمالاً لم تكتمل، وهو أول من عرّف الفلسطينيين والعرب والعالم بشعراء وأدباء الأرض المحتلة في عام 1948، وهو أول من كتب دراسة عن ثورة 1936 في فلسطين، وهو أول من كتب دراسة عن الأدب والأدباء الصهاينة، ولذلك فإن لغسان كنفاني قصب السبق في العديد من القضايا. لم يفصل غسان كنفاني بين الأدب والسياسة، فكان مناضلاً سياسياً من خلال عضويته في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن خلال رئاسته للمكتب الإعلامي فيها، ورئاسته لتحرير مجلة الهدف الناطقة باسم الجبهة.

كتب غسان كنفاني في جريدة المحرر اللبنانية من قبل، وكتاباته كانت جزءاً من شخصيته الوطنية، كتب باسمه الصريح تارةً، وتارةً أخرى باسم فارس فارس، ومقالاته بهذا الاسم مجموعة في كتاب عندما تقرؤها يتضح لك نبوءته لما نعيشه حالياً من محن. تطرق غسان كنفاني من خلال أعماله ومن خلال مقالاته في الهدف إلى العديد من الثغرات والمظاهر السلبية في الثورة الفلسطينية، لم تنصّب كتاباته على هذا الحقل فقط، وإنما يضيف إلى ذلك كيفية الخروج من هذه المظاهر ( المآزق) إلى الطريق الصحيح.

من أقوال غسان كنفاني: ما كتبه عن الكفاح المسلح ومن أنه "لن يكون مجدياً إلا إذا كان كفاح مواطنين حررت إرادتهم وعقولهم". كما دعا إلى "المزاوجة بين النظرية والممارسة". وعى غسان كنفاني حقيقة الدولة الصهيونية والحدود العليا التي قد تصل إليه في التسوية، لذلك رفض ما يسمى بالدولة المستقلة أو الحل المرحلي. لم يكن غسان كنفاني منظّراً من برج عاجي، بل عاش حياة البساطة والعمل مع أبناء شعبه في المخيمات. كان مثقفاً عضوياً بامتياز، ارتبط بجماهير شعبه وعبّر عن قضاياها. لم يعش غسان كنفاني فترة طويلة بل مات في الثلاثينيات، وبالفعل يستغرب الإنسان هذا الكم الهائل من النتاج في عمرٍ قصير.

لو قُدِّر لغسان كنفاني وكافة شهداء شعبنا الأبرار أن يعودوا إلى الحياة في الوقت الراهن، لاستغربوا ما آلت إليه الثورة الفلسطينية بعد كل هذه السنوات، وبعد كل هذا الكم الهائل من التضحيات: انقسام سياسي وجغرافي بين أبناء الوطن الواحد في ظل الاحتلال، نتيجة البحث عن المصالح الذاتية والتنظيمية باعتبارها الأولوية قبل القضية الوطنية والمشروع الوطني، لا أمل حاليا في أية مصالحة، استيطان صهيوني يأكل الأخضر واليابس من الأرض الفلسطينية. صلف وتغوّل وعنجهية صهيونية ليس لها مثيل. غسان كم نحن بحاجة إليك وإلى أمثالك في وقتنا الراهن.
 

التعليقات