25/07/2012 - 10:48

سورية، إذ تضربها أميركا تحت الحزام../ علي جرادات

ما معنى ما أعلنته المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن، رايس، بعد استخدام روسيا والصين للفيتو ضد مشروع القرار الغربي، بالقول: آن أوان العمل ضد النظام السوري خارج مجلس الأمن، وما معنى بدء الحديث الأمريكي الإسرائيلي عن مخاطر ترسانة الأسلحة السورية والكيماوية والصاروخية، واحتمال انتقالها إلى حزب الله أو غيره من القوى المناهضة لإسرائيل التي بدأ قادتها بالتهديد الرسمي والعلني بالتدخل عسكرياً في حال حصول أمر من هذا القبيل

سورية، إذ تضربها أميركا تحت الحزام../ علي جرادات

بانتقال القتال إلى أحياء دمشق وحلب والمعابر الحدودية وبلوغ مستواه حدَّ اغتيال بعض كبار القادة العسكريين والأمنيين للنظام، عدا تصفية مسؤول التصنيع الصاروخي وعائلته، دخلت الحالة السورية طوراً نوعياً بدد آخر الآمال، (الضئيلة أصلاً)، في إيجاد مخرج سياسي للصراع، وحسم تحوله إلى صراع على سوريا أكثر مما هو صراع فيها، فتصعيد الخيار العسكري بات سيد الموقف، وأصبح مفتوحاً على كل الاحتمالات.

التطور النوعي الذي دخلته المواجهة الدائرة في سوريا وعليها ليس نبتاً شيطانياً، بل نتيجة طبيعية لـ16 شهراً من اللعبة الدموية للنظام وبعض أطراف المعارضة كطرفين داخليين تصارعا بتحالفاتهما الخارجية على السلطة، وتشاطرا، (واقعاً)، تغييب الربط بين القضايا الوطنية والديمقراطية للانتفاضة الشعبية، وإن تراءى، (ظاهراً)، أنهما على طرفي نقيض، فالنظام الذي داهمته انتفاضة شعبه ركب رأسه، ولم يرَ أنها ليست مجرد مؤامرة خارجية، بل أنتجتها تناقضات داخلية اعتملت لعقود، وأن ما بعدها غير ما قبلها، حيث لم تسمح له بنيته الأمنية رؤية أن شرعية الحكم بأطروحة "الممانعة" و"المقاومة" لم تعد ممكنة، وأن إشاعة الحريات ودمقرطة الحكم هما عاملا نقل هذه الأطروحة من عالم الشعارات والاستخدام إلى عالم الممارسة الفعلية والجادة، بينما سارعت بعض أطراف المعارضة إلى ركوب موجة هذه الانتفاضة وعسكرتها، وإلى المطالبة بتدخل القوى الخارجية إياها التي دمرت العراق ثم ليبيا، (حلف الناتو وتوابعه)، حيث لم تسمح البنية السلطوية لهذه المعارضة رؤية أن رفع لواء التحول الديمقراطي يبقى مجرد شعار زائف ما لم يرتبط بمواقف وطنية ترفض تدخل حلف الناتو لتحقيق هذا التحول، خاصة في سوريا التي تعيش حالة مواجهة مع إسرائيل التي تحظى برعاية هذا الحلف.

أجل، بالتطور النوعي الأخير دخلت سوريا النظام والدولة والجيش والدور والنسيج الوطني والمجتمعي والمكانة الإقليمية، ودخلت معها الدول المجاورة لها، حالة من التصعيد العسكري والأمني المفتوح على كل الاحتمالات، بينها احتمال تحويلها، على غرار العراق، إلى دولة فاشلة، وربما مقسمة إلى دويلات متصارعة. ينبئ بهذا الاستخلاص تهوين النظام وإعلامه لهذا التطور، ويشي به أيضاً تهويل المعارضة والفضائيات الخليجية وإمبراطورية الإعلام الأمريكي وتوابعها، فالتهوين والتهويل هنا برغم تفارقهما، (ظاهراً)، يشيان، (جوهراً)، بإصرار طرفيْ المواجهة الداخلية بتحالفاتهما الخارجية، على المضي في صراعهما العسكري حتى النهاية، وأن أياً منهما لن يتوقف عن القتال قبل استنفاذ كل ما لدية من عوامل قوة التي لن يتردد في استخدام أكثر أشكالها بشاعة لحسم الصراع.

يشي بهذا الاستخلاص الاستقراء الواقعي لأسباب هذا التطور وتداعياته الأولية، إذ ثمة معنى لحدوثه بعد إقدام النظام على إجراء مناورات عسكرية بالذخيرة الحية شملت كافة أنواع الأسلحة، وعلى إسقاط طائرة تركية، ما انطوى على رسالة، (بمعزل عن جديتها)، مفادها أن خيار شيمشون: "عليَّ وعلى أعدائي"، أي إشعال المنطقة بكاملها ما زال خياراً قائماً، ناهيك عن دلالة أنه ( التطور)، جاء بعد وصول الولايات المتحدة وتوابعها إلى قناعة بتعذر استصدار قرار من مجلس الأمن ضد النظام تحت الفصل السابع بموافقة روسيا والصين على غرار ما حصل في ليبيا، ما دفع إلى التصعيد ميدانياً حدَّ اغتيال بعض كبار القادة العسكريين والأمنيين للنظام، وهي العملية التي سارع "الجيش الحر"، ثم "لواء الإسلام"، إلى تبنيها، بينما يعلم كل مَن له عقل يستخدمه حاجتها إلى إعداد محكم ومراقبة دقيقة وتخطيط عال ووسائل تكنولوجية متطورة لا تمتلكها سوى الدول وأجهزتها الأمنية، (بل، وليس كل الدول)، ذلك بمعزل عمن قام بهذا الشق التنفيذي أو ذاك، ما يعني أن الولايات المتحدة وتوابعها قد قررت لا البدء بضرب النظام ميدانياً تحت الحزام وحسب، ولكن البدء أيضاً بالتصعيد السياسي ضده، وإلا ما معنى ما أعلنته المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن، رايس، بعد استخدام روسيا والصين للفيتو ضد مشروع القرار الغربي، بالقول: آن أوان العمل ضد النظام السوري خارج مجلس الأمن، وما معنى بدء الحديث الأمريكي الإسرائيلي عن مخاطر ترسانة الأسلحة السورية والكيماوية والصاروخية، واحتمال انتقالها إلى حزب الله أو غيره من القوى المناهضة لإسرائيل التي بدأ قادتها بالتهديد الرسمي والعلني بالتدخل عسكرياً في حال حصول أمر من هذا القبيل.

   هذه التهديدات جدية، بمعزل عن جهة وسيناريوهات تنفيذها، وتؤكدها التحليلات السياسية والعسكرية والصحافية الإسرائيلية التي تستقي معلوماتها من الدوائر الإستخبارية الأمريكية والإسرائيلية. وللتدليل لا الحصر، تجدر الإشارة إلى ما كتبه المعلق العسكري لصحيفة يديعوت، اليكس فيشمان، المقرب من أجهزة المخابرات الإسرائيلية، بالقول: "تقوم الـ"سي. أي. إيه" بسباق مكثف ضد الزمن كي تجمع أكثر قدر ممكن من المعلومات عن مخزونات السلاح الكيماوي-البيولوجي الموجود في سوريا. الاستثمار هائل: ابتداء بالعملاء الميدانيين الذين أرسلوا لتعزيز محطات الـ"سي. أي. إيه" في المنطقة، وانتهاء بالاستثمارات الاستخبارية التكنولوجية، أعمال التنصت، الأقمار الصناعية وما شابه. وفي واقع الأمر فإن كل ما تتيحه التكنولوجيا الحديثة يستثمر اليوم في سوريا". ويضيف: "يعمل رجال الـ"سي. أي. إيه" مع محافل استخبارية في المنطقة، مثل الاستخبارات التركية والأردنية، ويجمعون معلومات من الفارين من الجيش السوري، كي يتعرفوا إلى التيارات التي تتشكل منها الهيئة التي تسمى "الثوار" وتصنيفهم: مَن منهم سيتعاون مع الإدارة الأمريكية في المستقبل.....وهل يوجد بينهم أحد يمكن الاعتماد عليه في مسألة السلاح الكيماوي. لقد ولد هذا الجهد الاستخباري عدداً من التسريبات التي لها في أغلب الظن أساس في الواقع. تحدث أحد هذه التسريبات عن إمكانية أن يسيطر رجال كوماندوز أردنيون على مواقع هذه الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وتحدث تسريب آخر عن إمكانية أن تقصف إسرائيل هذه المواقع، وكشف تسريب آخر النقاب عن أن الإدارة الأمريكية أعدت خطط طوارئ للسيطرة على معابر الحدود والمطارات والموانئ في سوريا لمنع إخراج المواد الكيماوية والبيولوجية من قبل جهات إرهابية". ويضيف: "هنا من المسموح لنا أن نضيف فرضية أخرى: اغتيال قادة جهاز الأمن السوري لم ينفذ بالضرورة على يد مجموعة ثوار، ففي هذه القصة قدر أكبر من مؤشرات ضربة نفذها جهاز استخباري قادر على اختراق حاجز الحراسة للقيادة السورية".                                                                          

التعليقات