17/08/2012 - 02:41

في العودة إلى أسس المشروع القومي الديموقراطي (1)/ باسل غطاس

إن إعادة النقاش إلى قواعده بعيدًا، ولو إلى حين، عن لهيب الثورة هي فرصة حقيقية لإجراء مراجعة حقيقية وعميقة ولإعادة الاعتبار للمجهود النظري الرائع الذي رافق عملية تأسيس التجمع الوطني الديموقراطي والذي وصل ذروته بالبيان القومي الديموقراطي الذي صاغه الدكتور عزمي بشارة والذي يمثل الأساس النظري للمشروع القومي الديموقراطي.

في العودة إلى أسس المشروع القومي الديموقراطي (1)/ باسل غطاس

يكشف الخلاف الحاد الحاصل في صفوف القوميين العرب حيال الثورة السورية عن خلاف عميق يصل إلى جذور المشروع القومي الديموقراطي ويثير أسئلة كبيرة حول مدى نجاح هذا المشروع فعلا في ترسيخ الفكر القومي الديموقراطي ومدى نجاح ربط الفكرتين القومية والديموقراطية كمشروعين سياسيين حداثويين.

هذا الربط بحد ذاته على المستويين الفكري والقيمي شغل المفكرين العرب منذ بدايات عصر التنوير ولكن تحويله إلى فكر وبرنامج لمشروع سياسي قام على أثره حزب سياسي فاعل جرى في ساحة عرب الداخل مع قيام حزب التجمع الوطني الديموقراطي في بدايات تسعينات القرن الماضي. ولا يمكن التقليل من أهمية هذا الحدث حيث ولأول مرة تجري ترجمة ربط الفكرتين القومية والديموقراطية إلى برنامج عمل سياسي يلائم الواقع السياسي للأقلية الفلسطينية في إسرائيل. وكان طرح موضوعتي دولة المواطنين بتلازم مع مشروع الأوتونوميا الثقافية لعرب الداخل كمشروع سياسي لحل قضية الأقلية القومية في داخل إسرائيل هو لب وجوهر تطبيق المشروع القومي الديموقراطي في واقع الأقلية القومية.

هذه ليست مقدمة من أجل الخوض في الخلاف الشديد بشأن سوريا حيث أصبح هناك تزمتًا عاطفيًا وتمترسًا لا عقلانيًا في بعض الأحيان في المواقف، مما يجعل الحوار وحتى النقاش بين أعضاء الحزب الواحد من ضروب المستحيل ولكنها في أقلها دعوة للعودة إلى التفكير في أسس المشروع القومي الديموقراطي وإجراء حساب للنفس في مدى تذويت وترسيخ القيم والأفكار الديموقراطية لدى القوميين العرب.

إن إعادة النقاش إلى قواعده بعيدًا، ولو إلى حين، عن لهيب الثورة هي فرصة حقيقية لإجراء مراجعة حقيقية وعميقة ولإعادة الاعتبار للمجهود النظري الرائع الذي رافق عملية تأسيس التجمع الوطني الديموقراطي والذي وصل ذروته بالبيان القومي الديموقراطي الذي صاغه الدكتور عزمي بشارة والذي يمثل الأساس النظري للمشروع القومي الديموقراطي.

سنحاول في هذه المعالجة  (من جزئين) أن نستعرض أهم الأسس والتجديدات في الربط بين القومية والديموقراطية كمشروعين سياسيين مع التركيز على ضرورة هذا الربط العضوي والأخلاقي وعلى أنه ليس قضية اختيارية بمعنى أن القومية هي ليست  جوهر أو مركب دائم وثابت "في العقيدة"  بينما الديموقراطية هي قضية ثانوية واختيارية في أحسن الأحوال.


في الجزء الثاني سنحاول أن نراجع أوجه تطبيق المشروع القومي الديموقراطي في وضع الأقلية القومية وإعادة تركيب منهجية التفكير في ترجمة مشروع التجمع الوطني الديموقراطي حول دولة المواطنين والحكم الذاتي الثقافي خاصة أن في السنوات الأخيرة يجري تمييع دائم في فهم الواقع إما باتجاه أسرلة مقنعة ومستترة وإما انعزالية وانقطاع عن الآخر وفي الحالتين انقطاع عن الواقع.

الأسس النظرية للمشروع القومي الديموقراطي:

القيمة الأساسية للبيان القومي الديموقراطي وهو كما أسلفنا يشمل المجهود النظري الأساسي الذي قام عليه المشروع تكمن في أمرين أساسيين:
الأول :توفير أجوبة واضحة ولا لبس فيها على سؤال لماذا نحن قوميون عرب.

الثاني: تأكيده على أن المشروع القومي الديموقراطي هو ليس ترفًا فكريًا وعلى ضرورة ترجمته إلى برنامج عمل سياسي نضالي، تحمله الأحزاب والحركات القومية كل بحسب خصوصيات وضعه المحلي لخدمة الجماهير والدفاع عن قضاياها.

يستعرض البيان نشوء الفكرة القومية في العصر الحديث في أوروبا والغرب ونشوء القومية العربية الحديثة في مواجهة الاستعمار ومن أجل التحرر والتخلص من تبعات قرون الاحتلال العثماني ومن تبعات تقسيم المشرق العربي بين الدول الاستعمارية الغربية.  البيان يوضح أن القومية العربية لم تتبلور فقط كنقيض للآخر وانما لعوامل ذاتية متطورة : "كذلك قامت القومية العربية من خلال الحداثة العربية والصحافة وتعميم التعليم وبداية الطبقات الوسطى العربية، ومن خلال قدرتها على خوض نضال شعبي يبلور الانتماء القومي كرابطة سياسية مع احترام الانتماء الديني والعقائد الدينية الأصيلة القائمة ضمن الأمة، ومع احترام الرابط الحضاري القائم بين القومية العربية والحضارة العربية الإسلامية بعصورها المتلاحقة التي تنظر إليها القومية العربية كتاريخها، ومنها تستمد ذاكرتها وقصص بطولاتها وملاحمها ومآسيها".

كما يؤكد البيان على أننا  لسنا قوميون عرب بمعنى تبني عقيدة ايدولوجية قومية شوفينية ولا بمعنى الانتماء إلى رومانسية يحركها الحنين إلى مرحلة حرك فيها المشروع القومي العربي الجماهير من المحيط إلى الخليج ثم  ينطلق البيان للإجابة على سؤال لماذا نحن قوميون عرب: "نحن قوميون عرب لأننا نرفض اعتبار تجزئة وتقسيم الأمة العربية سياسيًا أمرًا طبيعيًا. نحن قوميون عرب لأننا نرفض اعتبار إخراج الأمة العربية من مبدأ تقرير المصير أمرا مفروغاً منه. نحن قوميون عرب لأننا نعتبر القومية العربية حاجزاً أمام تسييس الطائفة والعشيرة وإطارا حداثياً لتنظيم المجتمعات العربية تنظيماً ديمقراطياً تعددياً ضمن قواعد متفق عليها تحافظ على وحدة المجتمع كمجتمع حديث.

نحن قوميون عرب لأننا ديمقراطيون. نحن قوميون عرب لأن همنا هو الإنسان العربي الفرد وحقوقه كإنسان وكمواطن، ولأننا نعتبر تفتيت وتفسيخ المجتمع العربي إلى طوائف وعشائر هو الطريق نحو التخلف والتبعية. نحن قوميون عرب لأننا وطنيون فلسطينيون نحب وطننا فلسطين، ونعتز بهويتنا العربية الفلسطينية، ولأننا نرى أن مستقبل فلسطين والشعب الفلسطيني لا يمكن أن يحسم بمعزل عن التعاون والتعاضد العربي."

في هذه الفقرة يتكثف الجهد الأساسي للبيان بربطه الوثيق بين مشروع الأمة وبين القيم الديوقراطية وبالفرد العربي وحقوقه كإنسان وكمواطن حيث لا يكون أحدهما على حساب الآخر فلن تقوم قائمة للمشروع القومي العربي بدون احترام حقوق الفرد والانسان وبدون الاتفاق على أسس وقواعد نظام ديموقراطي تعددي مع ترسيخ ثقافة ديموقراطية لاحترام هذه القواعد وممارستها واكسابها الشرعية الشعبية. من يحمل مشروع التجمع الوطني الديموقراطي لا يمكن إلا ان يحمل في داخله وبنفس الدرجة من الايمان والقناعة هذه القيم الانسانية العليا قيم الحفاظ على حقوق الانسان وتحقيق الحرية والعدل والمساواة ورفض الظلم والفساد والاستبداد وهذه تشكل قاعدة أخلاقية متينة بالاستناد اليها فقط نمارس قوميتنا المتنورة والحضارية ونرسي الأسس لتحقيق آمال الأمة في التقدم والنمو والوحدة وفي تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية والتكامل الاقتصادي مع محيطها الاقليمي والعالمي.

لقد تضمن البيان الصادر من صميم هذا الجزء الصغير من الأمة العربية والقاطن في موطنه في قلب دولة الكيان الصهيوني الذي قام على أنقاض شعبه ووطنه فلسطين دعوة إلى كل القوى والحركات القومية العربية إلى تبني هذا المشروع الفكري والسياسي الجديد وإلى ترجمته إلى برامج عمل بحسب ظروفها وخصوصية أوضاعها وفي هذا مغزى كبير.

(يتبع)

التعليقات