10/09/2012 - 11:45

الفصل القسريَ بين "المثقف الفلسطيني والثورة"!../ نزار السهلي

تكشف صور المواقف السياسية للفصائل الفلسطينية التي بدأت بالتكون مع اندلاع شرارة الربيع العربي عن هشاشة ووهن "المثقف" الفلسطيني، وعن تحولات عميقة تعيد صياغة مجتمع الشتات الفلسطيني في العالم العربي لتعريف السياسي والمثقف ولنقده في مواقف الحقب السابقة للثورات العربية من خلال إعادة إنتاج بدائل ثقافية وسياسية تطمح للحفاظ على صورة الفلسطيني الرافض للاحتلال والطغيان ولكل أنواع الارتهان والارتزاق لشعارات يذبح بها أبناء جلدته وأشقاؤه في درس الصمت المخزي

الفصل القسريَ بين

تكشف صور المواقف السياسية للفصائل الفلسطينية التي بدأت بالتكون مع اندلاع شرارة الربيع العربي عن هشاشة ووهن "المثقف" الفلسطيني، وعن تحولات عميقة تعيد صياغة مجتمع الشتات الفلسطيني في العالم العربي لتعريف السياسي والمثقف ولنقده في مواقف الحقب السابقة للثورات العربية من خلال إعادة إنتاج بدائل ثقافية وسياسية تطمح للحفاظ على صورة الفلسطيني الرافض للاحتلال والطغيان ولكل أنواع الارتهان والارتزاق لشعارات يذبح بها أبناء جلدته وأشقاؤه في درس الصمت المخزي.

تحجب بعض كتابات "النخبة "الفلسطينية روائية كانت أم سياسية حقائق بديهية وتستحضر خواءها المغلف برطانة اللغة المفعمة والمشبعة بشعارات يراد بها ومنها أن يتعايش الفلسطيني مع ذبح شقيقه قبولا بالإذلال والخنوع خدمة لشعارات "المؤامرة تكمن في كل شيء"، هذا الاتجاه الذي يمثله رهط من كتبة ومثقفين برهان غير ثوري على ما يقدمونه من رخو الثقافة والسياسة التي تعمل على تفكيكهما من خلال الاستجابة "المهذبة" لخطاب النظام العربي، والقفز المستمر نحو مستنقع أفكار المؤامرة والامبريالية العالمية والصهيونية. واستحضار هذه الجمل تحديدا في صورة ما يجري هو نقد وتحليل منقوص لما حفلت به أدبيات النضال الفلسطيني السياسية والثقافية طوال حقبة "التحرر الوطني" من الاحتلال والحلم بحق العودة وانتهاءاً من فترة الضيافة في الحضن العربي.

فإذا كان النقد المستمر واتخاذ المواقف ينسحب والحالة هذه على المثقف والروائي والسياسي الفلسطيني الذي حلل حالة الإفلاس والبؤس الفكري للقيادة الفلسطينية التي أنتجت عقليتها "أوسلو" وراهنت على شطب حق العودة للاجئين، نراها اليوم تتسيد المنابر في رحلة الإنكار المستمر لحالة الذبح المستمر لشعب شقيق يحتضن اللاجئ وتنكر وتصمت على ذبح الفلسطيني وتستبدل كل ذلك بالاختباء خلف جدار "المؤامرة" وخلف ذات الحائط تبلع لسانها في مشهد تدمير مخيمات اللاجئين وتيتانيك الفلسطينيين في عرض البحر.

رطانة اللغة السياسية بأفكارها التفكيكية هي إحدى سمات "المثقف والكتبجي" الفلسطيني الذي يعمل على اجتثاث ذات البديهيات والأدبيات من قاموس النضال الفلسطيني في ظل متغيرات المشهد العربي الراهن كونها من وجهة نظر البعض لا تنطبق على ما يجري في شارع عربي آخر.

الفلسطيني في صورته "السوبرمانية" لدى البعض الكتبجي هو فقط من يجب أن تشير له البوصلة، وهو فقط الذي يتعرض للظلم والاحتلال والقهر والقتل والتشرد، وفي الصورة الأخرى رحلة  من الإنكار لواقع القتل للفلسطيني خارج أرضه، أنتجت الحالة تلك فصلا قسريا ما بين المثقف الفلسطيني والثورة في الشارع العربي بعد أن عاش رهط من المثقفين للبحث عن نمط مهذب من الثقافة الرخوة لينجبوا  خوفا مستمرا على مكاسب أو لينجوا من مكر سلطوي يقابلهم بمكافآت على الصمت والتلفيق ارتضاءً بالتلقين، هؤلاء أطلق عليهم الراحل ادوارد سعيد "المثقفين الاحترافيين"الذين يتناولون كل شيء والظهور بأنهم يتناولون كل القضايا جميعا ويطردون الشأن العام والواقع من كتاباتهم، وبحالة المذبحة المستمرة تكون هناك إغماضة للعين وللعقل لتستبدل "بالوهابية والسلفية والإخوانية والقاعدة "بمعنى فوبيا الإرهاب التي يستخدمها أعداء العروبة يستعملها رهط الكتبجية للهروب من مكر السلطان وهم فئة أخرى من المثقف الهارب. ويأتيك المثقف التلفيقي الذي يقول لك إنه يعرف مصدر القذائف التي تنهال على أبناء شعبه في مخيمات اللجوء هي من صنع "حداد بدائي" مرتبط بالقاعدة ليتحول إلى مثقف تقني يعدد خصائص النظام الرجعي العربي ومؤامرة النفط، ويعتقد المثقفجي والكتبجي أنه إذا ما حشر في أسطر ما يكتب عن المؤامرة والصهيونية والقومية العربية وسايكس بيكو فإنه بذلك سيحجب أسئلة المجتمع وأسئلتنا عن جدوى وفحوى الكتابة لتغيب صورته وكتاباته ورواياته ومؤلفاته التي تتبرأ شخصيات رواياته منه، ويمنع استئناف الأسئلة بتبريرات سخيفة وساذجة ليبقى السؤال من هو السياسي والمثقف إن هرب من الواقع ولم يجب على أسئلته؟

حالة الانفصام التي أصابت البعض بين أدبيات الأمس التي تنادي بالتحرر والتنمية والخلاص من الاحتلال وبين أدبها وموقفها السياسي الذي يتصف اليوم "بالخانع والصامت" وبأدب الهروب من الواقع نحو أداء تعبيري محايد وناء بنفسه بممارسة طقوس الفرار نحو شرنقة الشعرات التي تعفيه من رؤية الواقع فيبقى عند عتبات الأوطان ظناً منه أن الجلوس في رحم شرنقته على شواطئ الأزمة ورمي كتاباته في وجه العامة لهي طقس من طقوس التمرس في اللعب باللغة التي لا تفيد في الخلاص من نرجسية المثقف لأن الشارع الفلسطيني والعربي يقول بما لا تبوح به صفحات المثقفين والسياسيين وما يجري في الشارع العربي هو البرهان والدليل .
 

التعليقات