05/10/2012 - 23:35

ذكرى هبة القدس والأقصى نظرة الى الخلف ....نظرة للأمام/ باسل غطاس

مثلت انتفاضة القدس والأقصى ببعدها الفلسطيني في الداخل تجلي لظاهرتين مترابطتين هما نتاج للحراك السياسي لدى عرب الداخل بعد أوسلو والذي تموضع في موقع القلب منه نمو وصعود الخطاب الوطني\القومي الديموقراطي الذي يربط بين الانتماء القومي والهوية الوطنية وبين المواطنة الكاملة غير المنقوصة.

ذكرى هبة القدس والأقصى نظرة الى الخلف ....نظرة للأمام/ باسل غطاس

ذكرى الأيام والمناسبات الوطنية كما كانت ذكرى هبة القدس والأقصى قبل أيام هي فرصة جيدة لتحريك الشارع المتكاسل وتسييسه خاصة بعد صيف مثقل جدا  بالمناسبات المنهكة للجيبة ولميزانية العائلة وهي مناسبة أولا وقبل كل شيء لإحياء ذكرى الشهداء ورفع الصوت بإدانة قاتليهم ومحاسبة المسؤولين وهي كذلك مناسبة لثتقيف الجيل الشاب الذي كان طفلا بريئا قبل اثني عشر عاما. لكنها فرصة أيضا للنظر للأحداث بسياقها التاريخي والتطلع إلى تأثيراتها في حاضرنا ومستقبلنا وأعني هنا ما يخص مجتمعنا الفلسطيني في الداخل.

مثلت انتفاضة القدس والأقصى ببعدها الفلسطيني في الداخل تجلي لظاهرتين مترابطتين هما نتاج للحراك السياسي لدى عرب الداخل بعد أوسلو والذي تموضع في موقع القلب منه نمو وصعود الخطاب الوطني\القومي الديموقراطي الذي يربط بين الانتماء القومي والهوية الوطنية وبين المواطنة الكاملة غير المنقوصة.

وفعلا فقد مثلت انتفاضة أوكتوبر 2000 تعزيزا وتجذيرا للهوية الوطنية والانتماء القومي خاصة لدى الأجيال الشابة التي كان من المفترض أن تتأسرل تماما أي تصبح مشوهة الهوية والشخصية بعد أن تم "حل" القضية الفلسطينية في أوسلو. وبنفس الدرجة كان هذا الخروج العارم للناس نابعا من أخذ الناس لمواطنتها بجدية كبيرة بمعنى"يحق لنا التظاهر ولا يحق لكم اطلاق النار علينا حتى لو خالفنا القانون" وهذا الرفض والانتفاض في وجه من يطلق النار كان محركا رئيسيا لاستمرار اشتعال الاحتجاج طيلة أيام ويمكن أن نعزو ذلك إلى شعور عميق بالغبن والغضب النابعين أيضا من عدم التسليم بأننا "أعداء" وفي حالة حرب وفي هذه الحالة يحق للشرطة إطلاق النار. كل النقاش حول هذه القضية والمطالبة بالتحقيق ومحاضر لجنة أور كلها كانت في هذه الخانة وهي خانة تقف على أرضية المواطنة وحقوق المواطن. يمككنا القول هنا أن هذه الانتفاضة مثلت فعلا نوع من العودة للهوية الوطنية عبر يقظة في التمسك بالحقوق المدنية.

قراءة المؤسسة الحكومية وخاصة الأمنية والمخابراتية منها للأحداث برأيي كانت مختلفة تماما فقد رأت بها فقط البعد القومي حيث ولأيام أغلقت شوارع رئيسة في الجليل والمثلث وهذا يشكل برأيهم تهديدا استرتيجيا وتحريكا لطابور خامس يهدد أمن الدولة العبرية. ظاهر الموضوع  ليس كذلك فمعظم الخطاب الاسرائيلي  سواء في الاعلام أو خلال تحقيقات لجنة أور وتقريرها ركز على الجوانب المدنية وخاصة سياسة التهميش والتمييز وربط خروج الناس للشارع بسبب أوضاعهم المعيشية وواقع الاقصاء والفقر والتهميش وعلى هذا الأساس كتبت توصيات لجنة أور في معظمها.

ولكن الاستنتاجات الحقيقية للمؤسسة الحاكمة كانت غير ذلك تماما ومثلتها بين الحين والآخر تصريحات أو تسريبات لجلسات وطواقم ولجان مسؤولة عن شؤون العرب. منها على سبيل المثال التصريحات غير المسبوقة ليوفال ديسكين رئيس جهاز المخابرات الاسرائيلية الذي اعتبر العرب تهديدا أمنيا استراتيجيا لدولة إسرائيل وأنهم قنبلة موقوتة وأعتبر أن حتى محاولة تغيير طبيعة الدولة بطرق ديموقراطية أمرا غير مشروع يجب أن يواجه بشدة من المؤسسة الصهيونية. ألأهم من التصريحات كان التغيير الواضح على الأرض في تشديد قبضة المخابرات الداخلية (الشاباك) أو ألأصح القول إعادة التشديد إلى ما كان عليه في فترة الستينات أو السبعينات ولكن بوسائل أكثر تعقيدا وأكثر ذكاء.

من أهم ملامح هذه القبضة الأمنية كانت ملاحقة القيادات السياسية والملف الأبرز بها الملف الأمني الذي تم "تخييطه" للنائب عزمي بشارة في محاولة مفضوحة للقضاء عليه ومن ثم على التجمع سياسيا من خلال "فخ" أمني (استعمال كلمة فخ جاء من قبل محقق الشرطة في هذا الملف في مقابلة صحفية مع موقع معاريف مؤخرا) . في هذا السياق أيضا جاءت ملاحقة أمير مخول ود. عمر سعيد و"الايقاع" بهما في ملفات ذهبا ضحيتها بسبب العقلية ومنظومة القوانين التي يمكن تسميتها "أمنية" السائدة في إسرائيل. إحكام القبضة المخابراتية يزداد في كافة أوجه حياة المجتمع العربي من التدخل في الانتخابات المحلية وحتى تعيين المعلمين ومدراء المدارس وغيرها الكثير.

فهم قراءة المؤسسة لانتفاضة أوكتوبر مقابل قرائتنا نحن لها هو فهم ضروري وهام للقيادة السياسية العربية من أجل مواجهة السياسة الرسمية ومن أجل وضع استراتيجيات العمل للمجتمع الفلسطيني في الداخل. هذا الأمر وأقصد تحديدا قرائتنا نحن للانتفاضة ببعديها القومي والمدني لا يجد تعبيرا كافيا له في جهود إعادة بناء لجنة المتابعة كلبنة أولى على طريق التنظيم الذاتي للمجتمع الفلسطيني في الداخل. ينبغي الأخذ بعين الاعتبار في كل خطوة أو مشروع خاصة إذا كان بحجم إعادة بناء لجنة المتابعة المزج بين هذين البعدين مزجا وثيقا ومتوازنا لأنه بدون ذلك من الممكن الذهاب فقط من المنظور القومي للبناء الذاتي ويبقى كل المشروع عندها في نظر الناس مشروعا انعزاليا وفكريا إعلاميا بالأساس بدون أسنان وأدوات تغيير وعندها لن يحظى بالتأييد الجماهيري فنحن نطمح لإجراء انتخابات حرة ونزيهة لهذه اللجنة يوما ما.

سيأتي اليوم الذي نطالب فيه الجماهير أن تخرج للتصويت وهي لن تفعل إذا لم تكن هذه المؤسسة التي ننوي بنائها مقنعة أنها ليست فقط مؤسسة تمثيلية قومية فكريا ولكنها مؤسسة أيضا قادرة على التأثير على حياة الناس وتوفير أمل بمستقبل أفضل. هذا يتأتى من خلال ربط القومي بالمدني وعدم إهمال بعد المواطنة بالموضوع  حتى أن كل موضوع بناء المؤسسات الذاتية للمجتمع الفلسطيني ينبغي طرحه كحق أولي من حقوق المواطن الفلسطيني في إسرائيل ومن حقوق الأقلية الفلسطينية الأصلانية.  من المهم الإشارة إلى أن بناء مؤسسات خدماتية فقط (كما في حالة الحركة الاسلامية أو غيرها من مؤسسات دينية) مهما كانت مهمة بدون منظومة البناء المجتمعي على أساس قومي  هي أيضا لا تسمن ولا تغني عن جوع وفي أفضل الأحوال تعود بالفائدة والنفوذ على أصحابها.    
 

التعليقات