12/10/2012 - 01:44

التجمع أولاً / جوني منصور

وبناء عليه، النأي بالنفس وإقصاء الذات بواسطة مقاطعة الانتخابات أمر غير صحي وغير صحيح في الحالة السياسية المفروضة قسريًا علينا في وطننا. لهذا فالانتخابات والمشاركة فيها أمر ملزم للغاية، وإقصاء الذات يكون مكسبا لدعاة التطرف والتشدد في الأوساط الاسرائيلية.

التجمع أولاً / جوني منصور

أصبح قرار التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة مسألة محسومة في المشهد السياسي في اسرائيل. ومباشرة تعالت أصوات من بين المثقفين والأكاديميين العرب في الداخل تنادي بمقاطعة الانتخابات، وانه لا جدوى من عضوية الكنيست الاسرائيلي، وأن الأحزاب العربية غير قادرة على زحزحة أصغر حجر في بنيان السياسة الاسرائيلية.

توجهات كهذه وغيرها ليست بجديدة، إذ أن بعض دعاتها يطلون على الشاشة مرة في السنة أو كل أربع سنوات. ولكن لنتدارس الأمر جيدًا، فنجد أن مقاطعة الانتخابات مسألة فيها نأي عن حق المشاركة في بلورة المشهد السياسي، من جهة، ومن جهة ميدان لطرح المطالب والسعي إلى تحقيقها كلها أو بعض منها.

ولو فرضنا جدلا أن المواطنين العرب كافة قرروا مقاطعة الانتخابات فسيفوز بالأصوات من هم في الطرف المتشدد والمتطرف في السياسة الإسرائيلية، أي اليمين. وقد يقول قائل إننا نكسب الأصوات لو توجهنا إلى الانتخابات على خلفية المتشددين والمتطرفين اليهود. هذا طرح غير سليم بالمرة، إن اصواتنا لنا، هكذا بينت اتجاهات التصويت الأخيرة (من الدورة الحالية)، وهذا يعني أنّ المواطنين العرب لديهم القدرة العالية على التأثير على الانتخابات فيما لو توجهت نسبة عالية ومرتفعة منهم إلى صناديق الاقتراع (كما تكون نسبة التصويت للسلطات المحلية).

وبناء عليه، النأي بالنفس وإقصاء الذات بواسطة مقاطعة الانتخابات أمر غير صحي وغير صحيح في الحالة السياسية المفروضة قسريًا علينا في وطننا. لهذا فالانتخابات والمشاركة فيها أمر ملزم للغاية، وإقصاء الذات يكون مكسبا لدعاة التطرف والتشدد في الأوساط الاسرائيلية.

أما التجمع الوطني الديمقراطي فتيار فاعل وقوي ليس فقط في أوساط الجماهير العربية، وإن كانت الشرائح اليهودية لا تصوت للتجمع، فمجرد مناقشة طرح سياسي أو اجتماعي أو تعليمي من قبل التجمع وتحويله سريعا إلى نقاش جماهيري وإعلامي هو في حد ذاته مكسب للتجمع لكونه نجح في جعل مجموعة من القضايا تتصدر جدول الأعمال العام في إسرائيل خلال العقد ونصف العقد الأخيرين.

وعلى سبيل المثال فقط وليس الحصر، فإن موضوع المواطنة بكافة تفصيلاته ومركباته، ما زال الشغل الشاغل لربابنة السياسة في اسرائيل، وتدور مناقشته في أروقة علنية وأخرى سرية، لكونه ينسف كل أسس المشروع الصهيوني المؤسس على الاقتلاع للشعب الفلسطيني  من أرضه وإحلال مستعمرين مكانه. وإذا لم تنجح هذه المهمة بالكامل فإن الطرح يكون التضييق على المواطنين العرب بكل الطرق منها القانونية والمالية والمخابراتية وغيرها.

من هنا، لم يرتمِ التجمع في فضاءات تفاهمات اللعبة السياسية الاسرائيلية المؤسسة على "إطعام الفم لتستحي العين"، إنما على ثوابت غير متنازع عليها، وفي مقدمتها المواطنة الكاملة، وليس المساواة فقط. المساواة عبارة عن سقف محدود قد يترجم بميزانيات متساوية أو شبه ذلك، ولكن ليس في الحقوق. مسألة الحقوق هي عبارة عن سقف عال أكثر مما تطرحه بعض التيارات السياسية العربية أو الاسرائيلية.

فالتجمع أولاً وقبل كل شيء هو حزب قومي مؤسس على فكر الانتماء إلى العروبة التي تجمع في كنفها كل مركبات الشعب العربي، بمن فيهم اليهود الذين يعتبرون انفسهم جزءا من هذا الوطن، أو قبلوا على أنفسهم ذلك ويدركون خطورة المشروع الصهيوني على اليهود المنفتحين وعلى مستقبل المنطقة برمتها.

والتجمع أولا لكونه قدم طرحًا سياسيًا جديدًا في الداخل أساسه رفع مستوى مقارعة الدولة ومؤسساتها إلى الحقوق الكاملة وفي مقدمتها المواطنة.
التجمع أولا، لكونه بيت لكل مكونات وشرائح الشعب العربي الفلسطيني، وليس حكرا على مجموعة ما دون غيرها، أو أن أبوابه موصودة أمام فئة أو مجموعة لكونها "غير شكل".

من هنا، ندرك جيدًا أن التجمع ليس حزبا آخر، أو إضافة، بل حزب يحمل موروثًا سياسيًا وفكريًا منفتحًا يسعى إلى إحداث تغيير شامل وكامل وبدون مواربات، ويسعى إلى طرح خارطة سياسية جديدة لمستقبل الصراع والوطن.

لهذا، فإن الانتخابات القادمة تلزمنا العودة لطرح مشروعنا من جديد وبصيغة تأخذ بعين الاعتبار التحولات والتبدلات المحلية والإقليمية والدولية.

التعليقات