20/10/2012 - 08:49

هل تُفضي الانتخابات إلى تغيير في القيادات؟/ جوني منصور

الصوت الصارخ في أيامنا من قبل المجتمع العربي في الداخل هو إعادة بناء قيادة جريئة، تساهم في إعادة الاعتبار إلى المجتمع العربي بعيون نفسه، وتعمل على تصفية مشهد التشرذم والغربة وكره الذات وبغض الثقافة العربية. اي قيادة تبني ثقافة الاعتزاز والفخر بالحضارة العربية والفكر العربي النير، بعيدا كل البعد عن مشاعر الاحباط والخيبة والتراجع.

هل تُفضي الانتخابات إلى تغيير في القيادات؟/ جوني منصور

من المأمول في نظام انتخابي ديمقراطي أن يتبوأ مبدأ التغيير كافة المبادئ المعمول بها. ولا يمكن الحديث عن تغيير سياسي إذا لم تكن هناك أسس وقواعد ومسببات لحدوثه. وفي الحالة الاسرائيلية هنالك الكثير من هذه الخلفيات، أي من المسببات التي يجب أن تؤدي إلى إحداث تغيير. وكان يمكن أن يحدث تغيير في المشهد السياسي في اسرائيل في العام الماضي إثر الاحتجاجات الاجتماعية التي انطلقت من تل ابيب لتعم كافة المناطق في اسرائيل. صحيح أن شرارة التغيير قد انطلقت من باب الهم الاجتماعي – الاقتصادي في اسرائيل، وليس من باب آخر، والقصد السياسي – العسكري(الأمني)، إلا انه مؤشر على رفض جماهيري لسياسات حكومة اسرائيل الاجتماعية والاقتصادية.

ما تبين لاحقا، أن الشعب الاسرائيلي غير مهيأ لتبني ثورة سياسية ضد حكومته، أو بالأحرى ضد منظومة الحكم في اسرائيل. ومن جهة أخرى تم قمع هذه الاحتجاجات بطرق سياسية ناعمة، برفع علم أمن اسرائيل ومصير اسرائيل في ظل ظروف شرق أوسطية متقلبة وغير مستقرة. ومما لا شك فيه أن هذا الشعب قد تربي وفق أسس عسكرية من صغره وحتى بلوغه المرحلة الجامعية، فكل شيء في اسرائيل هو مُعسكر (أي من العسكرة). التنشئة البيتية والمدرسية والكشفية والمجتمعية والرياضية وغيرها كثير مبني على أسس التربية العسكرية. بمعنى آخر أنه منذ إنشاء هذه الدولة كل المؤسسة ومنظوماتها تسير وفق روح عسكرية. من جهة أخرى، يعيش المجتمع الاسرائيلي منذ إنشاء دولة اسرائيل في أجواء تلفها وتحتويها قضية „الشعب الملاحق والمضطهد”، وهذه في حد ذاتها مسألة تحد نفسي وفكري وعملي في إحداث اي تغيير وتعديل جذري في الحكم. أضف إلى ذلك نشر ظواهر الخوف إلى درجةالرُّهاب (الفوبيا) من الخطر الايراني وحزب الله وحماس ومن العرب والفلسطينيين ومن الإرهاب الاسلامي، إلى حد لم يعد فيه الاسرائيلي قادر على فهم الواقع والحقيقة. معنى ذلك أن قيادات اسرائيل جرت وعلى مدى عقود طويلة شعبها إلى مربع الفوبيا، وصورت له الخطر الداهم فيما لو لم تتخذ اسرائيل خطوات رادعة. كل هذا، وغيره كثير، يتطلب ميزانيات وموارد، كلها كانت تصب في خدمة المشروع العسكري الاسرائيلي، وذلك على حساب مشاريع اجتماعية واقتصادية وتعليمية أخرى.

لهذا، لا يمكن للشعب في اسرائيل في ظل هذه الظروف إحداث تغيير في الحكم(أنا لا أريد استعمال مصطلح انقلاب في الحكم، لأنه غير وارد في الوقت الراهن). ما يمكن أن يُحدثه الاسرائيلي هو إعادة صناعة برلمان مشابه للحالي، مع تغييرات طفيفة على عدد من الأجندات التي من الممكن أن ترضي شرائح واسعة. ولننظر إلى تشكيلات مقترحة لقوائم وأحزاب جديدة في المشهد الانتخابي الاسرائيلي الجاري تكوينه، فإن اي منها يلجأ إلى ضمان مقعد أو أكثر لقيادات عسكرية سابقة. هذه القيادات تعتبر في القاموس الاجتماعي في اسرائيل ذات مكانة مرموقة إلى درجة التقديس. وهكذا تعود الدائرة لتقفل على ذاتها في باب عسكرة الانتخابات والديمقراطية في اسرائيل. لن يكون هناك أي تعريف آخر لما يجري في اسرائيل في ميدان الحراك السياسي إلا وأنه مرتبط تمام الارتباط بالمشهد العسكري. وهذا يعني ان المشهد العسكري، وإن يكن في غالب الأحيان غير ظاهر رسميا في الشأن السياسي، إلا أنه يتحكم به من بُعد ومن قُرب وفقا للظروف الحاصلة على أرض الواقع.

وبناء عليه، ووفقا لما هو ظاهر ومتحرك في الميدان السياسي – الانتخابي حاليا، فإن أي تغيير قد يحدث لن يكون إلا بفعل معجزة من السماء. وهل تستطيع السماء فعل ذلك!

أما على صعيد المجتمع العربي الفلسطيني في اسرائيل، فإن الاستجابة لروح ورياح التغيير في العالم العربي واردة ويجب أن تكون هكذا، لأن هذا المجتمع ليس بمنأى عن محيطه العربي، وليس غريبا عما يجري هناك. كل ما هو مطلوب هو التعبير عن التغيير في المعركة الانتخابية، ولكن لا يمكن أن يطبق ذلك إلا بالتمهيد له مسبقا. والقصد من وراء ذلك، أن يُقدِم للمجتمع العربي على تغيير أساسي في قياداته من خلال فهم محيطه، وأنه غير منفصل عن هذا المحيط، وفي الوقت ذاته، أن يُدرك تمام الإدراك أنه يستطيع أن يُغير كثيرا، حتى في السياسة العامة لاسرائيل. هذا الأمر يتطلب بناء استراتيجية واضحة المعالم لخصوصية الفلسطينيين في الداخل. أي أنه من الصعب نسخ مشهد سياسي في العالم العربي إلى الداخل، بل يمكن تكوين مشهد جديد متميز ومختلف ومستعد لبناء المجتمع وليس فقط التوقف عند تمثيله برلمانيا.

ما معنى ذلك؟ قيادات اي مجتمع سواء كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية أو تربوية لها دور فاعل في المشهد الحياتي اليومي، وبالتالي تستطيع التغيير من خلال قيادة جريئة ونظيفة للمجتمع.

المجتمع  العربي الفلسطيني في الداخل بحاجة إلى تغيير في منظومة قيادته ومؤسساته، لينقل هذا المجتمع نفسه من الصراعات الداخلية التي باتت تقض مضاجعه، إلى مستوى المقارعة السياسية المؤسسة على وحدة الفكر والرأي. وإلى مستوى إعادة بناء وتشكيل المجتمع العربي من خلال تفعيل منظومته القيمية.

تستطيع قيادة جديدة وجريئة أن تبني مؤسسات قيادية عربية فلسطينية في الداخل ترفض الرضوخ لإملاءات غير ما يريده شعبها. وهذا يعني، السير قدما نحو إعادة بناء مؤسسات قيادية تمثيلية تضع أجندة نضالية آخذة بعين الاعتبار احتياجات وتساؤلات وتطلعات الجماهير العربية في اسرائيل.

الصوت الصارخ في أيامنا من قبل المجتمع العربي في الداخل هو إعادة بناء قيادة جريئة، تساهم في إعادة الاعتبار إلى المجتمع العربي بعيون نفسه، وتعمل على تصفية مشهد التشرذم والغربة وكره الذات وبغض الثقافة العربية. اي قيادة تبني ثقافة الاعتزاز والفخر بالحضارة العربية والفكر العربي النير، بعيدا كل البعد عن مشاعر الاحباط والخيبة والتراجع.

حاجة المجتمع العربي الفلسطيني اليوم قبل الغد، إلى قيادة تشعره بانتماءه القومي، وتنقله إلى غد أفضل. لن يكون هذا التحول من خلال الانتخابات البرلمانية فقط، إنما من خلال موقع هذه القيادة السياسي في البرلمان، بتأثير على الشارع العام.

قيادة حزبية برلمانية دورها في المجتمع العربي ما زال قائما وفاعلا وله مردود مقبول، والحاجة إلى التغيير. 

هل تفرز الانتخابات القادمة مثل هذا التغيير؟ يكون ذلك بالمشاركة الفاعلة في الانتخابات تعبيرا عن رغبة التغيير.

التعليقات