05/11/2012 - 10:01

وعد بلفور مرة أخرى../ د. فايز رشيد

في الثاني من تشرين الثاني كل عام تتجدد ذكرى وعد بلفور الذي جرى إطلاقه في عام 1917. خمسة وتسعون عاماً مرّ على هذا الوعد المشؤوم من وزير خارجية بريطانيا العظمى للحركة الصهيونية، والذي جعل من فلسطين مكاناً لإقامة الوطن القومي لليهود ظلما وزورا وبهتانا، بما يمثله ذلك من انصياع وتآمر بريطاني لقرار المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية في عام 1897، والذي جعل من فلسطين أرضاً للميعاد

وعد بلفور مرة أخرى../ د. فايز رشيد

في الثاني من تشرين الثاني كل عام تتجدد ذكرى وعد بلفور الذي جرى إطلاقه في عام 1917. خمسة وتسعون عاماً مرّ على هذا الوعد المشؤوم من وزير خارجية بريطانيا العظمى للحركة الصهيونية، والذي جعل من فلسطين مكاناً لإقامة الوطن القومي لليهود ظلما وزورا وبهتانا، بما يمثله ذلك من انصياع وتآمر بريطاني لقرار المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية في عام 1897، والذي جعل من فلسطين أرضاً للميعاد.

قرار الحركة الصهيونية، ووزير الخارجية البريطاني فيما بعد، مثّلا، ولا يزالان، التقاء المصالح الاستعمارية والصهيونية ومخططاتهما البعيدة المدى للوطن العربي والقاضية: إقامة دولة غريبة عن المنطقة وعدوة لسكانها في الجزء الفاصل بين دول الوطن العربي في آسيا والأخرى في أفريقيا، هذه الدولة ستكون رأس جسرٍ للمصالح الاستعمارية في الشرق الأوسط، وحربة في ممارسة العدوان على دوله، كما أنيطت بها مهمة منع الأقطار العربية من الوحدة لأن وحدتها تجعل منها قوة مؤثرة على الساحة الدولية، تم رسم هذا المخطط في مؤتمر كامبل - بنرمان في عام 1908 بين الدول الاستعمارية، تتويجاً لقرار المؤتمر الصهيوني، وتمهيداً لوعد بلفور فيما بعد.

وبالفعل جرت الأحداث الفعلية بقوة السلاح الاستعماري الانتدابي البريطاني وفقاً لهذا المخطط، إذ سهّلت بريطانيا (الدولة المنتدبة على فلسطين) وكافة الدول الاستعمارية الأخرى (بما في ذلك ألمانيا النازية): هجرة اليهود إلى فلسطين تحت سمع وبصر سلطات الانتداب البريطاني، وسلّحتهم بأنواع الأسلحة الحديثة التي كانت في ذلك الوقت لينشئوا فيما بعد منظماتهم الإرهابية الصهيونية، التي كانت نواة الجيش الإسرائيلي حينما تم الإعلان عن قيام الدولة.

لا نكتب عن وعد بلفور بهدف التباكي عليه، لكن من أجل توضيح حجم المؤامرة على فلسطين وعلى الأمة العربية بأسرها من الدولة الاعظم آنذاك واستهدافها عموم المنطقة. جاءت ولادة الدولة الصهيونية في عام 1948، منذ تلك اللحظة وحتى الآن، 2012، لم يتوقف التآمر الاسرائيلي لا على شعبنا ولا على أمتنا. كل الذي حصل بعد ما يزيد عن الستة عقود: أن إسرائيل أصبحت أكثر عدوانية وصلفا وعنصرية عاما وراء عام. من جانب ثان: ازداد التآمر الاستعماري على الوطن العربي وهو ما يؤكد حقيقة المؤامرة التي صيغت خيوطها في أوائل القرن الزمني الماضي. الآن نشهد فصولا جديدة من المؤامرة عنوانها: تفتيت الدول القطرية العربية وتحويلها إلى كيانات هزيلة ومتناحرة ومتحاربة. أفضل مثال على صحة ما نقول هو جنوب السودان الذي تم اقتطاعه من جسد الوطن الأم ليمثل إسرائيل جديدة يتم زرعها في الخاصرة الأخرى للوطن العربي.

حتى الآن لم نستفد من دروس الماضي: العرب ما زالوا مفككين والقطرية تتمازج مع العصبوية لتشكل ما يشبه الظاهرة في العالم العربي على حساب شعارات الوحدة والتكامل والتنسيق البيني العربي. الحال الفلسطيني ليس بأفضل، فالانقسام بات حقيقة واقعة في عامه الرابع على التوالي. المشروع الوطني الفلسطيني يعاني تراجعا كبيرا رغم وضوح كافة خيوط المؤامرة.

نحاول التفتيش بمجهر عن إنجاز فلسطيني فلا نجد سوى الطلب الذي جرى تقديمه باسم منظمة التحرير الفلسطينية للجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الحصول على عضوية مراقبة لفلسطين في المنظمة الدولية. علينا أيضاً عدم تعظيم هذا الإنجاز فيما لو حصل ( فالمشروع ما زال حبرا على ورق) إلى الحد الذي نتصور فيه أن الدولة الفلسطينية قد أصبحت على مرمى حجر، فبيننا وبين تحقيق هذا الهدف كفاح نضالي طويل، فعدونا لا يستجيب للمناشدة ولا للقرارات الدولية، يستجيب فقط للغة المقاومة ضده، ولا يتنازل عن تسويته المطروحة من قبله، إلا في وصولنا إلى ميزان قوى، نجبره على الانصياع لحقوق شعبنا الوطنية.

في ذكرى وعد بلفور المشؤوم: نود التأكيد على عدة مبادىء وأسس أبرزها:
الخطر الصهيوني لا يقتصر على الفلسطينيين بل يتعداهم الى كل العرب. من أجل هذا لا بد من تعزيز التلاحم بين الخاص الوطني والعام القومي. إسرائيل لا تريد السلام لا مع الفلسطينيين ولا مع العرب. تريد استسلامهم الكامل لها ولتسوياتها. لكل ذلك لا بد من بناء إستراتيجية فلسطينية وعربية جديدة في كيفية التعامل مع هذا العدو وأطماعه في الوطن العربي. إستراتيجية تقوم على مجابهة إسرائيل وكافة المؤامرات التي تحاك للعرب ولعموم المنطقة. ليجر تعزيز شعارات التضامن والتكامل العربي على طريق الوحدة العربية. بالطبع هذا ليس حلما ليليا وإنما ضرورات واقعية ومتطلبات مرحلة وضمانة لبقاء الأمة العربية وإلا سنكون أمام حلقات تآمرية جديدة هي نسخ كربونية عن وعود بلفور عديدة واتفاقيات سايكس بيكو كثيرة.
 

التعليقات