15/11/2012 - 20:27

غزة في رام الله و الناصرة../ د. جمال زحالقة

جاء العدوان الإسرائيلي الإجرامي على غزة في خضم الانتخابات الإسرائيلية، وما من شك بأنه مرتبط بها من حيث التوقيت ومن حيث الأهداف الشخصية والحزبية والسياسية للثنائي نتنياهو- براك. ولكن الأسباب الحقيقية لهذا العدوان تتعدى الانتخابات، وهي مرتبطة بقضايا أمنية وسياسية إستراتيجية، لا علاقة لها بمن يشغل منصب رئيس وزراء إسرائيل ومنصب وزير أمنها

غزة في رام الله و الناصرة../ د. جمال زحالقة

جاء العدوان الإسرائيلي الإجرامي على غزة في خضم الانتخابات الإسرائيلية، وما من شك بأنه مرتبط بها من حيث التوقيت ومن حيث الأهداف الشخصية والحزبية والسياسية للثنائي نتنياهو- براك.  ولكن الأسباب الحقيقية لهذا العدوان تتعدى الانتخابات، وهي مرتبطة بقضايا أمنية وسياسية إستراتيجية، لا علاقة لها بمن يشغل منصب رئيس وزراء إسرائيل ومنصب وزير أمنها.

يسود القيادة الأمنية والسياسية في إسرائيل اعتقاد مفاده بأن عملية "الرصاص المصبوب" قد نفذت صلاحيتها وانتهى مفعولها، ولم تعد حاضرة كعامل ردع وكحاجز نفسي وأمني أمام المقاومة الفلسطينية. من الملفت للانتباه أن أكثر الكلمات التي رددها وزير الأمن الإسرائيلي في خطاباته الأخيرة، إيهود براك، هي كلمة "ردع"، مما يشير أنه الهاجس الأكبر للمؤسسة الإسرائيلية، وبالأخص منذ فشل حربها على لبنان عام 2006 وتعثر عدوانها على غزة عام 2009. وإذ تبدأ العملية العسكرية الجديدة المسماة "عمود الغيم"، فإنها معدة سلفاً لترميم الردع الإسرائيلي المتصدع، وذلك من خلال زرع الدمار ومحاولة بث الرعب واللجوء إلى العربدة والتخويف، أملاً في كسر إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، وفي غزة تحديداً.

في حربها السابقة على غزة اعتمدت حكومة أولمرط حينها، سياسة مركبة من جهة حرب على الفلسطيني "المتطرف" في غزة ومغازلة وعلاقة حسنة مع "الفلسطيني المعتدل" في رام الله. هذه المرة تطلق إسرائيل تهديدات بضرب سلطة حماس في غزة، بحجة الصورايخ، وبتقويض السلطة الفلسطينية في الضفة، إطلاق صاروخ دبلوماسي في الأمم المتحدة.

لسنا بصدد إجراء حسابات للماضي، ولكن في حاضرنا اليوم نضجت الظروف الموضوعية للوحدة والمصالحة، ولم يعد هناك من مغريات حتى لأكثر القيادات الفلسطينية شغفاً بالتفاوض والمفاوضة، ويسقط بذلك العائق السياسي الأكبر لإتمام المصالحة، فلا مفاوضات ولا حتى علاقات بالحد الأدنى مع إسرائيل، هي مواجهة مفتوحة على كل الجبهات، فكيف للشعب الفلسطيني أن يواجه وهو مشتت؟ كيف له أن يتصدى للعدوان العسكري والاقتصادي والسياسي والدبلوماسي الإسرائيلي وهو مجزأ ومتنافر؟ 

آن الأوان أن يكون الرد الفلسطيني قاطعاً وحازماً ومسؤولا.  آن الأوان أن يكون الرد مؤكداً على أن الشعب الفلسطيني شعب واحد وما يحدث في غزة كأنه في رام الله، لا بل كأنه في الناصرة، شعب واحد لا يقبل القسمة إلا على واحد.  إن أكثر ما يمكنه أن يقلب موازين إسرائيل في عدوانها، الذي تظنه مغامرة محسوبة، هو أن يكون رد فلسطيني يتجاوز الانقسام، وشعبنا ليس قليل الحيلة، كما تظن بعض قياداته. يمكن غداً الإعلان عن إنهاء الانقسام وإلغاء التنسيق الأمني وتفعيل المقاومة الشعبية والقيام بحملة لفرض العقوبات على إسرائيل إضافة إلى التوجه للأمم المتحدة وتحريك الشارع العربي والحكومات العربية في حملة دعم مساندة وتضامن مع فلسطين وشعب فلسطين.

من شأن رد الفعل الفلسطيني والعربي أن يقلب حسابات القيادة الإسرائيلية، التي تشن العدوان الحالي على غزة. في أكثر من مرة قامت حكومة إسرائيلية بحرب عشية الانتخابات، أملاً في كسب الانتخابات، وفي كل مرة خسرتها.  هكذا كان مع بيرس عام 1996، وهكذا براك في حربه ضد الانتفاضة عام 2000، وهكذا أولمرط وليفني في الحرب على غزة 2009. هذه المرة أيضا، قد يؤدي فشل العدوان إلى خسارة الانتخابات، ولكن الأهم من ذلك بكثير أن يكون الرد العربي والفلسطيني رادعاً لإسرائيل، فتكون كمن جاء ليردع فارتدع!
 

التعليقات