04/12/2012 - 12:05

شــعــبنا أقـــــوى بالتجـــمــع/ عوض عبد الفتاح

إن المعادلة السياسية تقول إنه إذا أراد حزب سياسي أن يؤثر أكثر في حياة الناس عليه أن يسعى إلى زيادة قوته وزيادة تمثيله والمؤسسات البلدية والبرلمانية. كلما زادت قوته كلما اتسعت مساهمته في المشروع الكبير، مشروع عموم الناس. ومن هذا المنطلق فإن دعم التجمع والالتفاف حوله في كل المعارك هو تقوية المجتمع وتسريع الوصول إلى الأهداف الكبرى.

شــعــبنا أقـــــوى بالتجـــمــع/ عوض عبد الفتاح

يرزح المواطن العربي الفلسطيني في هذه البلاد تحت ثقل همومه اليومية، همّ البيت والأولاد، ومع ذلك يتابع كل ما في الدنيا من حروب وانتفاضات وثورات عبر وسائل الاتصال الحديثة، يتابع وهو في طريقه أو خلال عودته من العمل. ولكنه لا يتوقف عن الحلم، فهو يبحث بين نشرات الأخبار عن خبر يعزز الأمل بغد أفضل وبفجر جديد. يحاول دائمًا التوفيق بين همه اليومي وانتمائه الوطني. يخوض معركة البقاء والتطور على مدار الساعة، تارة على شكل هبة أو هبات، وتارة أخرى على إيقاع هادئ، ولكن مثابر.

هو يدرك تماما أن ظروف حياته في وطنه متأثرة بالواقع السياسي الذي يعيشه، واقع مثقل بالظلم الفاحش. ويبذل جهدا هائلا في سبيل الحصول على لقمة عيشه بكرامة كي يتحرر من الديون المتراكمة. يبذل جهدا كبيرا من أجل أن يوصل أبناءه وبناته إلى الجامعة. يفعل ذلك كله وهو يدرك انتماءه الوطني، هذا الانتماء الذي يمنحه التوازن والاعتزاز بنفس غادرت الشعور بالنقص تجاه اليهودي الإسرائيلي. 

بين الفينة والأخرى، يُحوّل غضبه عن المسؤول الرئيسي عن ظلمه من الدولة العبرية إلى الأحزاب العربية... لأنها في نظره لا تعمل بصورة كافية لمساعدته. ولكنه في نهاية المطاف وفي غالب الأحيان يختار دعم حزب وطني هو فقط من يمثله ويدافع عن حقوقه. وفي العقدين الأخيرين، وجّه ضربات موجعة للأحزاب الصهيونية وعملائها. في هذه الفترة خاضت الجماهير الفلسطينية في إسرائيل معارك وطنية كبيرة، أهمها هبة القدس والأقصى، كما أنها أنجبت حزبًا وطنيًا جديدًا هو التجمع الوطني الديمقراطي الذي أعاد تشكيل الساحة السياسية وبعث من جديد راية الهوية القومية وراية الصدام مع الصهيونية، ورسم طريقًا جديدًا أمام الفلسطيني.

النواة الوطنية الصلبة من الجماهير العربية، بغالبيتها لا تفقد البوصلة، فتظل سهامها موجهه طيلة الوقت إلى العدو الرئيسي، إلى المؤسسة الإسرائيلية الرسمية المعادية قولا وفعلا للمواطنين العرب. وهذا ما سيكون في انتخابات الكنيست القادمة.

في هذه الأجواء تدخل المؤسسة الإسرائيلية عبر ضعاف النفوس، وعبر الانتهازيين العرب وتعمل على نشر الأوهام بين الناس، فيدعي ممثلوها أن الأحزاب العربية لا تهتم بمصالحهم، لأنها مشغولة بالقضية الفلسطينية، أو أن بعض أعضاء الكنيست مشغولون بكيفية تأمين مقاعدهم إلى أمد أطول. وهذه حيلة خبيثة تهدف إلى إبعاد الناس عن السياسة، إبعاد الناس عن الأحزاب التي تمثلهم، وأن تحوّل نقد الناس للأحزاب، وفي الكثير منه صحيح، إلى جلد للذات. بل بعضهم يضع جميع الأحزاب في سلة واحدة ويخلط الحابل بالنابل. فأين ينتهي هؤلاء الأفراد أو الشرائح! بعضهم القليل ينزلق إلى أحضان الأحزاب الصهيونية، وبعضهم الآخر وهم أكثر عددا  إلى الانزواء في البيوت والغرق بالهموم الذاتية. وجزء كبير منهم يختار الفعل السياسي والاجتماعي، والابتعاد عن الكسل والتقاعس.

يشتد التحريض السلطوي على أهم الأحزاب العربية، التجمع الوطني الديمقراطي، عشية وخلال كل انتخابات الكنيست الإسرائيلي. إن محاولة شطبه تتكرر كل موسم انتخابات، والتحريض عليه لا يتوقف، والملاحقة السياسية التي يتعرض لها متواصلة، وتجري محاولات دائمة لدمغه بالتطرف لدرجة أن غالبية الإسرائيليين أصبحوا ينظرون إليه وكأنه حزب غير شرعي. والحقيقة أن الهدف الحقيقي من الحملة أو المستهدف الحقيقي هو الجمهور العربي الفلسطيني داخل إسرائيل في سبيل نزع الشرعية عن حقوقه التي يعبر عنها بلا مساومة. تريد المؤسسة الإسرائيلية أن تبعث الرعب في نفوس الفلسطينيين وتحاول أن تقود الناس إلى الانفضاض عنه بادعاء أن التقرب منه يُلحق الضرر بمصالحهم الذاتية.

لكن المؤسسة الإسرائيلية تعيش حالة إحباط حقيقية من قدرة التجمع وقيادته وكوادره على الاستمرار وعلى صموده المذهل، وتمسكه الذي يثير الإعجاب بخطه السياسي المبدئي. ليس هذا فحسب، بل لمواصلة شرائح واسعة من جماهير شعبنا الوطنية في الالتفاف حول هذا الحزب في كل معاركه السياسية والقانونية والشعبية.

ليس بيد السلطة الإسرائيلية من مسوغ قانوني حقيقي لشطبه، ولا يوجد مسوغ منطقي لمواصلة التحريض عليه. كل ما في الأمر أن هذا الحزب هو الحزب الأكثر جرأة والأكثر تطورا، والأكثر رقياً فكرا وأداء في مجابهة العنصرية، العنصرية المتصاعدة عبر مجابهة البنية العنصرية لدولة إسرائيل، والإصرار العنيد على حق العرب في المساواة الكاملة ودعم حق شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة. وهي تعرف أن شطبه سيقلب قواعد اللعبة السياسية كلها.

دعم التجمع، تقوية المجتمع
بعد ما يزيد عن 15 عامًا من العمل والكفاح، تحوّل التجمع إلى ضمير للجماهير العربية الفلسطينية في الداخل. يخوض نضالا سياسيا وشعبيا إلى جانب الأحزاب الأخرى، ولكن حزبنا هو رأس الحربة في مجابهة العنصرية. وما يميزه عن الآخرين أنه لا يتعامل مع العنصرية كجملة مظاهر متفرقة تصدر عن هذا الوزير أو ذاك، أو هذا البرلماني أو ذاك، إنما يتعامل معها بمنهجية ومثابرة كنظام قائم بذاته يحكمنا ويسعى إلى التحكم في كافة خطوط تطورنا وشل تقدمنا واحتجاز تحررنا. وقد أخضع الحزب منذ انطلاقه هذا النظام (الإسرائيلي) لمشرحة التحليل من منظار المبادئ الديمقراطية والتي تقوم عليها الدول الديمقراطية، والتي تدعي إسرائيل أنها تقوم عليها. وكما تعرفون فإن أوساطا "عربية إسرائيلية" عديدة ظلت مهيمنة لفترة طويلة على الساحة السياسية بسبب أيديولوجياتها غير المتصادمة مع يهودية الدولة، أوهمت نفسها وأوهمت الناس بإمكانية تحقيق المساواة عبر الاندماج وبدون تحدي جوهر الدولة اليهودية- أي المبنى القانوني العنصري-الكولونيالي.

و قد كان ضروريا، وطنيا وديمقراطيا وإنسانيا إطلاق مشروعنا/مشروعكم القومي الديمقراطي والعمل بلا هوادة على إزالة القناع عن ماكينة التمييز العنصري وعن مصدر الظلم الأساسي اللاحق بنا كفلسطينيين في الداخل وكشعب فلسطيني عامة. واختار التجمع عام 1996، وبعد نقاش طويل، الدخول للكنيست كمنبر لإسماع صوته الهادر والأصيل والتواصل مع الرأي العام. وفوجئ أقطاب المؤسسة الإسرائيلية بجرأة هذا الصوت ووضوحه، فاستنفرت القبيلة الصهيونية في محاولة لإعادة العربي الفلسطيني إلى حالته السابقة.

كان على التجمع أن يوقف مسار التعلق بالأوهام، وأن يوقف عملية التعمية عن الحقيقة. كان على التجمع أن يستخدم فضح التناقض الكامن بين "يهودية إسرائيل وديمقراطيتها"، وقد استخدم الكنيست ليحولها إلى ساحة مواجهة أيديولوجية ضد الصهيونية وجوهرها العنصري. ليصل صدى ذلك إلى العالم وإلى أوساط واسعة من المجتمع المدني في العالم. لقد كان ولا يزال للتجمع دور هام في طرح قضية سياسة العداء العنصري للمواطنين العرب وفي اتساع الحملة العالمية للمقاطعة وصدور التقارير مؤخرا من مؤسسات عالمية تتطرق إلى ظروف المواطنين العرب. إن من يراقب أدبيات هذه الحملة سيجد أن أدبيات الحزب خاصة كتابات عزمي بشارة ومرافعاته في الكنيست تحظى بحيز لا بأس به، للتدليل على عدم ديمقراطية إسرائيل. إن كسب الرأي العام العالمي ولفت أنظاره إلى وجود أقلية فلسطينية أصلانية مضطهدة داخل إسرائيل، بعد تجاهل وجهل طويلين، هو مصدر من مصادر القوة لعرب الداخل.

لماذا يجب دعم ومساندة التجمع؟!
يستند مشروع التجمع على ركائز عدة، ولكن أهم ركيزتين: دولة المواطنين والحكم الذاتي الثقافي. بالنسبة للركيزة الأولى فإنها تعني دولة المساواة بين جميع المواطنين، كنقيض للعنصرية والكولونيالية وغياب العدالة. وينطوي طرح هذا المطلب أو الشعار على أمرين: الأمر الأول التأكيد على الجوهر الإنساني لبرنامج ورؤية التجمع البديل للرؤية الصهيونية، الأمر الثاني وهو عملي: إزالة الوهم من أنظار شرائح معينة من المواطنين العرب التي اعتقدت أنه بإمكان تحقيق مطالبها وطموحاتها الشرعية مع بقاء نظام دولة يهودية (وكولونيالية) أو عبر الانبطاح على أعتابها، لأن استمرار الاعتقاد بذلك يجعل المواطن يقدم تنازلات جوهرية في هويته وتاريخه دون الحصول على حقوقه حتى المدنية الكاملة.

الركيزة الثانية: هو الحكم الذاتي الثقافي، ماذا يعني ذلك. يجب التوضيح أو التذكير أنه بدون التمسك بهاتين الركيزتين، بصورة متوازية يصبح برنامج الحزب إعادة نسخ لبرنامج أحزاب عربية إسرائيلية أي يصبح البرنامج إسرائيليا بالجوهر.

وطالما أن شعار دولة المواطنين هو بوصلة أكثر منه مطلبا، في مشاريع تكرس يهودية الدولة، ويفتح الأفق على حل أكثر عدالة، وطالما أن هذا المسار طويل، ومن المهم أن تتواصل الأجيال وتتسلح به، يصبح الحكم الذاتي الثقافي المدخل العملي والمباشر لإعادة تنظيم المجتمع الفلسطيني في إسرائيل والوصول إليه مطلبا واقعيا، ومسألة ملحة بل ربما وجودية.

لماذا الحكم الذاتي الثقافي أو الإدارة الذاتية؟ من ثوابت السياسة الإسرائيلية تجاه عرب الداخل هو عدم الاعتراف بهم كمجموعة قومية أو جزء من شعب، أي إنكار حقوقهم الجماعية، كالتحكم بأراضيهم وثقافتهم وتعليمهم. نتيجة لعدم الاعتراف بنا كمجموعة قومية، فإننا نُحرم من جامعة عربية، نُحرم من التحكم بمدارسنا، نُحرم من المساواة في الميزانيات للسلطات المحلية، نُحرم من التوسع الحر بقرانا و بلداتنا التي تحولت إلى غيتوات محاصرة بالاستيطان. نُحرم من إقامة المناطق الصناعية وإقامة اقتصاد عربي منتج شبه مستقل يستوعب عشرات الآلاف العاطلين عن العمل ويحدّ من العنف المستشري.

ما هي الإستراتيجية المطلوبة لمواجهة ذلك؟ إنها تتمثل بإعادة تنظيم عرب الداخل على أساس قومي، وذلك عبر إعادة بناء لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب. وهذه الإستراتيجية هي في صلب برنامج التجمع والتي أصبحت مقبولة لدى أحزاب وحركات سياسية أخرى. نريد للجنة المتابعة أن تتحول إلى قيادة عربية منتخبة مباشرة من المواطنين العرب. وأن تشرف على بناء مؤسسات اقتصادية وثقافية وتعليمية واجتماعية، يكون للجنة المتابعة صندوق قومي (مالي) يمول المشاريع الكبيرة التي يحتاجها مجتمعنا العربي الفلسطيني، نريد أن يكون صندوق مالي لمساعدة الطلاب الجامعيين ولتمكين العائلات الفقيرة من إرسال أبنائهم وبناتهم إلى الجامعات دون الحاجة إلى العوز. نريد أن نخطط لبلداتنا كما نريد، وليس كما تريد الدولة العبرية.

إن المعادلة السياسية تقول إنه إذا أراد حزب سياسي أن يؤثر أكثر في حياة الناس عليه أن يسعى إلى زيادة قوته وزيادة تمثيله والمؤسسات البلدية والبرلمانية. كلما زادت قوته كلما اتسعت مساهمته في المشروع الكبير، مشروع عموم الناس. ومن هذا المنطلق فإن دعم التجمع والالتفاف حوله في كل المعارك هو تقوية المجتمع وتسريع الوصول إلى الأهداف الكبرى. 

التعليقات