14/12/2012 - 12:41

حول الفقر/ علي حيدر

لقد نشرت في الأسبوع الماضي معطيات جديدة حول الفقر في البلاد، وذلك من خلال التقرير السنوي لمؤسسة التأمين الوطني. وقد كشف التقرير حول الفقر في البلاد، لعام 2011، عن صورة قاتمة وقاسية جداً ، ولكن نتيجة للأوضاع السياسية الدولية والتطورات على مستوى المنطقة والحملات الانتخابية للبرلمان، فلم يحظ هذا التقرير بالاهتمام الإعلامي والجماهيري اللائقين، والمعالجة الكافية والتحليل العميق وخصوصاً فيما يتعلق بالمجمتع الفلسطيني في البلاد.

حول الفقر/ علي حيدر

لقد نشرت في الأسبوع الماضي معطيات جديدة حول الفقر في البلاد، وذلك من خلال التقرير السنوي لمؤسسة التأمين الوطني. وقد كشف التقرير حول الفقر في البلاد، لعام 2011، عن صورة قاتمة وقاسية جداً ، ولكن نتيجة للأوضاع السياسية الدولية والتطورات على مستوى المنطقة والحملات الانتخابية للبرلمان، فلم يحظ هذا التقرير بالاهتمام الإعلامي والجماهيري اللائقين، والمعالجة الكافية والتحليل العميق وخصوصاً فيما يتعلق بالمجمتع الفلسطيني في البلاد.

نود التأكيد أولاً وقبل كل شيء على أن ظاهرة الفقر وتفاقمها داخل المجتمع العربي ليست جديدة، ولكنها تزداد حدة وصعوبة من حين إلى آخر، والوضع الإجتماعي والإقتصادي للمجتمع الفلسطيني آخذ في التردي والتدهور بشكل متواصل ومستمر. ولكن قبل أن نستعرض، وبشكل منهجي ومهني، الأسباب الرئيسية التي تؤثر على تفاقم ظاهرة الفقر، ونشرح أبعادها، ونقترح بعض الأفكار العينية للخروج منها، نود استعراض المعطيات المختلفة والجديدة حول الفقر كما نشرت في تقرير مؤسسة التأمين الوطني لعام 2011. ففي عام 2011 رضخت 442,200 عائلة تحت طائلة الفقر، وهذه العائلات تشمل 1,838,600 نفساً، من بينهم 860,900 ولداً. أما فيما يخص المجتمع العربي فقد ازدادت نسبة الفقر لدى العائلات العربية حتى وصلت إلى 53,5%، وهذا يعني أن 53,5% من العائلات العربية هي عائلات تعيش تحت خطر الفقر.

والأهم من ذلك ففي حين أن مخصصات التأمين الوطني قد أخرجت العديد من العائلات اليهودية من تحت خط الفقر، فإن النتيجة معاكسة في المجتمع العربي وبشكل ملحوظ، بل فإن ظاهرة الفقر ازدادت عمقاً وصعوبة بحسب المؤشرات العلمية. إن هذه المعطيات تؤدي إلى نتيجة مفادها بأنه قد حصل ارتفاع في نسبة العرب من العائلات الفقيرة في البلاد، حيث كانت النسبة 37,8% في عام 2010 وارتفعت إلى 38,9% في عام 2011، وهذا يشكل ضعفين من نسبة السكان العرب في البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، وبحسب التقرير فإن 50,4% من الأولاد الفقراء في البلاد هم عرب، أي ما يقارب 450,000 ولداً عربياً، وأن 65,8% (أي ثلثي الأولاد العرب هم فقراء) ما يعني أن من بين كل ثلاثة اولاد عرب فقيرَين اثنين. ومن المعطيات الأكثر قساوة وحدّة هو أنه في عام 2011 انضمت 8900 عائلة في البلاد إلى دائرة الفقر من بينها 8300 عائلة عربية، و 600 عائلة يهودية فقط. هذه المعطيات هي ليست نتاج الصدفة، ولكنها نتيجة لسياسة اقتصادية موجهة ومميزة ضد المجتمع العربي، وتقف في صلب هذه السياسة فكرة التراجع عن دولة الرفاه والتي يمثلها رئيس الحكومة الحالي الذي يؤمن ويعمل من أجل دفع سياسات نيؤليبرالية، وتعزيز الخطة والسياسة الحالية للحكومة تجعل الفقراء فقراء أكثر والأغنياء أغنياء أكثر. وبالرغم من وعود الحكومة على التغيير على إثر الاحتجاجات الإجتماعية إلا أنه لم يحصل أي تغيير على أرض الواقع بل ازدادت الأمور سوءاً كما أثبت من خلال تقرير رسمي والارتفاع الملحوظ لأسعار المنتوجات.

أسباب ظاهرة الفقر
بالإضافة إلى أن الفقر هو نتيجة لسياسة موجهة من قبل الحكومة، إلا أن عدم توفر فرص عمل كافية وارتفاع البطالة في المجتمع العربي هي أحد أهم الأسباب لاتساع هذه الظاهرة، كما أن الذين يعملون، كما أشار تقرير مؤسسة التأمين الوطني، يتقاضون دخلاً منخفضاً، أضف إلى ذلك بأن في العائلات العربية يوجد على الغالب معيل واحد نتيجة لعدم توفر أماكن عمل للنساء العربيات أو نويديات للأطفال أو توفر مواصلات عامة. فهنالك حوالي 9000 إمرأة عربية أنهين تعليمهن في الجامعات ودور المعلمين ولم يجدن حتى الآن أماكن عمل ملائمة.

الأسباب التي تؤثر أيضاً على الفقر هي عدم وجود مناطق صناعية وعدم استيعاب الأكاديميين العرب في القطاع العام، وإقصائهم أحياناً من القطاع الخاص نتيجة لعنصرية المشغلين. إن المواقع الجغرافية التي يعيش بها المجتمع العربي في الريف لم تحظَ على استثمارات حكومية أو خاصة، وتردي البنى التحتية تشكل عائقاً أمام التقدم الاقتصادي. كما وأن التبعية للإقتصاد الإسرائيلي، وضرب مصادر الإنتاج العربية، يشكلان عاملاً مهماً في اتساع دائرة الفقر.

أبعاد ظاهرة الفقر
إن الفقر يكرس الشعور بالدونية والتبعية، كما يؤثر على استمرارية تردي التعليم العربي، ويحرم العائلات والأفراد من فرص ملائمة للتطور والتقدم في الحياة، كما أنه يؤدي إلى الحصول على خدمات صحية متردية ويتسبب في ازدياد الأمراض لدى الأطفال وبالتالي يؤدي إلى موتهم وخصوصاً في منطقة النقب. إن الفقر هو الركيزة الأساسية لتفشي الجريمة والانحراف والعنف، هذه الظواهر التي ازدادت واتسعت ووصلت إلى مستويات لم نعهدها من قبل في المجتمع العربي، كما أنه يؤدي إلى هروب الأدمغة العربية والأكاديميين الذي لا يجدون فرص عمل مناسبة. وفي نهاية المطاف فإن الفقر يؤول إلى مستوى حياة منخفض وحالة من اليأس والإحباط.

كيفية الخروج من مأزق الفقر
من أجل الخروج من دائرة الفقر يجب أن يحدث تغيير جوهري في سياسة الحكومة تجاه المجتمع العربي، ووضع خطة استراتيجية ممولة تشمل أهدافاً واضحةً لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة. كما يترتب على الحكومة إقامة مناطق صناعية في البلدات العربية وضم البلدات العربية إلى المناطق الصناعية المناطقية القائمة. وعلى الحكومة تطوير المبادرة والبحث العلمي وتشجيع المبادرة لإقامة مصالح خاصة، والإيفاء بالتزاماتها بإقامة حضانات وتوفير مواصلات عامة من أجل تشجيع النساء العربيات للخروج إلى سوق العمل، وتنفيذ القوانين التي تضمن تمثيلاً مناسباً للمجتمع العربي في القطاع العام، وإشراكه في عملية اتخاذ القرارات وصياغة السياسات. كما يجب على الحكومة منح المشغلين بعض التحفيزات والتسهيلات وإجراء إصلاح فيما يخص التوجيه المهني والتحول لمهن اخرى. أما على المستوى المحلي، فعلى المجتمع العربي إقامة مؤسسات تعالج أزمة وظاهرة الفقر، وان يقيم مؤسسات للتكافل الإجتماعي وإحياء الاقتصاد العربي، ودفع عجلة التطور التقني، فعلى سبيل المثال، الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2006 محمد يونوس، الذي أسس بنك غرامين في بنغلادش قد أحدث ثورة كبيرة في دفع الاقتصاد وتقليل نسبة الفقر وهذا البنك هو مبادرة مجتمعية، من الممكن أن تكون هذه التجربة نموذجاً يُحتذى به ويمكن استنساخها وملاءمتها لواقعنا المحلي. ومن المتوقع أن تكون السنوات المقبلة على مستوى السياسات الحكومية أسوأ مما هو عليه الآن، فإن الحكومة القادمة أياً كانت وبأي حال من الأحوال، مجبرة على تقليص مبلغ 15 مليارد شيكل خلال 45 يوماً من يوم تشكلها، وذلك نتيجة لتداعيات العدوان على غزة ونتائجه الإقتصادية، مما سيحتم عليها تقليص ميزانيات الرفاه الاجتماعي، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم الوضع أكثر فأكثر، وبالتالي ارتفاع الأسعار وازدياد نسبة الفقر.

ومن المفارقات التاريخية أن إسرائيل، والتي تتبوأ المكان قبل الأخير بين دول الـ OECD (قبل المكسيك)، قد نجحت هذا الأسبوع في تمرير قرار في الأمم المتحدة لتشجيع النمو الاقتصادي والمبادرات الاقتصادية ومحاربة الفقر في دول العالم الثالث، فقد كان حرياً بها العمل على محاربة الفقر المستشري داخل البلاد عوضاً عن الترويج لحلول وهمية وواهية تجاه دول العالم الثالث.

إن الفقر كما يقول أمارتيا صن الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 1998 هو "حرمان من القدرات الأساسية"، ولذلك علينا جميعاً إجراء معالجة شاملة للموضوع من كل جوانبة، ولا تكفي معالجة جانب واحد ويجب اتخاذ خطوات للمدى القصير والبعيد من أجل ضمان الحقوق الأساسية وبالأساس الحق في الحياة والعيش بكرامة.

التعليقات