19/12/2012 - 14:22

معجمُ التّجمّع.. أهمُّ إنجازاته / علي نصوح مواسي

من أهم مواد هذا المعجم الاصطلاحية والمفاهيمية يمكننا أن نذكر "دولة كلّ مواطنيها"، "المواطنة الكاملة"، "السكان الأصليون"، "المجتمع المدني"، "الهوية القومية"، "الحسّ الجمعي"، "الأبرتهايد"، "المقاطعة"، "التواصل مع المحيط العربي"، "حق الشعوب في المقاومة"، "تحصين المرأة"، "رفض يهودية الدولة"، "الاستقلال الثّقافي"، أو "الحكم الذاتي الثقافي"، "الجامعة العربية"، "التصورات المستقبلية"، "انتخاب لجنة المتابعة انتخابًا مباشرًا"، أو "لجنة منتخبة لا لجنة منتخبين".

معجمُ التّجمّع.. أهمُّ إنجازاته / علي نصوح مواسي

من أهمّ ما أنجزه التجمع الوطني الديمقراطي على الساحة السياسية في الداخل الفلسطيني، أنه فرض معجمًا سياسيًّا مستقى من منظومة فكرية غنية وعميقة؛ معجمٌ أثر في الواقع المعاش إلى حدٍّ كبير إذا أيدنا الادعاء القائل إن "الخطاب يؤثر في الواقع ويساهم في تغييره"، وإن "المعلومة / الرسالة التي تصل إلى المتلقي بشكل تراكمي ومطرد تؤدي إلى تشكيل الوعي وفق شكل المعلومة ومضمونها."

وعندما أقول "معجم التجمع"، فإنني لا أقصد الجسم السياسي المحسوس فقط، إنما التيار القومي التقدمي المدني الحديث، بفكره وطروحاته وأدبياته، والذي يعتبر التجمع واحدًا من أهم تجلياته التنظيمية على الأرض، فلسطينيًّا وعربيًّا.

من أهم مواد هذا المعجم الاصطلاحية والمفاهيمية يمكننا أن نذكر "دولة كلّ مواطنيها"، "المواطنة الكاملة"، "السكان الأصليون"، "المجتمع المدني"، "الهوية القومية"، "الحسّ الجمعي"، "الأبرتهايد"، "الغُبن التّاريخيّ"، "التّسوية التاريخيّة"، "التواصل مع المحيط العربي"، "حق الشعوب في المقاومة"، "تحصين المرأة"، "رفض يهودية الدولة"، "الاستقلال الثّقافي"، أو "الحكم الذاتي الثقافي"، "الجامعة العربية"، "الاعتزاز بالحضارة العربية الإسلامية"، "لغة الضّاد"، "النّكبة أكبر عملية سطو مسلح في التاريخ"، "التصورات المستقبلية"، "انتخاب لجنة المتابعة انتخابًا مباشرًا"، أو "لجنة منتخبة لا لجنة منتخبين"، وآخرها "المقاطعة" التي كان التجمع الحزب الوحيد في الداخل الفلسطيني الذي طالب المجتمع الدولي، علنًا، بفرضها على إسرائيل؛ وهي جميعًا مواد فرضها طرح التجمع بقوة في فضاء اللغة السياسية الفلسطينية.

واضحٌ أن التجمّع لم يخترع تلك الاصطلاحات أو المقولات من العدم، وهو لا يدّعي ذلك طبعًا،  لأن المعرفة الإنسانية تراكمية وتناصية أصلًا، ولكنه دون أدنى شكٍّ ساهم بابتكار بعضها مما هو مرتبط مباشرةً بخصوصية ظروف فلسطينيي الداخل، كما أن ما لم يبتكره واستعاره من تجارب تاريخية لشعوب أخرى استُعْمِرَتْ، أو نظريات لمفكرين من مختلف الشعوب، قام بتطويره، وإغنائه، وبث معانٍ جديدة فيه، فمنح فرادةً وخصوصيّةً لما ابتكره وما استعاره من طروحات واصطلاحات، بأن أدخلها بذكاء إلى السياق الواقعي الذي يعيشه فلسطينيو الداخل، ووظفها فيه، ألا وهو سياق النظام الإسرائيلي الصهيوني المفروض عليهم.

وكان تميزه أيضًا بأن ربط وجمع بين هذه الاصطلاحات / الأفكار بخيطٍ واصلٍ شفاف، فأنتج نسيجًا لم يظلّ حبيس المستوى النّظري، إنما تُرجِمَ مشروعًا فاعلًا على الأرض، له مؤسسات وأذرع وحضور قوي.

هذا المعجم الجامع لكل هذه الاصطلاحات معًا، وفي الآن ذاته، لم يكن موجودًا في اللغة السياسية الفلسطينية قبل التجمع، وخاصّةً في الدّاخل، وإن وُجِد، فقد كان نثارًا وجهودًا فرديّةً مشتّتة، لا مشروعًا سياسيًّا متكامل الأركانِ أو نظامًا جامعًا على المستويين النظري والتطبيقي، وليس بالكثافة والتركيز نفسيهما.

وهنا لا بدّ من التّأكيد على أن فحص أي خطاب، يستلزم أيضًا فحصه كمّيًّا، أي فحص درجة تركيز كلّ مركب من مركباته، وفعل هذا من فاحص الخطاب يساعدُ على الميز بين الخطابات السياسية الموجودة على الساحة، خاصّةً أنّ بعضها غدا يتحدّث اليوم بلغة التجمع ومصطلحاته التي فرضها، دون أن يردها إلى مصدرها الأصل، مما قد يربك النّاس غير المنغمسين في متابعة الشأن السياسي والطروحات الحزبية بشكلٍ دائمٍ ومتّصل؛ ورغم ذلك فإن الفرق يظل واضحًا جليًّا في درجة التركيز وفي كم استخدام وتوظيف مواد هذا المعجم، وفي مدى موافقة السّلوك السّياسي الواقعيّ للمنطلقات الفكريّة النّظريّة والمقولات السّياسيّة، فالمنتج المقلّد، مهما برع في التّقليد، يكونُ صفاءُ بضاعته وتركيزُها أقلّ بكثيرٍ مما هو الحال لدى المنتج الأصل، كما لا يكون المقلّدُ حريصًا كالمنتج الأصل على تحويل المقولة إلى عملٍ ملموس على الأرض، يحارب من أجل ذلك.

هو معجمٌ رفع سقفًا عاليًا، ورسم مسالك وخطوطًا حمراء للعمل السياسي في الداخل الفلسطيني، صار من الصعب تجاوزها، أو القبول بما هو أقل منها نحو نيل الحقوق المدنية والقومية كاملةً دون تمييع أو نقصان.

 

* كاتب من الداخل الفلسطيني.
https://www.facebook.com/alimawasse?fref=ts

التعليقات