29/12/2012 - 17:21

ولّى زمن الإملاءات/ عوض عبد الفتاح

أصعب الأسئلة التي تصارعنا حولها، كانت تلك المتعلقة بآليات العمل السياسي، وتحديدًا الدخول إلى الكنيست الذي حرّمته الحركة الوطنية أو الشريحة الجذرية فيها،وقد تصدت لذلك بالممارسة والتنظير. كانت المقاطعة آنذاك تعزيزًا للهوية الوطنية ورفضًا للأسرلة والتشوه في ظل غياب قوةٍ وطنيةٍ وازنةٍتحمل راية الهوية الوطنية.

ولّى زمن الإملاءات/ عوض عبد الفتاح

في أوائل التسعينيات، تنادينا نحن، مجموعة من نشطاء الحركة الوطنية، لنتداول في سؤالٍ مفاده: كيف نتمكن من مواصلة حمل الهم الوطني؟ حيث كان من العسير في تلك المرحلة اعتماد الأدوات والأفكار القديمة التي أدت دورها في مرحلة سابقة، وكانت تنهار أمام أعيننا مهددةً بتبدد الآمال العريضة التي كانت تحملها لنا ولشعبنا.

كان الفكر السياسي لدى مجموعةٍ واسعةٍ من مثقفي الحركة الوطنية قد بلغ مستوىً متقدمًامن النضج، وما كان ينقصنا هو إطارٌ تنظيميٌّ جديدٌ يحمل هذا الفكر إلى  الميدان، وإلى أبناء شعبنا الذين أخذتهم اتفاقية أوسلو على حين غرة.

كانت المرحلة قاسية، وظهر وكأن اتفاق أوسلو قد أسدل الستار على قضية العرب الأولى، قضية فلسطين، وأوصد الباب أمام الفلسطينيين في إسرائيل.. في وجه طموحاتهم الوطنية وآمالهم، وتركهم فريسة النظام الإسرائيلي العنصري. كما بدا هذا الاتفاق المذل وكأنه كرّس الفصل وسدّ الأفق أمام حلٍّ ديمقراطيٍّ شاملٍ وعادل.

أصعب الأسئلة التي تصارعنا حولها، كانت تلك المتعلقة بآليات العمل السياسي، وتحديدًا الدخول إلى الكنيست الذي حرّمته الحركة الوطنية أو الشريحة الجذرية فيها،وقد تصدت لذلك بالممارسة والتنظير. كانت المقاطعة آنذاك تعزيزًا للهوية الوطنية ورفضًا للأسرلة والتشوه في ظل غياب قوةٍ وطنيةٍ وازنةٍتحمل راية الهوية الوطنية.

بتأنٍ وصبر، وانفتاح على بعضنا البعض، ونقاش طويل تخلله صراع نفسي،نجحنا في تجاوز هذه المسألة، وذلك عبر التوصل إلى صيغةٍ خلاّقةٍ تحفظ الانتماء الوطني والقومي وتحمل بعداً ديمقراطياً متطوراً وحديثاً.

عُدِّلَ الموقف من الكنيست بعد نقاشٍ عسيرٍ ومؤلم. وفي سبيل تسهيل انتقالنا إلى هذه المرحلة، اتفقنا ألا يترشح أعضاء الحركة التي انتميت لها سابقاً أنا وثلّة كبيرة من الرفاق.وربما لم يكن ممكناً انضمام الغالبية الساحقة، وأنا منهم، لو أن هذه المعادلة لم تقبل. كان العبور الصعب ممكناً فقط لأننا أردنا إنقاذ الأجيال الجديدة، أبنائنا وبناتنا، وتمكينهم من عبور تلك المرحلة بسلام.

وأنا إذ أستذكر هذا الكلام وأقوله، فلتذكير المؤسسة الإسرائيلية به، وهي التي تعتقد أنها بقبول العرب الدخول للكنيست تصنع معروفاً لنا. نحن قبلنا ذلك كإحدى آليات التأثير في مجتمعنا الفلسطيني، ووسائل الوصول إلى المجتمع الإسرائيلي المشحون بالعنصرية والكراهية.

لقد تمكن عزمي بشارة، قائد الحزب السابق، وعبر الرؤية الجديدة التي وضعناها، من تحويل الكنيست إلى ساحة مواجهة سياسية وأيديولوجية، وقد ساهم في فتح عيون المجتمع الإسرائيلي على حقائق ومعطيات لا تزال تُشكل تحديًّا حقيقيًّا له، والأهم أنه ساهم في تعميق التواصل مع هموم المواطنين العرب، وعزز الرابط القومي بين أقلية فلسطينية تتعرض منذ النكبة لمخطط تمزيق وهدم.

لم تتحمّل القبيلة العبرية عزمي بشارة... لم يتحملوا برنامج الحزب، برنامج دولة المواطنين ودولة العدل والمساواة، ففبركوا له ملفاً أمنياً لعجزهم عن مواجهة رؤية إنسانية حديثة. ولكن على الأرض، وبفضل سواعد أبطال الحركة الوطنية ومساندة شعبنا، نمت حركةٌ وطنيةٌ واتسعت وانتشرت في عموم الوطن، حركة حديثة برؤية وازنة تحمل من القوة الأخلاقية ما يُمَكِّنُها من تحدّي الفكرة الصهيونية التي تقوم على الاقتلاع والإقصاء، وجد فيها عشرات آلاف الشباب عريناً يمدهم بالقوة والمناعة، ويفتح الباب واسعاً أمام انطلاقهم نحو فجر جديد.

نحن قدّمنا رؤية إنسانية، ورؤية لنظام ديمقراطي حديث، وهم يقابلوننا بتعزيز نظامهم العنصري والإقصائي، ويرتكبون باسم الدفاع عن الديمقراطية الجرائم التي لو توفَّرَ الحد الأدنى من العدالة، لكان مرتكبوها وراء القبضان منذ زمن طويل.

إن الحملة المتواصلة ضد حنين زعبي، منذ اعتلائها أسطول الحرية مع المئات من أحرار العالم، هي حربٌ على وجود الحركة الوطنية، وحربٌ على الوجود العربي برمته في هذه البلاد.

حنين زعبي هي ابنة وفية لهذا الحزب، ولهذا الشعب المناضل. لقد اختارها الحزب وهي التي ترعرعت في كنفه، وذوتت مفاهيمه وحملت كبرياءه، لتكون ممثلةً له في كل مقامٍ ومحفل، ولتكون أيضًا على متن الأسطول لكسر الحصار عن أبناء شعبنا في غزة. وبالتالي فإنه لا يمكن لنا أن نفهم الإقدام والإصرار على شطب ترشحها، إلا جزءًا من مخططٍأو محاولةٍ بائسة لتحجيم الحزب، بل هو خطوة تهدف إلى محاصرة الحركة الوطنية، وكبح الروح الوطنية المتصاعدة والآخذة بالاتساع لدى أبناء شعبنا.إنها محاولةٌ عقيمةٌ لقمع صوتٍ هادرٍ يتردد صداه في كل زاوية من زوايا الوطن، وفي محافل دولية واسعة.

لقد فات زمن إلغاء الحركات الوطنية، وفات زمن فرض الإملاءات واختيار من يمثلنا في المنابر المختلفة. لسنا في زمن الخمسينيات والستينيات. إذا أرادوا جعل حياتنا أكثر صعوبة، فإننا سنجعل أيضاً حياتهم أكثر صعوبة.

سنمضي في كفاحنا خارج برلمانهم. وليتحملوا هم أيضاً تبعات ذلك.إن شرعية نضالنا ليست مستمدة من برلمانهم العنصري، بل من تاريخ شعب جبار ومن تجربة كفاحية لن تتوقف إلا بعد إسقاط نظام الأبرتهايد وإعلاء راية الحرية.

التعليقات