06/02/2013 - 10:54

العدوان على سوريا بين الاستباقي والاحترازي../ علي جرادات

في فجر الأربعاء 30 من كانون ثاني الماضي تجرأ قادة إسرائيل، (مرة أخرى)، على انتهاك سيادة الدولة العربية السورية، حيث نجحت طائراتهم في اختراق نظام الرادار والدفاع الجوي السوري، ونفذت، (دون إعلان رسمي)، عدواناً جديداً، استهدف، (وفقاً لبيان قيادة الجيش السوري)، منشأة بحث علمي لتطوير القدرات العسكرية في بلدة جمرايا الواقعة على بعد كيلومترات قليلة من دمشق، و/أو قافلة تقل أسلحة متطورة كانت في طريقها إلى المقاومة اللبنانية، (وفقاً للدعاية الإسرائيلية وتلميحاتها، والتصريحات الإستخباراتية الغربية والأمريكية)، ما يثير سؤال: أين هي الحقيقة؟

العدوان على سوريا بين الاستباقي والاحترازي../ علي جرادات

في فجر الأربعاء 30 من كانون ثاني الماضي تجرأ قادة إسرائيل، (مرة أخرى)، على انتهاك سيادة الدولة العربية السورية، حيث نجحت طائراتهم في اختراق نظام الرادار والدفاع الجوي السوري، ونفذت، (دون إعلان رسمي)، عدواناً جديداً، استهدف، (وفقاً لبيان قيادة الجيش السوري)، منشأة بحث علمي لتطوير القدرات العسكرية في بلدة جمرايا الواقعة على بعد كيلومترات قليلة من دمشق، و/أو قافلة تقل أسلحة متطورة كانت في طريقها إلى المقاومة اللبنانية، (وفقاً للدعاية الإسرائيلية وتلميحاتها، والتصريحات الإستخباراتية الغربية والأمريكية)، ما يثير سؤال: أين هي الحقيقة؟

   يبدو لي أنه على غرار تدمير المفاعل النووي العراقي في العام 1981، ومستودع تصنيع الأسلحة في السودان في العام 2012، واغتيال العلماء، والتخريب الإلكتروني السري لبعض المنشآت النووية في إيران، والعدوان على منشأة دير الزور النووية السورية في العام 2007، واغتيال المسؤول عنها، اللواء محمد سليمان، فإن العدوان الإسرائيلي الجديد على منشأة جمرايا، ليس ضربة استباقية تستهدف إحباط خطر داهم، أي نقل أسلحة متطورة للمقاومة اللبنانية، كما يدعي قادة إسرائيل وراعيهم الأمريكي ويصدَّق "بالعو طعم" دعايتهم، بوعي أو بجهالة، بل هي ضربة احترازية تستهدف منع سوريا الدولة، بمعزل عن طبيعة نظامها ومآل الصراع الدائر فيها وعليها، من تطوير أسلحة نوعية، تقليدية أو غير تقليدية، من شأنها الإخلال بتفوق إسرائيل الإستراتيجي الشامل على ما عداها من دول المنطقة وقواها، إذ ثمة فرق، (يُنسى أحياناً)، بين الضربات العسكرية الاستباقية التي تندرج في إطار تحقيق أهداف سياسية تكتيكية، وبين الضربات العسكرية الاحترازية التي تندرج في إطار تحقيق أهداف سياسية إستراتيجية.

   عليه، فإنه، وإن كان ليس في عداد اكتشاف البارود القول بأن سجل إسرائيل العدوانية التوسعية زاخر، بهذا وذاك من الاعتداءات، فإن دعايتها القائمة على الخلط المتعمد بينهما ما زالت قادرة على التضليل الهادف إلى وضعِ حروبها في إطار دفاعي، أي كأنها ليست إفرازاً طبيعياً، ونتيجة حتمية، لنظامها السياسي الصهيوني العدواني التوسعي، الرافض للتسويات السياسية، والهادف إلى استمرار السيطرة على المنطقة العربية وغلافها الإقليمي، والتفوق على دولها، والتحكم بمصير شعوبها، من موقع الشريك الحارس لنهب ثرواتها على يد راعيها، وحليفها الإستراتيجي الغربي الثابت بقيادة الولايات المتحدة.  
                    
   إزاء هذا العدوان الإسرائيلي الجديد على سوريا الدولة، اكتفى النظام السوري، (كالعادة)، بإعلان احتفاظه بحق الرد "في الزمان المناسب"، وصمتت، (كاتجاه عام)، أطراف النظام الرسمي العربي كافة، ومنها نظام مصر، (مفتاح الأمة ومعيار عافيتها)، المرفوع إلى السلطة على أكتاف ثورة 25 يناير، واكتفت ببيان إدانة هزيل، (كالعادة أيضاً)، أصدرته جامعة الدول العربية. والأنكى، فإنه، وعوض التركيز على البحث في الأسباب، والدوافع، والدلالات السياسية بعيدة المدى لهذا العدوان، انجر كثير من الساسة والمحللين العرب، إلى البحث في التوقيت، الذي لا يعدو كونه قراءة صحافية تلوك، بتكرار ممجوج، ممل، وغير منطقي، البحث في توقيت إقدام قادة إسرائيل على ارتكاب عدوانهم الجديد، رغم أنه مماثل، وغير منفصل، في هدفه السياسي، عما سبقه من اعتداءات، وما أكثرها، لا ضد سوريا، فحسب، بل، وضد أكثر من دولة عربية وإقليمية، أيضاً؛ إنه البحث المساوي، (برأيي)، للبحث في لماذا، (الآن)، تلسع العقرب التي، بطبعها، لا تكف عن اللسع،  حيثما، وكلما، توافرت لها الفرصة؟! أما لماذا؟

   بمعزل عن توقيت ضرب منشأة جمرايا، المتمثل (بلا شك)، في الصراع الجهنمي الدائر في سوريا وعليها، وعن ذريعته، أي إدعاء تحريك أسلحة متطورة أو غير تقليدية، فإن الهدف السياسي لهذا العدوان يبقى هو ذاته: منْع سوريا الدولة، وأية دولة عربية أخرى، بمعزل عن طبيعة نظامها، من شراء، أو تطوير، أسلحة نوعية، تقليدية أو غير تقليدية، من شأنها المس بقدرة إسرائيل على الردع الإستراتيجي الشامل، ما اقتضى، بالضرورة، توجيه الضربة الاحترازية الأخيرة ضد "منشأة جمرايا". أما لماذا تتجرأ إسرائيل على القيام بمثل هذه الاعتداءات، بينما ما زال شبح هزيمتها في لبنان عام 2007 يلاحقها كظلها حتى اليوم؟! ببساطة، لأنه لم يجرِ الرد على اعتداءاتها السابقة المماثلة، ولأنه من المنطقي أن تقود عقود من سيطرة نظام رسمي عربي منقسم، عاجز، تابع، خاضع، مستباح خارجياً، ومستبد وفاسد داخلياً، إلى تمادي النظام الإسرائيلي العدواني، التوسعي، بطبعه، إلى درجة لم يعد يأبه معها رد الصاع، ولو، حتى، بأقل منه. ولمَ لا يتمادى قادة إسرائيل هذه، ما دام هوان النظام الرسمي العربي قد بلغ حدَّ عدم تورع بعض أطرافه عن توفير غطاء سياسي ضمني لاعتداءات إسرائيل المتكررة  ضد هذه الدولة العربية أو تلك، ناهيك عن وصفها، سياسياً، بـ"الهجوم"، ليس إلا، إذ ألمْ تكن هذه هي حال موقف، وتوصيف، بعض أطراف النظام الرسمي العربي يوم العدوان على لبنان في العام 2007؟!

   هنا حري الإشارة إلى أنه لئن كانت هذه هي خطيئة تلك الأنظمة الرسمية العربية التي حمَّلت، (ضمناً أحياناً، وصراحة أحياناً)، المقاومة اللبنانية المسؤولية السياسية عن ما وقع عليها، وعلى لبنان الدولة قبلها، من عدوان مبيت، تذرع بعملية خطف جنود إسرائيليين، فإن خطأ النظام السوري الداعم لهذه المقاومة، لم يبادر إلى استغلال فرصته التاريخية، عبر المشاركة المباشرة في تلك الحرب، خاصة بعد أن برهنت مجرياتها منذ الأسبوع الأول، وباعتراف إسرائيلي رسمي، على أن الآلة العسكرية الإسرائيلية قد صارت أمام هزيمة مماثلة لما وقع لها في بداية حرب أكتوبر عام 1973 المجيدة. والأنكى أن ذاك الخطأ غير منفصل عن خطأ سياسي آخر مركَّب من شقين:

* عدم إدراك مركز القرار في النظام السوري، كما يجب على الأقل، بأن قواعد اللعبة الأمريكية الإسرائيلية معه قد تغيرت، بينما كان ذلك جلياً منذ جرى فتح النار عليه عبر اعتبار وجوده العسكري في لبنان احتلالاً، واستخدام التمديد للرئيس اللبناني السابق، إميل لحود، ثم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني المرحوم، رفيق الحريري، ذريعة، ما كان يعني عملياً أن قواعد لعبة العام 1976 قد انتهت، بل، وأن خروج القوات السورية لا يشكل نهاية المطالب الأمريكية الإسرائيلية من النظام، خاصة بعد أن ساهم دعمه للمقاومة اللبنانية في إلحاق هزيمة بآلة الحرب الإسرائيلية عام 2007، وفي إرغامها على الخروج مدحورة من لبنان في العام 2000، فهل كان ثمة منطق في تصور أن إسرائيل ستغفر ذلك؟!
* عدم إدراك مركز قرار النظام السوري أنه بعد كل ما تقدم، بل، وقبله أيضاً، كان ينبغي عليه المسارعة إلى تنفيذ إصلاحات ديمقراطية سياسية واجتماعية واقتصادية داخلية جدية، تطال جوهراً، وأساساً، نظام سلطة الحزب الواحد، ونظام الحكم بالتوريث والتمديد عبر إجراء الاستفتاءات الشكلية.

   بإحجامه عن إجراء الإصلاحات الداخلية المطلوبة، وعن استغلال فرصة المشاركة المباشرة في حرب العام 2007، وقع النظام السوري، ومركز قراره بالذات، ومعه سوريا الدولة، في فخ قاتل كان يمكن تلافيه، أو تقليل مخاطره على الأقل، لو أنه لم يلجأ إلى الحل الأمني في معالجة الحراك الشعبي الذي انطلق سلمياً، وبمطالب إصلاحية، في البداية، لكنه تحول، بسرعة البرق، إلى صراع مسلح على سوريا الدولة، تغذيه، وتموله، وتسلحه، دول عربية وإقليمية ودولية، تقف على رأسها الولايات المتحدة، وكان من الطبيعي حدَّ البداهة أن تدخل إسرائيل على خطه من خلال ضرب مواقع وأهداف ذات طبيعة إستراتيجية، سواء تم ذلك بالوكالة وسراً، من قبيل اغتيال الطيارين السوريين، (مثلاً)، أو بالأصالة وعلناً، من قبيل العدوان الأخير على منشأة جمرايا لتطوير الأسلحة النوعية، ما يفرض على النظام السوري، ومثله على جماعة "الإخوان المسلمين" وأخواتها التي دعت، منذ البداية، إلى عسكرة انتفاضة الشعب السلمية، وإلى التدخل الأمريكي وملحقاته الإقليمية والدولية، في شؤونها، الإنصات إلى صوت المعارضة الوطنية الديمقراطية التي يسجل لها حرصها على عدم الفصل بين الديمقراطي والاجتماعي والوطني من المهام التي لن يقود الربط بينها، قولاً، والفصل بينها، ممارسة، إلا إلى تسهيل الطريق أمام كل الراغبين في تدمير سوريا الدولة، وإسرائيل، بدعم أمريكي، أول هؤلاء، بلا شك أو ريب.                                                          

التعليقات