05/03/2013 - 16:08

ملاحظات على المشروعات والحلول المطروحة للملف السوري../ د.مخلص الصيادي

الآن تظهر أكثر حالة الاستعصاء التي تلف الوضع السوري كله، ورغم أن قوى المعارضة والثورة تحقق انتصارات مهمة على الأرض، سواء بالسيطرة على مدن أو على أجزاء من مدن، أو على مواقع عسكرية مهمة ومؤثرة، فإن ذلك لا يحدث تغييرا نوعيا في الوضع الميداني

ملاحظات على المشروعات والحلول المطروحة للملف السوري../ د.مخلص الصيادي

الآن تظهر أكثر حالة الاستعصاء التي تلف الوضع السوري كله، ورغم أن قوى المعارضة والثورة تحقق انتصارات مهمة على الأرض، سواء بالسيطرة على مدن أو على أجزاء من مدن، أو على مواقع عسكرية مهمة ومؤثرة، فإن ذلك لا يحدث تغييرا نوعيا في الوضع الميداني.

وعدم حدوث تغيير نوعي على أرض الميدان لا يعني عدم أهمية هذه الانتصارات، وإنما يعني بدقة أنها لا توفر دليلا ولو أوليا على أنها بداية لاكتساح النظام عسكريا، لكن أهميتها أنها ترسخ الاعتقاد عند الجميع لعجز النظام عن تحقيق أي غرض يستهدفه من اعتماده الحل الأمني، وأن في هذا الحل دمارا له نفسه.

صحيح أن الناس عموما بدأوا يضجون من ثقل فاتورة الصراع البشرية والحياتية، لكن الدلائل في الميدان تؤكد أن الأثر السلبي للموقف الشعبي يفعل فعله في جانب مؤيدي النظام باكثر بكثير مما يفعله في جانب مؤيدي الثورة.

إن جمهور الثورة والمتطلعين إليها يرون حجم الدمار ويرون نهر الدم، لكنهم يحملون هذا بشكل رئيسي للمنهج الإجرامي الدموي للنظام، وقناعتهم قاطعة بأن أي بقاء للنظام يعني مرحلة لا تستطيع سوريا أن تتحملها، من هنا فإن أمام هذا الجمهور أن يتحمل كل تبعات الثورة، أو أن يرقب الجحيم، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لمؤيدي النظام، فموقف هؤلاء لا يستند إلى أساس واحد، وهم يزدادون قناعة بأن فرص بقاء النظام تتضاءل، بل من رضي بالنظام  تمسكا بوهم الأمن والاستقرار الذي يوفره بات على قناعة تامة بأن مثل هذا النظام لم يعد قادرا على تحقيق ذلك.

لذلك فإن كل يوم من القتال والمعارك إذا كان بفعل الدمار والقتل يؤثر على شعبية الثورة بجزء ما فإنه يعمل على تفتيت جمهور النظام بتكويناته المختلفة الشعبية والمصلحية والطائفية.

ولأننا نتحدث عن سوريا ذات الجغرافيا السياسية والتكوين الاجتماعي المتميز فإن حالة الاستعصاء تعني امتداد الصراع إلى مدى لا يمكن ضبطه، وبالتالي فإن آثاره على دول الجوار: أمنها وتماسكها الإجتماعي، واستقرارها السياسي، لا يمكن  التعايش معه، إن صراعا طائفيا عرقيا مذهبيا تفتيتياً هو أول ما يمكن أن يخلفه استمرار الصراع في سوريا على دول المنطقة كلها.

وأظن أنه بسبب حالة الاستعصاء هذه، وبسبب الطبيعة الجيوسياسية والسكانية لسوريا والتي تدركها القوى الدولية أكثر، نشطت المبادرات للبحث عن مخرج سياسي تفاوضي، يمكن سوريا من الانتقال إلى نظام ديموقراطي وطني يحفظ وحدة الأرض السورية ووحدة مكوناتها، ووحدة الدولة السورية.

ويجب أن نعترف هنا أن فشل الحل الأمني في تحقيق شيء إيجابي للنظام، لم يرافقه فشل مماثل في المعركة السياسية التي أدارها على المستوى الدولي والإقليمي:

** يجب أن نعترف أنه استطاع أن يقنع كلا من روسيا وإيران والصين ودول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية أنه يخوض معركة إذا خسرها فستكون سوريا في حضن أمريكا وخالصة لها، وقد صدقت هذه الدول كل لأسبابه هذا الزعم، ويجب أن نعترف هنا أن مواقف لأطراف من المعارضة، وشعارات رفعت خلال الحراك الثوري، وأوهاما سوقت في صفوف الثورة ساعدت النظام على تحقيق هذا الإنجاز.

** ويجب أن نعترف ثانية أنه حقق نجاحا على مستوى الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة بتسويقه فكرة أن معركته التي يخوضها هي معركة ضد الإرهاب وضد القاعدة، صحيح أن هذه الدول لم تذهب في هذا الاعتقاد إلى المدى الذي أراده النظام، لكن هذا الاعتقاد أصبح يضغط عليها بقوة، ويتحكم في جزء مهم من تصرفاتها وقراراتها، وامتد هذا الأمر إلى المنظمات الدولية التي صارت تتحدث بوضوح عن تنظيم القاعدة والإرهاب إلى درجة أنها صنفت جبهة النصرة في هذا الجانب، ولعل هذا الذي حققه النظام سياسيا على الجانب الدولي عزز من الجهود الدولية لبحث عن حل تفاوضي في سوريا.

** وأضيف هنا أن النظام ما زال يسوق فكرة أن ما يحدث في سوريا إن هو إلا فعل قادم من الخارج، وإن ما يقوم به النظام هو مجرد رد فعل، وهو يحاول أن يسوق ذلك في إطار ما يسميه مبادراته للحوار وحل الأزمة، ويرى أطراف النظام والمنتفعين فيه أن النجاح في تسويق هذه الفكرة يمكن أن يمثل الضربة القاضية لفكرة الثورة الشعبية، ليتحول الأمر بعد ذلك الى مجرد إصلاحات يحققها النظام بأجهزته الراهنة.

ومن قبيل التحليل السياسي أستطيع القول إن مساعدة أطراف اقليمية ودولية على تشكيل ائتلاف قوى الثورة والمعارضة  جاء في إطار تهيئة الأجواء لمثل هذا الحل. وكذلك اختيار الشيخ أحمد معاذ الخطيب ليكون رئيسا لهذا الائتلاف، وما صدر عن الشيخ الخطيب من مبادرة في هذا الشأن، ويعزز هذا التحليل التقارب الروسي الأمريكي في البحث عن هذا الحل.

وأستطيع أن اقول إن ما قدمه الخطيب في مبادرته، كان استنساخا لما درجت على طرحه هيئة التنسيق الوطنية المعارضة، وهو في مجمله لا يختلف اختلافا ذا قيمة مع ما سبق أن طرحه الأخضر الإبراهيمي، أو كوفي عنان.

ولا شك أن التوصل إلى حل سياسي للوضع في سوريا سيمثل انتصارا لسوريا ولشعبها، وإنقاذا للإقليم من مغبة الدخول في صراع طائفي عرقي تفتيتي مدمر. لكن ما يجب التنبه إليه هنا أن أي حل يمكن أن يقترح، وأي تصور يمكن أن يبنى، يجب أن تتوفر فيه أو تتوفر له شروط النجاح.

ومن أول شروط النجاح الاستجابة للمطلب الرئيسي للشعب السوري، ودون توفر هذا الشرط فلا تسوية ولا حل ولا إمكانية لنجاح أي مبادرة:

** الشعب السوري انطلق في ثورته يريد تغيير النظام القائم تغييرا شاملا، وإسقاط النظام القائم المستبد والفاسد والطائفي، بكل أركانه ورموزه، وأن يكون البديل نظاما مبنيا على فكرة العدل تجاه الثروة والدولة، والمواطنة، وتداول السلطة، والحرية السياسية..الخ

** وقد مضىت على ثورته سنتان قتل فيها أكثر من سبعين ألف مواطن ثلثيهم على الأقل من المدنيين، وانتهكت أعراض، وشرد وهجر الملايين، ودمرت أحياء وبلدات وبنى تحتية لا يمكن حصرها، لذلك فإن هذا الشعب يريد إضافة إلى الهدف الأول الذي كان مرفوعا لحظة انطلاق الثورة، يريد محاسبة القتلة والمجرمين والذين استباحوا دم المواطن، بشكل غير مسبوق، لايستثنى من ذلك أحد بدءا من رأس السلطة، إلى أصغر فرد في السلطة أو في المعارضة، الجميع دون استثناء، كل حسبما ارتكب من جرائم، أمر بها أو مارسها.

** كذلك يريد هذا الشعب محاسبة المسؤولين عن زج الجيش السوري في هذه المعركة ليكون أداة قتل بيد النظام، فيخرج بذلك عن مهمته الوطنية الوحيدة، ويتم تدمير عقيدته الأصيلة، ووكذلك المسؤولين عن توليد عصابات من القتلة تحت اسم الشبيحة، أو اسم آخر، وتوجيه أجهزة الأمن إلى غير السبيل الذي انشئت من أجله.

إن الحل الذي يمكن أن يرى النور يجب أن يتضمن تحقيق هذه الأهداف، إن الشعب السوري قد يختلف ويجادل في تفاصيل الوصول إلى هذه الأهداف، طبيعة المرحلة الانتقالية، والآلية الممكن اعتمادها، في طريقة تثبيت وقف العنف والدم، وفي طبيعة القوى الإقليمية والدولية التي ستساعد على تحقيق ذلك، لكن لايمكن مناقشة تنازله عن هذه الأهداف.

الشعب السوري ثار ضد هذا النظام، ولا تملك أي مبادرة لحل سياسي ضمان بقاء هذا النظام أو رجالاته أو رموزه، هذا أمر غير قابل للنقاش أو التحقيق، وكل القوى التي تسعى لمبادرة من هذا النوع لن تستطيع أن تحقق شيئا لأن القرار وقدرة الفعل ميدانيا ليست بيدها، وقدرة التاثير شعبيا لا يمكن أن تتوفر لها إن لم يتم تأمين مطالب الشعب الرئيسية التي دفعته إلى هذه الثورة، وإلى تحمل الأثمان الباهظة لها، وتؤكد مسارات الوضع الميداني أن كسر إرادة هذا الشعب  وإجباره على قبول ما لا يمكن قبوله أمر لم يعد في مقدور أحد أن يحققه.
 

التعليقات