13/03/2013 - 10:19

بير زيت ومواقف بريطانيا../ د. فايز رشيد

قام عشرات الطلاب الفلسطينيين في جامعة بير زيت الأسبوع الماضي بإجبار القنصل البريطاني العام على الخروج بسرعة من الجامعة. وكان القنصل العام السير فينيسيت فين قد توجه إليها لإلقاء محاضرة حول "السياسة البريطانية في المنطقة وآفاق السلام". الطلاب قاموا بتظاهرة هتفوا فيها ضد السياسة البريطانية والقنصل البريطاني وطالبوه بالخروج الفوري. طلاب هذه الجامعة في عام 2000 قاموا برشق رئيس الوزراء الفرنسي الزائر آنذاك ليونيل جوسبان بالحجارة بعد تصريحاته التي أساء فيها للمقاومة الوطنية اللبنانية

بير زيت ومواقف بريطانيا../ د. فايز رشيد

قام عشرات الطلاب الفلسطينيين في جامعة بير زيت الأسبوع الماضي بإجبار القنصل البريطاني العام على الخروج بسرعة من الجامعة. وكان القنصل العام السير فينيسيت فين قد توجه إليها لإلقاء محاضرة حول "السياسة البريطانية في المنطقة وآفاق السلام". الطلاب قاموا بتظاهرة هتفوا فيها ضد السياسة البريطانية والقنصل البريطاني وطالبوه بالخروج الفوري. طلاب هذه الجامعة في عام 2000 قاموا برشق رئيس الوزراء الفرنسي الزائر آنذاك ليونيل جوسبان بالحجارة بعد تصريحاته التي أساء فيها للمقاومة الوطنية اللبنانية.

الحادثة تعيد إلى الأذهان السياسات البريطانية تجاه الفلسطينيين ووطنهم منذ بدايات القرن الماضي وحتى هذه اللحظة. بريطانيا تآمرت على فلسطين في عام 1907 عندما شاركت مع دول أوروبية استعمارية أخرى في مؤتمر كامبل بنرمان، واتفقت فيه تلك الدول على: فصل الجزء الأفريقي من الوطن العربي عن جزئه الآخر الآسيوي بزرع جسم غريب في فلسطين لإتمام عملية الفصل، شريطة أن يكون هذا الجسم صديقاً للغرب وعدواً لسكان المنطقة. وجدت الدول الاستعمارية هدفها وتلاقت مع الحلم الصهيوني الذي خرج به المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في بازل في عام 1897، وهو: إنشاء الوطن اليهودي على الأرض الفلسطينية. عززت بريطانيا ذلك الهدف في اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916 التي جرى فيها اقتسام الوطن العربي بين الدول الأوروبية الاستعمارية آنذاك. لم تكتف الإمبراطورية التي لم تكن الشمس تغيب عن ممتلكاتها بكل تلك المخططات والاتفاقيات وأصدرت"وعد بلفور"في عام 1917، الذي تتعهد فيه للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وكأن أرض هذا البلد مطوّبة باسم بريطانيا.

في عام 1922 وبعد قرار عصبة الأمم في نفس العام القاضي بذلك، قامت بريطانيا باحتلال الأرض الفلسطينية تحت الاسم الحركي (الإنتداب)، وبدأت في مساعدة اليهود على الهجرة إلى فلسطين. كان أول مندوب سام عينته بريطانيا صهيونياً هو هربرت صموئيل. بريطانيا ساعدت الحركة الصهيونية في التسليح، وكانت تغض الطرف عن الجرائم الصهونية ضد الفلسطينيين. لم يقتصر الأمر فقط على مساعدة الحركة الصهيونية في تحقيق هدفها، وإنما شاركت بريطانيا فعلياً في قمع الحركة الوطنية الفلسطينية والثورات في أعوام 1939، 1936، 1929، وقامت بإعدام ثلاثة من الثوار الفلسطينيين هم: محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير بتهمة اقتناء السلاح، وسجنت الآلاف من المناضلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال وسنّت القانون الإداري الظالم (وبموجبه يتم سجن المعتقل لفترة غير محدودة فقط لمجرد الاشتباه به والشك في نواياه من خلال التمديد المتواصل الى أعوام طويلة بعد انتهاء فترة كل توقيف). هذا القانون ورثته اسرائيل وما زالت تعاقب فيه كثيرين من الأسرى الفلسطينيين!

بريطانيا وعند اشتداد المظاهرات والانتفاضات والثورات الفلسطينية، كانت تصدر مراسيماً اسمتها "كتباً بيضاء" وترسل لجاناً (عديدة) لدراسة الوضع في فلسطين، وتطلق وعوداً بإنصاف الفلسطينيين ووقف الهجرة اليهودية إليها، لكن كل الوعود والكتب بقيت في الإطار النظري دون تطبيق فعلي على الأرض. في الخامس عشر من مايو/آيار. أعلنت بريطانيا عن انسحابها من فلسطين بعد أن اتفقت مع العصابات الصهيونية على إعلان دولتها في نفس اليوم.

بريطانيا قامت بتسليح العصابات الصهيونية وتركت القوات المنسحبة كافة تجهيزاتها العسكرية بما في ذلك الطائرات لتلك العصابات، التي قامت من قبل ببناء مصانع أسلحة على الأرض الفلسطينية، بإشراف الخبراء البريطانيين وغض البصر من قوات (الانتداب).

التطهير العرقي والتهجير القسري والمذابح كانت ترتكبها العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين على مسمع ومرأى من القوات البريطانية (المنتدبة) على فلسطين، وبالتنسيق معها. هذا ما لا يقوله الفلسطينيون والعرب فقط، وإنما المصادر البريطانية والصهيونية والمتمثلة في الوثائق المكتوبة، التي تم الإفراج عنها في كل من بريطانيا والكيان الصهيوني بعد مرور عقود طويلة عليها.

أما السياسة البريطانية في الزمن الراهن، فمعروفة للقاصي والداني وعنوانها: التأييد الكامل للكيان الصهيوني، والتطرق بنقد خجول في بعض الأحيان لجرائمه ومذابحه ومصادرته للأرض وللاستيطان الذي يقوم به. بريطانيا وبعد رفع دعاوى من هيئات حقوقية فلسطينية وعربية ودولية (مؤيده للحقوق الوطنية الفلسطينية) في محاكمها فحواها: جرائم الحرب التي أمر باقترافها قادة سياسيون وعسكريون إسرائيليون ضد الفلسطينيين، وبدلاً من محاكمة هؤلاء والمطالبة بتسليمهم من خلال الإنتربول الدولي، تبحث في تغييرقوانينها القضائية، لكي لا تطال هذه القوانين في نصوصها الجديدة مجرمي الحرب الإسرائيليين, هذا هو نموذج من (العدالة) البريطانية؟!

بريطانيا، هي إحدى الدول الأوروبية التي تعمل بموجب "قانون غيسو" وجوهره: الحكم بالسجن على كل باحث وكاتب يقوم بالتشكيك فيما تسميه (حقائق) الهولوكوست، والتي حرصت الحركة الصهيونية على تثبيتها منذ الحرب العالمية الثانية، وحتى هذه اللحظة، ولقد تعرض عديدون من الباحثين الأوروبيين (ومنهم البريطانيون) للسجن بفعل تبعات هذا القانون. هذه هي الديموقراطية الأوروبية والبريطانية منها بشكل خاص؟!

وبعد كل ذلك: يأتي القنصل العام البريطاني في رام الله ليحاضر في جامعة فلسطينية عن السياسة البريطانية في الشرق الأوسط! إنها المهزلة بعينها.
 

التعليقات