18/03/2013 - 21:32

أوباما... رهان الحالمين../ عمر شحاده*

على امتداد ولايته الأولى دأب الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما منذ يومه الأول في البيت الأبيض على محو الآثار المدمرة لسياسات سلفه جورج دبليو بوش الابن، التي انبثقت من رؤى المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري، المأخوذين بانهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية القرن الذي مضى والطامحين لقيادة العالم بأدوات وثقافة الاستعمار القديم عبر ما يسمى بإستراتيجيات الحرب الاستباقية والرعب والصدمة والحرب العالمية على الإرهاب

أوباما... رهان الحالمين../ عمر شحاده*

على امتداد ولايته الأولى دأب الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما منذ يومه الأول في البيت الأبيض على محو الآثار المدمرة لسياسات سلفه جورج دبليو بوش الابن، التي انبثقت من رؤى المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري، المأخوذين بانهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية القرن الذي مضى والطامحين لقيادة العالم بأدوات وثقافة الاستعمار القديم عبر ما يسمى بإستراتيجيات الحرب الاستباقية والرعب والصدمة والحرب العالمية على الإرهاب.

تلك الحرب التي أشعلت أوارها أحداث11سبتمبر2001، وأيقظت ضغائن ما يسمى صراع الحضارات والإسلاموفوبيا وصولاً لقرار الرئيس بوش الأصغر بشن الحرب خارج القانون واجتياح العراق بذرائع واهية تخفي الأهداف الحقيقية المضمرة بتدميره وحماية ما يسمونه أمن إسرائيل، تحت رايات  نشر الديمقراطية واستخدام بلاد الرافدين نموذجاً ومنصة لزحف الحضارة الأمريكية وديمقراطيتها نحو سوريا ولبنان وبناء "الشرق الأوسط الكبير" على أنقاض العروبة وقضيتها المركزية.
 
وبنجاح الحزب الديمقراطي في الإطاحة بالرئيس بوش وانتخاب أوباما وتنصيبه رئيسا في يناير 2009، تنفست أمريكا الصعداء وهي تسعى لوضع حد لنزيف القوة العسكري والمالي والاقتصادي والمعنوي في العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان وفلسطين، وما رافقه من تفسخ وتعفن أخلاقي بلغ ذروته بعولمة التعذيب وفضائح القرن في سجن جوانتانامو وقبله في أبوغريب.

لقد تكسرت على ضفاف الرافدين تلك الموجة العاتية من وحشية الجشع الامبريالي وغطرسة الجهل والبربرية لأعتى قوة عسكرية عرفها التاريخ، وربما سينصف التاريخ يوماً، طال أو قصر، أولئك الملايين الأبطال المجهولين من رجال ونساء العرب والمسلمين الذين بفضل تضحياتهم وعلى صخرة مقاومتهم أجهضت وتحطمت أحلام المحافظين الجدد والعولمة ولبراليتها الوحشية الجديدة وعالمها وحيد القطب، وسيحفظ لهم بالعرفان، وقوفهم المشرف وثمنه الفادح في وجه هولاكو العصر الحديث وتخليصهم  للبشرية من سمومه وشره المستطير.
  
ها هو الرئيس الأمريكي أوباما الذي نقل الأولوية في إستراتيجيته الكونية إلى آسيا - المحيط الهادئ، يدشن ولايته الثانية بجولة في بلادنا، باعتبارها مهمته المباشرة لتوفير الضمانة التي لا تستقيم أولويته الإستراتيجية بدونها، فالاستقرار يبدأ من هنا والقضية الفلسطينية هى لب الصراع في المنطقة ومفتاح الحل لأسبابه وتجلياته الداخلية والخارجية، وهو ما يدركه الخمسة الكبار في مجلس الأمن والرئيس أوباما على نحو أفضل من كل الروؤساء الأمريكيين الذين سبقوه، فضلا عن كونه  أكثر من يعي بتجرته الذاتية من يكون رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي أتقن على ما يبدو مناورته وأصاب هدفه في إحلال الملف النووي الإيراني على رأس جدول الأعمال الأمريكي والدولي وما يسمى بالصراع السني الشيعي على حساب القضية الفلسطينية.

إثر اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها وبعد دقائق فحسب، فور إعلانها في مساء الرابع عشر من ايار 1948 إعترف الرئيس الأمريكي هاري ترومان بدولة إسرائيل، ومنذ ذلك اليوم يواصل رؤساء الولايات المتحدة ومبعوثوها الإصغاء إلينا، ولكنهم لا يسمعون...لا بل يصغون إلينا ويسمعون غيرنا، وهو ما يثبته استخدام إدارة الرئيس أوباما للفيتو الأمريكي ضد وقف الاستيطان في مجلس الأمن خلافا لبقية أعضائه الأربعة عشر وتصويتها بالأمس في 29 نوفمبر الماضي ضد قبول الدولة الفلسطينية في هيئة الأمم المتحدة.

فمن عجب العجاب، أن هذا الرئيس المفوه القادم من وراء المحيط والذي نال قسطاً وافرا من نجاحه الانتخابي وارتقى سلم الصعود إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض بفضل بلاغته الخطابية، جاء ليصمت عندنا في فلسطين وليصغي لمفاوضينا! 

للرئيس أوباما أن يدعي استبدال دبلوماسية الإملاء والأوامر بدبلوماسية الإصغاء للفلسطينيين ولكلامهم المباح فيما عينه على طهران ودمشق، والسعي لتحقيق أهداف الولايات المتحدة بالقوة الناعمة حيث فشل سلفه الذي حمل هراوته ورحل، وفي ظني لو قيض للمواطن العربي أن يدلي بدلوه عشية وصول الرئيس الأمريكي إلى بلادنا التي تتوافق والذكرى العاشرة لحرب سلفه على العراق الشقيق، لنصحه أن يستمع لخطابه الذي ألقاه علينا في جامعة القاهرة وخص به العرب والمسلمين في رحلته السابقة خلال ولايته الأولى، وبأن يقرأ عمر الخيام ومحمود درويش ويصغي لأشعارهم في طريقه الى بلاد الشرق.

ونحن نشهد رهان الحالمين والمنجمين على زيارته أليس من حقنا أن نعتقد حتى يثبت العكس، بأنها لا تعدو أن تكون تحريكا وإنعاشا للمفاوضات والحلول الثنائية وتعطيلا للمصالحة الوطنية وتجديداً لعشرين عاماً من استغفال الفلسطينيين والعرب المنقسمين على أنفسهم واستخدامهم بأبخس الأثمان وقوداً للدبلوماسية الأمريكية ومشاريعها الدولية الرامية لإعادة تقاسم المنطقة وثرواتها؟ أم تُرى يريد هذا الرئيس المفوه حقا أن يقنعنا بأنه صمت عن الكلام وجاء ينشد الحكمة، ويأخذها من أفواهنا ؟!
 

التعليقات