20/03/2013 - 09:58

على قيادة "حماس" أن تدرك.../ علي جرادات

ككرة لهب تتدحرج ثمة مشكلة بين حركة "حماس" والجيش المصري. مشكلة آخذة بالتحول إلى مشكلة بين "حماس" والحركة الوطنية المصرية المعارضة لسلطة "الإخوان"

على قيادة

ككرة لهب تتدحرج ثمة مشكلة بين حركة "حماس" والجيش المصري. مشكلة آخذة بالتحول إلى مشكلة بين "حماس" والحركة الوطنية المصرية المعارضة لسلطة "الإخوان". بدأت المشكلة باتهام عناصر من "حماس" بالمشاركة في اقتحام السجون وتحرير الأسرى بعد أيام من اندلاع ثورة 25 يناير. ثم باتهام الحركة بالضلوع في عمليات تفجير خطوط أنابيب تزويد إسرائيل بالغاز المصري وفي تدريب عناصر من شباب "الإخوان" وفي عدم ضبط الحدود والأنفاق أمام تنقل المجموعات المسلحة من سيناء إلى غزة وبالعكس.

وبلغت المشكلة مستوى خطيراً باتهام عناصر من "كتائب القسام" بالضلوع في "مذبحة رفح" التي راح ضحيتها 16 جندياً مصرياً. نفت قيادة "حماس" جميع هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً واعتبرتها محاولة من بقايا النظام السابق وأدواته الإعلامية للإيقاع بين الحركة والجيش المصري وقيادته السياسية الجديدة. لكن المشكلة هنا، وبمعزل عما إذا كانت "حماس" دخلت فعلاً أو أُدخلت ظلماً فيها، هي ليست مجرد مسألة أمنية تحسمها نتائج التحقيقات الجارية وأحكام القضاء المتوقعة، إنما هي مشكلة سياسية بامتياز من حيث:

1: أن تداعيات هذه المشكلة وانعكاساتها السلبية لا تصيب "حماس" التنظيم و"السلطة"، فحسب، بل تصيب أيضاً فلسطينيي قطاع غزة، خصوصاً، والشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، عموماً.

2: أن هذه المشكلة بهذه التداعيات والانعكاسات السلبية لا يمكن فصلها عما تخطط له إسرائيل في السياسة والأمن تجاه قطاع غزة الذي تحاصره وتتحكم بدور أساسي في لعبته.

3: سذاجة سياسية الاعتقاد أن بالإمكان حل هذه المشكلة أو التقليل من تداعياتها من دون إنهاء الانقسام الجيو سياسي بين غزة والضفة.

4: أن هذه المشكلة، شاءت قيادة "حماس" أو أبت، هي تفريع لتعاملها مع الاستقطاب السياسي المصري من منطلق أيديولوجي يمليه انحدارها من جماعة "الإخوان المسلمين"، دون أن تنتبه لتبعات ذلك عليها كتنظيم فلسطيني وعلى الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية، خاصة بعد انكشاف مدى تفرد جماعة "الإخوان" بسلطة ما بعد ثورة 25 يناير وإقصائها لبقية ألوان المجتمع السياسي والمدني المصري، إذ ثمة معنى سياسي كبير لدخول أطراف من الحركة الوطنية المصرية على خط هذه المشكلة، علماً بأن هذه الأطراف كانت، ولا تزال، الأكثر جدية في تبني القضية الفلسطينية ودعمها، بل، وكان لها، ولا يزال، موقف وطني من حصار غزة رغم خلافها واختلافها الفكري مع حركة "حماس". 

5: أن هذه المشكلة هي واحدة من تجليات موقف سلطة "الإخوان" في مصر من القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي عموماً، كموقف يعيد، وربما بصورة أسوأ، موقف النظام المصري السابق ذاته، سواء لناحية خضوعه للشروط الإسرائيلية كما كرسها الملحق الأمني لمعاهدة كامب ديفيد، أو لناحية التبعية السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة كراعٍ لهذه المعاهدة. وهو ما يفسر خيبة أمل قيادة حركة "حماس" التي ظنت أن تولي جماعة "الإخوان" سلطة الدولة المصرية سيفضي، (تلقائياً وسريعاً)، إلى تبني موقف مختلف على الأقل تجاه حصار غزة.

6: أن هذه المشكلة غير مفصولة عن حسابات قيادة "حماس" الخاطئة تجاه التحولات العاصفة في أكثر من قُطرٍ عربي، وفي مصر وسورية بالذات، حيث استعجلت أو استعجل أحد أجنحتها تغيير تحالفاتها السياسية العربية والإقليمية لتكتشف أن اندفاعها نحو تركيا العضو في حلف الناتو قط لا يعوض خسارتها النسبية أو الكلية لدعم إيران العسكري، وأن ما تحظى به من دعم مالي قَطري يخدم أجندة سياسية مختلفة عن أجندة الدعم المالي الإيراني، وأن الدعم السياسي من النظام المصري "الجديد" لا يرتقي إلى دعم النظام السوري. فالأخير، على الأقل، وإن لم يحارب إسرائيل بنفسه منذ العام 1973، فإنه تجرأ على تقديم الدعم العسكري لـ"حماس" وحزب الله سواء بشكل مباشر أو بوصفه حلقة وصل للدعم الإيراني. وهذا ما لم تنكره قيادة "حماس"، وإن شاب حديثها عنه كثير من التلعثم، بل الجحود، بعد استدارتها السياسية الأخيرة، ارتباطاً بموقف جماعة "الإخوان المسلمين" من الأزمة السورية.     
                                                   
   على أية حال، إن ما ينبغي على قيادة حركة "حماس" أن تدركه كتنظيم فلسطيني يتعامل مع هذه المشكلة السياسية المعقدة هو:

لئن كان التقلب، تقدماً وتراجعاً، هو ديدن مواقف الأنظمة الرسمية العربية، القديمة منها والجديدة، من القضية الفلسطينية، فإن الثبات على دعمها وتحمل أعبائها هو ديدن مواقف الشعوب العربية منذ نشوء هذه القضية في مطلع القرن الماضي وحتى اليوم. وهذا ما أنجب تلاحم حركة التحرر الوطني الفلسطيني بألوانها مع حركة التحرر العربي بمشاربها، عدا التفافهما سوياً حول الأنظمة العربية الأكثر جدية في مقارعة إسرائيل ومناهضة رعاتها، وأولهم الولايات المتحدة. لذلك كان منطقياً أن يكون النظام المصري الناصري هو أكثر الأنظمة العربية شعبية وقبولاً لدى أحزاب وقوى حركة التحرر العربية، ومنها الفلسطينية، إذ لم يعد سراً، ولا بحاجة إلى برهان، أن قيادة هذا النظام  كانت، بالفعل قبل القول، أكثر القيادات العربية تحملاً لأعباء قضايا الأمة، وأولها القضية الفلسطينية.

ولعل عداء جماعة الإخوان المسلمين للقيادة الناصرية وإنكارها الأيديولوجي لمنجزاتها الوطنية والقومية والاجتماعية، ناهيك عن وقوفها إلى جانب خصومها من الأنظمة العربية المتحالفة بثبات مع الولايات المتحدة هو السبب الأساس لنفور مكونات حركة التحرر الوطني العربية والفلسطينية من الجماعة، بل واتهامها بعدم الجدية وتناقض الأفعال والأقوال فيما خص قضايا الاستقلال الوطني والقومي العربي، عموماً، وقضية فلسطين بالذات. لكن انخراط فرع الجماعة الفلسطيني منذ العام 1988 في عملية النضال ضد الاحتلال، وإن بعد تأخرٍ لعقود، قد أفضى إلى ارتفاع أسهم هذا الفرع "الإخواني" الذي صار اسمه "حماس" عند شعوب الأمة وحركاتها الوطنية بمشاربها الفكرية القومية واليسارية والليبرالية. لكن ولأن هذه الأسهم مُنحت للحركة ارتباطاً بكونها فصيل فلسطيني انخرط في النضال ضد الاحتلال، فإن أمر بقائها أو زوالها أو تقدمها أو تراجعها يبقى مرهوناً بمدى جرأة قيادة الحركة على نقد وعدم الطبطبة على موقف سلطة جماعة "الإخوان المسلمين" من الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، كموقف جاء نسخة طبق الأصل عن موقف نظام مبارك المخلوع، من جهة، وعلى مدى تجرؤها على نقد موقف سلطة الجماعة الاستحواذي الإقصائي في مصر وتونس، من جهة ثانية، وعلى مدى تجرؤها على نقد انخراط الجماعة في جوقة الداعين إلى تدخل حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة في أزمة سورية المستهدفة كدولة وليس كنظام فقط، من جهة ثالثة. هذا ما ينبغي على قيادة حركة "حماس" أن تدركه وأن تتصرف  كتنظيم فلسطيني على أساسه، فمشكلة الحركة مع الحركة الوطنية المصرية ليست مجرد مشكلة أمنية، وإن بدت كذلك، إنما هي مشكلة سياسية، بل ويمكن أن يتسع نطاقها ويمتد إلى الحركات الوطنية العربية عموماً. فالاستقطاب الفكري السياسي الدائر في مصر له امتداداته في بقية الأقطار العربية، ناهيك عن أن مصر هي مرآة الأمة ومعيار عافيتها، وعن أن غزة تقع في التحليل الأخير ضمن نطاق الأمن القومي لمصر الدولة، بمعزل عن طبيعة سلطتها السياسية ولونها واسمها.                                                  

التعليقات