01/04/2013 - 12:19

تحول وهمي في الخطاب الشرطي ... سيناريو جديد بحلة عقائدية قديمة../ د. سهيل حسنين*

لفت انتباهي، وحين قراءتي لصحيفة فلسطينية محلية في نهاية الأسبوع المنصرم، بيان صادر عن اللجنة الشعبية في طمرة، وتحت عنوان "لا لتجميل الوجه القبيح للشرطة العنصرية في مدارسنا". وما يشد تركيز القارئ في المقالة أمران: الأول، مستوى الوعي الجماهيري الرافض لإجراءات شرطية عسكرية تُنفذ في المدارس، وتحت غطاء تنظيم فعاليات وأنشطة للطلاب في مواضيع مثل العنف والانترنت الآمن وغيرها من العناوين اللافتة والمثيرة للطلاب والشباب. والثاني، ردة فعل ما يسمى بـــ "الناطقة بلسان الشرطة للإعلام العربي" حيث قولها إن "الطرح لا يستحق المراجعة".

تحول وهمي في الخطاب الشرطي ... سيناريو جديد بحلة عقائدية قديمة../ د. سهيل حسنين*

لفت انتباهي، وحين قراءتي لصحيفة فلسطينية محلية في نهاية الأسبوع المنصرم، بيان صادر عن اللجنة الشعبية في طمرة، وتحت عنوان "لا لتجميل الوجه القبيح للشرطة العنصرية في مدارسنا". وما يشد تركيز القارئ في المقالة أمران: الأول، مستوى الوعي الجماهيري الرافض لإجراءات شرطية عسكرية تُنفذ في المدارس، وتحت غطاء تنظيم فعاليات وأنشطة للطلاب في مواضيع مثل العنف والانترنت الآمن وغيرها من العناوين اللافتة والمثيرة للطلاب والشباب. والثاني، ردة فعل ما يسمى بـــ "الناطقة بلسان الشرطة للإعلام العربي" حيث قولها إن "الطرح لا يستحق المراجعة".

ويؤكد كاتبو البيان أن "أهدافهم كبيرة (أي أهداف قوات الشرطة) وعلى رأسها كسر الحاجز النفسي بين الطلاب والشرطة وتحسين صورتهم أمامهم تمهيدا لكل هدف أو ظاهرة أو خفي آخر... هدفهم محاولة الإيقاع بأبنائنا في فخ الخدمة المدنية، وذلك ضمن عشرات المخططات والوسائل... وعودات كاذبة".

تكشف هذه المضامين وأخرى تطورا نوعيا ولافتا للانتباه للتحدي الجماهيري الشعبي الوطني لتفشي هذه الظاهرة، إنها ظاهرة الاختراق المتجدد لرجال الشرطة لبعض طلابنا وقياداتنا. إن ردة الفعل لممثلة الشرطة العمياء بأقوالها وعقائدها، هي ترجمة صريحة وحقيقية لسياسات عنصرية كولونيالية وكراهية متجذرة، بل امتداد لتكنولوجيا سيطرة مخططة تتجاهل بل ترفض أفكارا تطرحها الأطراف الفلسطينية، وقبل سماعها أو قراءتها.

لفتة الانتباه المثيرة آنفة الذكر توصلنا لما يستحق الطرح وهو شأن التحول الوهمي الحاصل في توجهات قيادة الشرطة، حول وصفهم لمدى العنف والجريمة في وسطنا العربي الفلسطيني، وخاصة منذ مطلع العام 2013.

تدعي قيادات الشرطة أن العنف والجريمة في انخفاض ملموس في الوسط العربي في العام 2012 مقارنة مع العام 2011: "مستوى العنف تراجع وانخفض بنسبة كبيرة في مجال تجارة واستعمال السلاح، وأعمال السطو وإطلاق النيران وحوادث الطرق، كما وأن هناك ارتفاعا في نسبة تقديم لوائح الاتهام والاعتقالات، وذلك بهدف تأمين حياة وطمأنينة جمهور المواطنين"، وأن زيادة عدد أفراد الشرطة في هذا الوسط تساهم في تقديم الخدمات بشكل أسرع. كذلك يدعي هذا الطرف ونتيجة لاستطلاع رأي أجراه على حد قولهم ما يسمى بــ "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" لمعرفة رأي الشارع العربي حول علاقته مع الشرطة، وقولهم "منحنا المستطلعون من أبناء الوسط العربي علامات عالية جدًا"، وبالتالي هنالك تعاون وتفهم، على حد قولهم، لأهمية تواجد الشرطة داخل القرى والمدن العربية. فهل هذه الادعاءات تستحق  التحليل؟؟

هذه الادعاءات تُصّرَح أمام رئيس وأعضاء لجنة المتابعة، وأعضاء من لجنة رؤساء السلطات، ورؤساء مجلس وبلديات، وأعضاء الكنسيت. التساؤل الأساس الذي يُطرح هنا: ما هي نواياهم ودوافعهم من تواجدهم في لقاءات لا تسمن ولا تغني من جوع؟ والتي هي بعيدة كل البعد عن أفكار الجمهور الذي انتخبهم. نحن نعرف جميعاً أن المكانة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للفلسطينيين في الداخل في انخفاض، في ظل الهجمات العنصرية. ونعرف أن وجود الشرطة هو امتداد لهذه الهجمات الشرسة التي تطال الإنسان والمكان. هذه الهجمات ليست فردية وإنما هي جزء من عقائد نواياها السيطرة والاستحواذ. فهل من المنطق أن يكون دور الشرطة هو الحفاظ على أمن المواطن الفلسطيني وتقديم الخدمات له "بشكل أسرع"؟ في حين أن الشرطة هي سلسلة في نظام الفصل والتمييز والعنصرية. فهل هؤلاء الممثلون غير واعين لحقيقة هذه اللقاءات التي هي ضمن تخطيط طويل المدى هدفه استحواذ الإنسان وخاصة الأجيال الصاعدة؟ وهل هم غير واعين لأهداف هذه اللقاءات الاستعراضية والتسويقية لتصورات وعقائد تكون بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يعيشه كل واحد منا؟؟

لا جديد في مشكلاتنا المُميزة في الداخل الفلسطيني. إن تواجد الشرطة أو عدمه حال واحد لا يعكس الحل الحقيقي. إن الانخفاض المزعوم في مدى العنف والجريمة هي تصريحات ليس إلا. ما نملك من منطق ومن خبرة تؤدي بنا القول إن الإحصائيات الشرطية هي لعبة هدفها إبراز العقيدة بشأن العلاقة العكسية بين مدى العنف والجريمة ومدى الثقة القائمة بين الشرطة والشارع العربي. إنها حلة قديمة، وكما ادعوا سابقا حول العلاقة القائمة بين مدى العنف والجريمة والانخراط في ما يسمى بــ "الخدمة المدنية".

ان هذا الطرح المتجدد غير منطقي، لأن أصل عدم توفر الثقة بين الأطراف هو عقائدي سياسي، وليس ثقافيا، حيث لا يمكن التوصل لأي معادلة طردية أو عكسية تحكم العلاقة بين هذه الأطراف بوجود هذه العقائد التي ترفض الآخر كما هو، بل تقبله فقط في حال الإذعان والرضوخ. إن التصريح بأن استطلاعا للرأي يمنح الشرطة الشرعية للفعل في الوسط العربي لا يعني أن الثقة قائمة بين الأطراف، وسخافة القول ان معهد دراسات إسرائيلي للديمقراطية (!!) يستطيع الإقناع بشأن صحة طرحه وفي حالة وجودها أصلا.

إن فكرة اللجنة الشعبية في طمرة تستحق التعقيب والتحليل. يعكس كاتبو هذا البيان وقفة مشرفة وحقيقية، ومن منطلق الالتزام والمسؤولية بما يحدث في مدارسنا وفي قرانا ومدننا الفلسطينية. إن تكوين موافقة جماهيرية جمعية نحو أفعال الشرطة في البيئات الفلسطينية هي الخطوة المنشودة التي تستحق الاهتمام الشعبي الجماهيري خاصة، وفي ظل تصريحات وهمية بديباجة عقائدية لقياداتها. يتوقع من رؤساء البلديات والمجالس التفكير صراحة بما يقدمونه من برامج اجتماعية ووقائية وثم اتخاذ القرارات التي تؤدي إلى مواجهة حقيقية لمشكلات بلداتهم وليس إلى تبني طروحات وهمية دخيلة أصلها عقائدي.     

التعليقات