05/04/2013 - 12:00

على هامش الاعتداء على طاقم "الجزيرة"../ عوض عبد الفتاح

نرى في الداخل أوساطا من التيار الإسلامي غارقة في التحريض المذهبي، على الشيعة وحتى على المقاومة اللبنانية وقبل أن تندلع الثورة في سوريا. إن هذا التحريض يشوّه الكثير من الشباب المتدين، وينبرون للدفاع عن الثورة ليس وعيًا بأهداف الثورة إنما لإسقاط "النظام العلوي" وضرب إيران "الشيعية"، أما فلسطين فتصبح على الهامش

على هامش الاعتداء على طاقم

يُعيد الاعتداء على طاقم "الجزيرة" (إلياس كرام ونبيل مزاوي) وأثناء إحياء مناسبة يوم الأرض، فتح الباب على ضرورة إعادة تحديد قيم حيوية لا يمكن لأي مجتمع أن يخطو نحو التطور والتحصين الذاتي، دون تذويتها ورعايتها. هي قيم الحوار، واحترام حرية الرأي والتعددية ضمن عقد اجتماعي يحفظ السلم الأهلي. وكل هذه القيم هي نقيض الاستبداد والجمود والطبيعة الإنسانية. وما يجري في محيطنا العربي سببه الحجر على هذه القيم منذ حقبة طويلة.

ليست جديدة ظاهرة الاعتداء على وسائل الإعلام (من جانب المحتلين، ومن جانب المستبدين وكذلك الغوغاء). والاستبداد يمكن أن يصدر من الأنظمة، والتنظيمات، ومن الأفراد (ومن الغوغاء)... وأخطر أشكال الاستبداد تلك المرتبطة بالأنظمة السياسية، لما تملكه من قوة مادية (عسكرية واقتصادية) ومعنوية وثقافية (كالإعلام والتعليم) فتكون النتائج كارثية وإستراتيجية لأنها تطال مجتمعات بأكملها وتمتد آثارها لحقب طويلة. ويلحق بالمجتمع وبالأفراد تشوهات وعاهات نفسية وثقافية وسلوكية.. مثل تغييب العقل والولاء المطلق والنفاق والتملق وغيرها من السلوكيات التي تهدف إلى نجاة الأفراد من بطش الأنظمة ومن دكتاتورية الغوغاء وعسف التقاليد المعيقة للتقدم. ويمكن أن يفرز هذا الاستبداد جماعات عنيفة، في محاولة لكسر احتكار العنف من جانب النظام.. فتصبح هذه الجماعات وبحق جماعات إرهابية خطيرة، وخطيرة جدًا. وإن كان "إرهابها" هو رد فعل على بطش النظام. وتنشأ هذه الجماعات وقد تهيمن على ساحة المعارضة، على حساب معارضات سياسية أو مُسلـّحة عقلانية، تتعرض هي بدورها للتهميش والسحق، وللاعتقال المتكرر فتفقد دورها المركزي وتتهمش، لأنها لا تحظى بالحماية لا من النظام ولا من المعارضة غير المسؤولة.

يأتي الاعتداء على طاقم "الجزيرة" في أجواء الحرب الدعائية المستعرة في الساحة السورية، بين روايتين حول تسمية ما يجري، ثورة أم مؤامرة، وحول من يقف وراء هذه الثورة، أو هذه المؤامرة، هل الشعب أم القوى الخارجية.

ويأتي على خلفية تعبئة مكثفة من أجهزة الدعاية الرسمية في سوريا التي تصور ما يجري منذ اليوم الأول هو مؤامرة وكل من يعتقد غير ذلك هو مُغرض ومعاد بل خائن ويستحق الضرب والاعتقال والسحق. وقد أخذت بهذه الرواية أوساط ليست بقليلة في التيارات اليسارية والقومية. وحين نشاهد برنامجا حواريا تلفزيونيا، أو نستمع الى حوار بين شخصين مختلفين، نرى كيف أن العقل يكاد يكون غائبًا. طرف يدافع عن النظام بشكل مطلق، وطرف (من الخارج خاصة) يدعم المعارضة الخارجية وبكل موبقاتها وارتمائها في أحضان الخارج. أما من يطرح الأمور، ومن منطلق الانحياز إلى الشعب، بصورة مسؤولة وعقلانية فهو مهمش.

أجمعت الشعوب العربية وقواها الوطنية والديمقراطية على أصالة الثورة التونسية، كما حظيت ثورة مصر بنفس القدر من التأييد، وذلك قبل أن تدخل في حالة مخاض وتعثر على المستوى الداخلي وفي حالة عدم وضوح على مستوى العلاقة مع الخارج. كانت هذه الثورات بمثابة استعادة الوعي الجماعي، وميلاد إنسان عربي جديد وضع أول مدماك في طريق فك أسره من قيود الاستبداد والهيمنة الخارجية التي عاش وعانى في ظلها مئات السنين.

وفاقم الأمر تعثر هذه الثورات المجيدة ودخولها مرحلة الشدّ والجذب بين قوى مضادة للثورة وقوى خارجية، قوى داخلية وجدت نفسها مهمشة بعد أن لعبت دورًا مركزيًا في تفجير هذه الثورات وقوى خارجية (إمبريالية) تريد أن تضمن بقاء الدولة الجديدة تحت هيمنتها. بل فاقمها أكثر أن هناك قوى عربية وغير عربية، تندفع حماسًا عبر التسليح والمال وكأنها تدعم الثورة في سوريا، وإنما دافعها الأساسي هو تصفية حساب مع النظام لأسباب سياسية (تتعلق بموقعه الجيوستراتيجي) وإخراج سوريا كليًا من معادلة القوة ضد إسرائيل كليًا. وذلك بهدف خلق أنظمة تتناغم مع ما أصبح يعرف بخط الاعتدال.. بعد انتصار المقاومة اللبنانية عام 2006.

وهنا انقسمت الآراء إزاء ما يجري في هذا البلد العربي، بين من تبنى رواية النظام بالمطلق على أن الثورة السورية هي مؤامرة منذ اليوم الأول، مع أنه يعرف أن كل الأسباب، الاجتماعية – الاقتصادية، والسياسية كانت متوفرة لانفجار الوضع هناك، وبين من يعتقد أن الثورة السورية هي أصيلة، ونابعة من إرادة الشعب السوري، وأن هذا الشعب هو جزء من الشعوب العربية، وطبيعي أن يتأثر من ثورة الشعب المصري والليبي واليمني.

وهناك توجه ثالث أدار ظهره له النظام منذ اليوم الأول وتعزز سياسيًا (نسبيًا) مؤخرًا بعد وصول الوضع السوري إلى حالة كارثية؛ وإلى طريق مسدود. وهذا يتمثل بهيئة التنسيق الوطني وأبرز وجوهها: هيثم مناع الممنوع من العودة إلى سوريا، منذ ثلاثين عامًا، وحسن عبد العظيم ورجاء الناصر (من التيار الناصري)، وعبد العزيز الخير الذي اختفى في مطار دمشق أثناء عودته من روسيا للمشاركة في مؤتمر الإنقاذ الوطني أواخر العام الماضي بحضور مندوب من إيران وآخر عن روسيا.

ويميز موقف هذه الهيئة أنها مستقلة، وتتبنى مطلب إسقاط بنية الاستبداد برمته، ولكن ترفض التدخل الأجنبي. وطالبت دائمًا بسلمية الثورة. وهذه الهيئة، تتبنى رواية مختلفة عن رواية النظام بخصوص انطلاق الثورة والتسلح. ففي المؤتمر المذكور الذي عقد في مدينة دمشق وبضغط من إيران وروسيا، قال قادتها مباشرة على الهواء عبر فضائية "الميادين": في الأشهر الستة الأولى لم يرفع أحد من الناس السلاح، وأن النظام هو الذي دفع الناس إلى البحث عن سلاح للدفاع عن أنفسهم ولحماية المتظاهرين. ويرى قادة هذه الهيئة أن سلوك النظام الوحشي هو الذي فتح الباب أمام العصابات التكفيرية القادمة من دول مختلفة لإقامة "إمارة الله على الأرض" وارتكاب المذابح البشعة.

إن سوريا اليوم تعيش كارثة حقيقية، فالنظام ليس قادرًا على القضاء على الانتفاضة، ولا المعارضة التي يتحكم بها الإخوان المسلمون قادرة على إسقاط النظام. وإن مواصلة القتال لا يؤدي إلى تدمير النظام فقط بل إلى تدمير البلد. والنظام قد يستطيع الصمود إلى فترة أخرى ولكن ما معنى أن يبقى النظام ويذهب البلد إلى الجحيم؟ ومن هنا ترتفع الأصوات مجددًا ومن داخل معارضة الخارج (وفي مواجهة نهج الإخوان المسلمين) أيضًا لفتح حوار يؤدي إلى الانتقال السلمي للسلطة.

إن عرض هذه الصورة، ليس هدفه الخوض بما يجري في سوريا، إنما محاولة للفت النظر إلى إعمال العقل أثناء الحوار فيما بيننا، ونبذ استسهال التخوين والانجرار وراء دعاية الاستبداد: كل من ليس معي فهو خائن.

إن نزعة تخوين الآخرين بصورة جارفة وعشوائية، هي من إفرازات الاستبداد. طبعًا هناك خونة، وهناك خيانة، ولكن الأنظمة المستبدة اعتادت أن تلصق التهمة بكل من يختلف معها بالخيانة. وهي بذلك تبني روايتها ودعايتها للدفاع عن وجودها.

كلمة عن المذهبية

نرى في الداخل أوساطا من التيار الإسلامي غارقة في التحريض المذهبي، على الشيعة وحتى على المقاومة اللبنانية وقبل أن تندلع الثورة في سوريا. إن هذا التحريض يشوّه الكثير من الشباب المتدين، وينبرون للدفاع عن الثورة ليس وعيًا بأهداف الثورة إنما لإسقاط "النظام العلوي" وضرب إيران "الشيعية"، أما فلسطين فتصبح على الهامش.

ويُنتظر ممن يكتبون عن سوريا ويطالبون بأن تكون القوى الوطنية الديمقراطية في الداخل واضحة فيما يتعلق بالثورة، أن يكونوا أيضًا واضحين وجريئين في إدانة هذا التحريض المذهبي الخطير بين أوساطهم.

إن الشعب السوري، وكل الشعوب العربية تريد سوريا موحدة وديمقراطية بدون استبداد، وسوريا الوطنية الداعمة للمقاومة. وليس سوريا سنية على نمط النظام السعودي والأنظمة العربية التي تدور في فلك الإستراتيجية الأمريكية. الشعوب العربية لا تريد حكامًا نعاجًا كما وصف وزير خارجية قطر نفسه وغيره من الحكام، بل تريد حرية وكرامة.

ليس بوسعنا، نحن عرب الداخل، التأثير عمليًا على ما يجري في سوريا الحبيبة، ولكن بوسعنا التأثير على أنفسنا والحفاظ على توازننا العقلي والنفسي، وأن نساهم في تربية أبنائنا وبناتنا تربية سليمة وزرع القيم الإنسانية والكونية وعلى مناهضة الاستبداد، وذلك جنبًا إلى جنب مع القيم الوطنية والانتماء والاستعداد للدفاع عن وجودنا في مواجهة الصهيونية وعن الوطن وعن حرية المواطن باعتبارها أكسير الحياة لأي مجتمع يطمح بأن يكون في قلب حركة التاريخ.

التعليقات