10/04/2013 - 16:18

"المهرجون"../ عوض عبد الفتاح

كتب الكاتب الإسرائيلي والأكاديمي التقدمي، يتسحاق لاؤور، في أوائل التسعينيات مقالاً بعنوان "المهرج"، تناول فيه الشخصية العربية الإسرائيلية" التي تستخدمها إسرائيل لتمرير سياساتها ودعايتها في وسائل الإعلام وفي المناسبات المختلفة لإسباغ صورة ديمقراطية وعادلة عن تعاملها مع 20% من مواطنيها العرب الفلسطينيين. وبهدف التأثير أيضاً على المواطنين العرب أنفسهم ودفعهم نحو الالتفاف حول هذه الشخصيات "المهرجة" ونشر الأسرلة والتشوه بين الأجيال الشابة، واستخدمت "مثقفين" و"رجال دين" لهذا الغرض، لما يفترض لهم من تأثير خاص على الرأي العام

كتب الكاتب الإسرائيلي والأكاديمي التقدمي، يتسحاق لاؤور، في أوائل التسعينيات مقالاً بعنوان "المهرج"، تناول فيه الشخصية العربية الإسرائيلية" التي تستخدمها إسرائيل لتمرير سياساتها ودعايتها في وسائل الإعلام وفي المناسبات المختلفة لإسباغ صورة ديمقراطية وعادلة عن تعاملها مع 20% من مواطنيها العرب الفلسطينيين. وبهدف التأثير أيضاً على المواطنين العرب أنفسهم ودفعهم نحو الالتفاف حول هذه الشخصيات "المهرجة" ونشر الأسرلة والتشوه بين الأجيال الشابة، واستخدمت "مثقفين" و"رجال دين" لهذا الغرض، لما يفترض لهم من تأثير خاص على الرأي العام.

ويشكل هذا جزءاً من آليات السيطرة والتوجيه ونظام الهيمنة الصهيوني والذي تعتمده الأنظمة الكولونيالية بصورة عامة، وأنظمة القهر والاستبداد. وتهدف هذه الآلية إلى تفريغ الإنسان، صاحب الوطن، الضحيّة، من مكوناته الثقافية والنفسية والتاريخية والأخلاقية التي تشكل هويته الفردية والجماعية وبالتالي شلّ قدرته على الرفض والمقاومة.

منذ أواخر التسعينيات، تراجعت هذه الظاهرة، أو تآكلت قدرة المؤسسة الإسرائيلية على استخدامها بعد ظهور التجمع الوطني الديمقراطي والتحدي الذي طرحه في مواجهة الجوهر الصهيوني لإسرائيل، وتراجعت أكثر وبصورة ملحوظة بعد زلزال هبة القدس والأقصى، الذي هزّ أركان السيطرة الإسرائيلية على عرب الداخل، وخاصة ركني الترهيب والاحتواء. ذلك النهوض العارم الذي تجلى ليس فقط في المواجهات الشعبية البطولية للشباب الفلسطيني في الداخل، بل ما رافقه من استعادة الثقة بالنفس وبالقدرة على النضال ودفع الثمن، ونمو الوعي الجماعي بالهوية الوطنية الفلسطينية لدى هذا الجزء من شعب فلسطين المنسي .  وهذا أدى إلى تقليص التلاعب، إلى حدّ كبير، من جانب المؤسسة، بالشخصية العربية لإسباغ شرعية على جوهر إسرائيل العنصري والكولونيالي.

مع انسداد الأفق السياسي في المنطقة، وتراجع وتيرة النضال الشعبي، بفعل تغوّل الدولة العبرية وجموحها المستمر نحو التطرف والإنكار، تعود هذه الظاهرة إلى المواجهة. وتقدم وكأنها مبادرات مستقلة. ولكنها على خلاف الحقبة الماضية تلقى هذه السلوكيات المشوهة إدانة فورية من الحركة الوطنية والأوساط الشعبية. يتساءل الناس كيف يمكن للضحية أن تلعب هذا الدور الذي يشكل ذبحاً لذاتها أو امتهاناً لكرامتها.

هذا الأسبوع نشرت وسائل الإعلام عن زيارة وفد من رجال الدين (كلهم أئمة مساجد- وموظفون لدى المؤسسة) من عرب الداخل إلى فرنسا للقاء قادة الجالية اليهودية بدعوة من السفارة الإسرائيلية. وقد سبق ذلك وفود عربية من الداخل، ضمت أيضاً إضافة إلى رجال دين، قيادات حزبية بترتيب إسرائيلي، إلى معسكر أوشفيتز في بولونيا. وسبق ذلك زيارة للشيخ حسن الشلهومي، وهو مسلم فرنسي من أصل تونسي دعي لإسرائيل الصيف الماضي للمشاركة في مؤتمر "الدين والديمقراطية"، وهو يستخدم من قبل السلطات الفرنسية بهدف تعزيز التطبيع مع دولة الاحتلال.

وبطبيعة الحال ليس لدينا اعتراض على زيارة أوشفيتز أو على أن يتضامن المرء مع ضحايا المحرقة النازية إذ هذا هو أمر طبيعي وواجب، فهي مذبحة ارتكبتها قوى أوروبية فاشية واستعمارية ضد بشر آخرين لكونهم ينتمون إلى إثنية أو ديانة مختلفة ولا يجوز التقليل من هول الهولوكوست. ولكن أن يجري ذلك في إطار الدعاية الصهيونية الهادفة إلى التغطية على دور الحركة الصهيونية وتجسيدها إسرائيل في النكبة الفلسطينية الكبرى وعن استمرار نتائجها الكارثية على الشعب الفلسطيني وعلى شعوب المنطقة العربية، بل على المجتمع الإسرائيلي نفسه الذي حُشر من قبل هذه الحركة الاستعمارية في أقل الأماكن أمناً فهو أمر مستهجن. لقد رفض العديد من الشخصيات اليهودية البارزة التجارة بالمحرقة، وأبرزهم اليهودي الأمريكي نورمان فنكلشتاين، وهو ابن لعائلة يهودية نجت من الهولوكوست، في كتابه "صناعة الهولوكوست"، وهو كتاب عرى فيه الدعاية الصهيونية.

ليس لإسرائيل حكر على اليهود، وليس لها حق أخلاقي بالتحدث باسم يهود العالم. وجزء كبير منهم يرفض ذلك بل يدين سياستها ويشارك في النضال السياسي والثقافي في بلادهم ضد نظام الأبارتهايد الإسرائيلي.

إن إسرائيل تلجأ اليوم إلى الأساليب القديمة لمواجهة عزلتها المتزايدة في العالم. وتشترك شخصيات يهودية كثيرة، كتاب ومثقفون، أكاديميون، في حملة المقاطعة المتصاعدة.

ويتخذ هذا النضال قيمة خاصة في ظل العجز الفلسطيني الرسمي والتطبيع القائم مع الاحتلال الرافض أي العجز عن خوض معركة ميدانية مباشرة مع الاحتلال، ومعركة دبلوماسية شاملة على المستوى الدولي لإطباق الخناق حول إسرائيل كنظام احتلالي وأبارتهايد.

هكذا إذاً يقوم مناضلون أحرار من مختلف أنحاء العالم بالتجاوب مع نداءات اللجنة الفلسطينية للمقاطعة لتعرية إسرائيل من ادعاءاتها بالديمقراطية والتنور وباحترام حقوق الإنسان وحقوق المواطن، في المقابل يقوم نفرٌ من أبناء الضحية من أبناء فلسطين بالانخراط بالدعاية الصهيونية ليس لهدف إلا لإرضاء الأسياد وضمان العيش الرغيد.

قد يقول هؤلاء أننا شرحنا مظالمنا في الداخل ولكن كل هذا الكلام فاضي .. . وفي السطر الأخير هذا سلوك مناهض لمنطق الأمور، ومخالف للالتزام الأخلاقي بمحاربة الدعاية الصهيونية، ويلحق ضرراً بالنضال الشرعي لتفكيك بُنية السيطرة ونظام القهر الإسرائيلي، بل هو خيانة لحركة التضامن العالمية المتصاعدة لصالح قضية شعبنا ونضاله من أجل الحرية والعدالة مع نضال الشعب الفلسطيني ... هذا عار.

التعليقات