14/04/2013 - 09:27

ضحية تقاوم!/ د. جمال زحالقة

علينا، نحن الفلسطينيون، ان ندرك الطاقة النضالية الهائلة الكامنة في قضية الأسرى، فهي شاملة تهم الكل، وهي موحدة يدعمها الجميع، وفيها المثال الحي على القمع والمعاناة والبطولة في الآن الواحد وفي الشخص الواحد، ويمكنها ان تكون العامل المحرك لنضال شعبي وحتى لانتفاضة ثالثة، وهناك بواكير ومؤشرات على ذلك في الاشهر الاخيرة.

ضحية تقاوم!/ د. جمال زحالقة


احتلت قضية أسرى الحرية مكاناً هاماً ومميزاً في نضال الشعوب، التي ناضلت من أجل التحرر والاستقلال وبهدف التخلص من كافة أشكال العنصرية والحكم الاجنبي. وكانت الحركة الأسيرة، بما تقوم أو تمر به، محوراً مركزياً في النضال وفي تحريك الشارع.  في جنوب إفريقيا، كانت جلسات المحاكم محفزاً قوياً لخروج مئات الآلاف في مظاهرات غاضبة في كل المناطق.  في ايرلندا الشمالية، استقطبت الإضرابات البطولية عن الطعام، اهتمام الناس، وكانت دافعاً لتصعيد النضال التحرري.  وهناك عشرات، وربما مئات، الأمثلة التي تدل على اهمية قضية السجناء السياسيين في مقاومة الشعوب للاستعمار وللظلم والاستبداد.


الشعب الفلسطيني ليس شاذا عن هذه القاعدة، بل قضية الأسرى عنده أكثر أهمية، بسب النسبة العالية جداً من الأسرى، الحاليين والسابقين، مقارنة بعدد السكان.  في الضفة الغربية وقطاع غزة تحديداً نسبة الأسرى للسكان هي الأعلى في العالم كله، ومن الصعب العثور على عائلة لم يعتقل او يسجن احد ابنائها او بناتها.    السجن هو جزء من حياة الفلسطيني، وقضية الأسرى هي جزء من وجدانه، وهي تحظى بإجماع شعبي وسياسي له أهميته كعامل موحد في ظل الانقسام والشرذمة التي يعاني منها شعبنا. 


علينا، نحن الفلسطينيون، ان ندرك الطاقة النضالية الهائلة الكامنة في قضية الأسرى، فهي شاملة تهم الكل، وهي موحدة يدعمها الجميع، وفيها المثال الحي على القمع والمعاناة والبطولة في الآن الواحد وفي الشخص الواحد، ويمكنها ان تكون العامل المحرك لنضال شعبي وحتى لانتفاضة ثالثة، وهناك بواكير ومؤشرات على ذلك في الاشهر الاخيرة.


لم يعد أحد يستطيع أن يتجاهل قضية أسرى الحرية. كلما جرت محاولة لتهميشها، عادت الى مركز الحدث بقوة أكبر وبحضور أوضح. وقد تناقلت وسائل الإعلام اخباراً عن طرح مسألة إطلاق 120 أسير من القدامى والمرضى والقيادات والنساء في اللقاءات مع اوباما وكيري. ويبدو ان هذه المسألة لم تعد مطلباً فحسب، بل أصبحت شرطاً فلسطينياً لاستئناف التفاوض وللقاء أبو مازن – نتنياهو تحديداً.  ورغم بؤس فكرة التفاوض مع حكومة نتنياهو، فإن مجرد طرح قضية الاسرى كشرط للمفاوضات، جعلها تستقطب اهتماماً سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً غير مسبوق.


لقد زاد الاهتمام الدولي بقضية الأسرى تبعاً للإضرابات المتتالية عن الطعام، وبعلاقة بربطها باستئناف ما يسمى بالعملية السلمية، إضافة الى جهود هامة لمنظمات تضامن ومنظمات حقوقية دولية. السؤال أين الذات الفلسطينية الفاعلة من قضية الأسرى؟  ولماذا غاب حتى الآن الجهد المنظم لاستقطاب الاهتمام الدولي وحشد الضغوط على اسرائيل في هذا المضمار؟  والأهم، كيف يمكن استثمار هذا الاهتمام الدولي بقضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، حتى لا يغدو عابراً بل يصبح ثابتاً ومتواصلاً؟


لا يمكن احالة مسألة الفشل في تدويل قضية الأسرى إلى تقصير إداري أو الى ضعف في الأداء السياسي والدبلوماسي والإعلامي. فحتى لو كان هناك ضعف وتقصير وفشل، تعود العلة إلى الموقف السياسي وحتى الى الثقافة السياسية الفلسطينية، التي اختارت ان تقدم الفلسطيني للعالم كضحية تعاني.  قضية الأسرى تحديداً تخدش هذه الصورة، فالأسير بالتأكيد ضحية، وبالتأكيد يعاني، إلا انه قاوم ويقاوم.  من هنا فإن طرح تدويل قضية الأسرى مرتبط بشكل مباشر ووثيق بتغيير الصورة النمطية للفلسطيني، كما تعرضها المؤسسة والنخب الفلسطينية، من ضحية تعاني، الى ضحية تقاوم! 


من الصعب جداً الحديث بجدية عن الأسرى دون التأكيد على شرعية مقاومة الاحتلال.  إن الادعاء الاسرائيلي المركزي ضد أسرى الحرية هو بممارسة ما يسمى بالإرهاب. وهنا يجب ان يطرح أمام المجتمع الدولي خطاب مضاد، يؤكد انهم جميعاً ضحايا الاحتلال, والشعوب الواقعة تحت الاحتلال لها الحق في مقاومته. هذا كلام يقال أحيانا، لكن يجب ان يقال دائماً!
 

التعليقات