26/04/2013 - 13:47

الحكومة الاسرائيلية الجديدة: هل من جديد؟../ د. باسل غطاس

لست شريكا في التقديرات المنتشرة أن عمر هذه الحكومة سيكون قصيرا، ولا أرى ما سيزعزع استقرارها في المستقبل القريب. ولا أقترح على أحد التعويل على تغيير قريب في إسرائيل أو على إمكانية حدوث انطلاق أو انفراج في ما يسمى تجاوزا عملية السلام

الحكومة الاسرائيلية الجديدة: هل من جديد؟../ د. باسل غطاس

لم تأت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بجديد في تركيب الخارطة السياسية ومواقفها من قضية الصراع في المنطقة، وإمكانيات الوصول إلى حل سلمي من خلال المفاوضات. فقد بقي لليمين أكثرية مطلقة وعاد نتانياهو لرئاسة الحكومة الاسرائيلية  معتمدا على 68 عضوا (من 120 عدد أعضاء البرلمان الإسرائيلي). وجاءت تركيبة الحكومة بائتلاف استثنى الأحزاب الدينية المتزمتة (الحريديم) وظهور تحالف غريب بين حزب يائير لبيد الجديد "يش عتيد" و"حزب البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينيت الذي أعاد توحيد قوى اليمين الصهيوني المتدين (حزب المفدال التاريخي).

لم يتوقع أحد أن يصمد هذا التحالف المفاجئ طيلة فترة المفاوضات، وهو المسؤول عن إقصاء الأحزاب الدينية المتزمتة وكسر رغبة نتانياهو المستميتة لضم الأحزاب الدينية، وضرب التحالف الجديد وتفسيخه. فهل هذا تحالف انتهازي لفترة تشكيل الحكومة أم أنه يحمل مقومات للبقاء لفترة أطول؟

من الواضح أنه على الأقل يشكل تقاربا بين أوساط اليهود العلمانيين من المدن والمراكز السكانية الكبرى (الطبقة الوسطى والأزواج الشابة) وبين اليهود الصهيونيين المتدينيين والذين سيطر عليهم المستوطنون في السنوات الأخيرة، وأصبحو من أكثر الفئات عنصرية ويمينية. هذا التقارب يرجع إلى عاملين هامين: الأول والأهم حاليا هو تقبل المجتمع الإسرائيلي للمستوطنين وعودتهم إلى دائرة المجتمع الشرعية بعد أن كانوا لعقود يلعبون دور الأزعر أو كاوبوي الحارة ومن ينفذ نيابة عن المجتمع الإسرائيلي بأسره جرائم الاحتلال، وينظر اليهم على أنهم الابن المشاكس. وبلا شك هناك داخل أوساط اليمين الصهيوني المتدين أيضا نزعة للابتعاد عن تلك الصورة والعودة إلى حضن الاجماع الصهيوني الدافئ خاصة أن هذا الإجماع هو الذي انزاح باتجاههم وليس العكس.

تركيبة الحكومة الجديدة جاءت  لتعكس أسوأ سيناريو حتى ضمن النتائج المعروفة للانتخابات حيث يسيطر أسوأ ممثلي اليمين واليمين الاستيطاني على المواقع الرئيسية التي تؤثر على الاستيطان وعلى التهويد في القدس وغيرها: وزارة الأمن وزارة الاسكان ووزارة الصناعة والتجارة ولجنة المالية في الكنيست.

لا يغير من هذه الحقيقة شيئا تعيين تسيبي ليفني مسؤولة عن المفاوضات وحتى الدور المجمل للصورة ستفشل في تأديته حيث "ماذا تفعل الماشطة في الشعر العكش" خاصة وأن الماشطة نفسها لا تختلف عن الليكود ونتانياهو في الجوهر وانما فقط بالاسلوب. فليفني تسوق نفسها على أنها تستطيع المراوغة أفضل وإظهار إسرائيل وكأنها أقل تعنتا أو كأنها تعرض تنازلات أكثر. كما وأن بوسعها نسج علاقات ثقة مع الجانب الفلسطيني، وتعتقد جادة أن موضوع الصراع هو موضوع مفاوضات ومشاهد وصور وابتسامات أمام الكاميرا. ولا ننسى أصلا أنها لم تحصل إلا على ستة مقاعد فلا قوة تأثير كبيرة لديها. حزب "يش عتيد" ظل مخلصا لنهجه فابتعد عن الوزارات ذات الصلة المباشرة في الصراع، وأخذ وزارات التي تعنى بالشأن الداخلي فقط.

من ناحية أخرى من المهم أن نلاحظ أن هناك أزمة اقتصادية على الأبواب ستجبر الحكومة على تقليص أكثر من 30 مليار شيكل في الميزانية مما يعني بالمس بالطبقات الفقيرة والوسطى مسا جديا. وكذلك توجد معارضة قوية عدديا  تملك 52 عضوا لكنها معارضة بقيادة حزب العمل لا تعرض بديلا سياسيا واضحا ومثابرا، ولا تحاول أن تتميز عن الليكود، ولا أن تطرح بديلا  في القضية المركزية قضية الصراع والحل السلمي، وانما التركيز على الجوانب الاقتصادية الداخلية، ناهيك عن أن جزءا أساسيا من المعارضة يضم سبعة عشر نائبا من الأحزاب الدينية يسعون جاهدين للعودة للحكومة بكل ثمن.

عليه لست شريكا في التقديرات المنتشرة أن عمر هذه الحكومة سيكون قصيرا، ولا أرى ما سيزعزع استقرارها في المستقبل القريب. ولا أقترح على أحد التعويل على تغيير قريب في إسرائيل أو على إمكانية حدوث انطلاق أو انفراج في ما يسمى تجاوزا عملية السلام.

الأوراق الوحيدة التي يعول عليها هي تلك التي نملكها نحن (الفلسطينيون والعرب ) ولا نحسن أو لا نريد استخدامها ابتداء باستعادة الوحدة الفلسطينية، والتخلص من الآثار الكارثية للانشقاق على الساحة الفلسطينية، ووقف التعاون الأمني، والتخلص عمليا ولو تدريجيا من ممارسات أوسلو والاتفاق على إستراتيجية مقاومة مدنية وشعبية شاملة. وفي نفس الوقت تعزيز قدرات الشعب الفلسطيني على الصمود خاصة في المناطق المتعرضة للتهويد والمصادرة والاقتلاع مثل القدس وسائر المدن الفلسطينية في الداخل خاصة عكا ويافا ومنطقة النقب التي تتعرض هذه الأيام لمحاولة مصادرة أكثر من نصف مليون دونم من أصحابها العرب البدو سكان المنطقة.

نعم هذه هي الطريق التي علينا سلوكها غير مستوحشين لصعوبتها أو لطولها أو لقلة سالكيها ومن العبث برأيي المراهنة على أي طريق أخرى.

التعليقات