10/05/2013 - 19:21

كيف يشرحون لصحافيي الأمن والشرطة معنى التحرش؟!/ مريم فرح

القصة بدأت حين نشرت صحيفة "هآرتس" بالتعاون مع رابطة الصحافيات تحقيقًا عن تعرض صحافيات لتحرش جنسي بداية حياتهن المهنية من قبل الإعلامي المعروف عيمانوئيل روزين. وحسب النشر، تمَّ الكشف عن الموضوع من خلال أحاديث كانت بين مجموعة إعلاميات وصحافيات في الرابطة حول حالات تحرش تعرضن اليها من قبل إعلامي مخضرم وفي نهاية المطاف تبيّن أن روزين هو الصحافي المقصود.

كيف يشرحون لصحافيي الأمن والشرطة معنى التحرش؟!/ مريم فرح

 

فجرَّت فضيحة الإعلامي الإسرائيلي عمانوئيل روزين (القناة العاشرة) شوفينية الإعلام الاسرائيلي مجددًا بعد قضية الرئيس الاسرائيلي موشيه كتساف، التي أشعلت  نيران  الذكورية  في الاعلام قبل عامين. في قضية روزين،  القضية  أكثر تعقيدًا، خصوصًا بما يتعلق بالإعلام الاسرائيلي، الذي طالما تباهى بمساحته "الأخلاقية" الواسعة. 

القصة بدأت حين نشرت صحيفة "هآرتس" بالتعاون مع رابطة الصحافيات تحقيقًا عن تعرض صحافيات لتحرش جنسي بداية حياتهن المهنية من قبل الإعلامي المعروف عيمانوئيل روزين.    وحسب النشر، تمَّ الكشف عن الموضوع من خلال أحاديث كانت بين مجموعة إعلاميات وصحافيات في الرابطة حول حالات تحرش تعرضن اليها من قبل إعلامي مخضرم وفي نهاية المطاف تبيّن أن روزين هو الصحافي المقصود.

أثارت القضية جدلاً واسعًا في الإعلام الاسرائيلي واحتلت عناوين رئيسية في المواقع الإلكترونية والتواصل الإجتماعي على حدٍ سواء. ثمّة من قال إنَّ ما يحدث مع  روزين هو "محاكمة شارع"  ومنهم من قال إنه "أمر طبيعي" وتحليل كثير ساد القضية.

لكن من ضمن الحلقات التي عقدت حول الموضوع، كان هناك أمر لافت  على شاشة القناة الإسرائيلية الثانية يوم الجمعة، وتحديدًا في برنامج أولبان شيشي (استوديو الجمعة) الذي يقدّمه داني كوشمارو. القناة الإسرائيلية خصصّت في حينه تسع دقائق تقريبًا من برنامجها للتحدث عن قضية روزين 

استضاف كوشمارو في برنامجه موشيه نوسباوم مراسل لشؤون الشرطة والأمن الداخلي في القناة الثانية، الذي وصف القضية بأنَّها "دخان بلا نار" لأنه وحتى يوم الجمعة الماضي لم تتحول الشهادات الى شكوى جنائية الى الشرطة. عبَّر نوسباوم عن استيائة إثر اصدار الحكم على روزين دون تحقيق جنائي منصف، وكأن التحرش يحتاج الى الشرطة كي يصادق عليه نوسباوم.  

استضاف البرنامج أيضًا النائبة في الكنيست عن حزب "العمل" ميراف ميخائيلي. سألها كوشمارو: "هل تعتقدين أن عيمانوئيل روزين مغتصب  كما تعتقد زميلتك (الزميلة المقصودة هي مراسلة اذاعة الجيش الاسرائيلي للشؤون الجنائية هداس شطايف التي وصفت روزين بالمغتصب)" ؟  سؤال كوشمارو يوحي وكأنَّ الاغتصاب هو الجريمة الحقيقية، أما التحرش هو مجرد مشاغبة بسيطة وغير مهمة ولاداعي للانشغال بالموضوع أصلاً! 

في البداية أعطت ميخائيلي شرحًا مفصلاً حول مضمون قانون الاغتصاب، حيث قالت إنَّ الاغتصاب اعتبر دومًا جريمة رجل ضد رجل آخر، أي الأخ أو الأب أو الزوج ضد المتغصب، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح النساء شريكات في سن القانون وحاكمات أي اصبحن جزءا منه. 

لم يعجب كوشماروهذا الرد واعتبره "أكاديميا" ولا علاقة له بمضمون القضية الحالية.  واصل كوشمارو محاولة استفزاز ميخائلي وبدا وكأنه يحاول الدخول إلى الشخصي ليبعد  القضية عن الحيز الإعلامي العام ويحصرها بالحيز الخاص الشخصي، وعاد ليسألها: "ماذا تشعرين أنتِ تجاه هذه القضية،  وليس ماذا تفكرين عن  التحرش؟"

فجأة تدخل روني دانييل، محلل الشؤون العسكرية والأمنية للقناة الثانية مقاطعًا ميخائيلي، وأراد - حسب ادعائه- توضيح السؤال.  ابتسم كوشمارو وسمح  له بالتدخل، وقال دانييل بنبرة اتهام:  هل يجوز أن تقام  "محاكمة شارع" في الإعلام؟ أم علينا ان ننتظر كي نتأكد أو لا نتأكد من صحة الشهادات؟

بدأت المعركة بين رجال الجيش والشرطة وبين ميخائيلي التي في هذه اللحظة لم تكن تشبه حزبها . فسرَّت ميخائيلي ماذا يعني قانون التحرش في اسرائيل،  وقالت انه من الممكن أن يكون  التحرش رسالة نصية أو كلمة غير مرغوب بها، وبدت للحظة كأنها تشرح لأطفال عن  ما هو التحرش. 
تعرضت ميخائيلي المرأة الوحيدة  في الأستديو الى الهجوم والمسائلة وكأنها هي التي شهدت  ضد روزين:  "هل رأيت هذه الرسائل والكلمات التي أرسلها روزين  للضحايا"؟  "هل تساءلت ما اذا كانت هذه الشهادات حقيقة أم لا؟  

أجابت ميخائيلي اجابةً بديهية، إن التحرش ممكن أن يحدث لفتيات او نساء شابات ، و أحيانا في هذه المرحلة  من العمر وفي هذا المجتمع الذكوري لا توجد التجربة الكافية والقوة الكافية لمواجهة المتحرش والتصدي له. قاطعها المحلل العسكري وقال لها "لا تتكلمي عنهن وكأنهن ضحايا هن نساء قويات ويعرفن ما يردن"!.

الصاعقة الأخيرة وقعت في هذه اللحظة، وبدا لي وكأن ميخائيلي تتعرض لإعتداء، واختتمت  في جملة التي ارادت ان تلخص بها ما حاولت شرحة لجنود الاستوديو، وقالت : "هناك معنى واحد من كلمة "لا" تقولها المرأة، وهو لا، حتى لو حاولت التفاوض مع كلمة لا في النهاية كلمة لا هي لا."

لا يمكن  تجاهل أن ميراف ميخائيلي في النهاية هي من حزب "العمل" وهو حزب صهيوني،  والصهيونية في مضمونها لا نسوية،  هاتان حركتان (أي النسوية والصهيونية) لا تتماشيان مع بعضهما البعض، لكن كانت لي، كنسوية فلسطينية، أكثر من نقطة التقاء في هذه المداخلة. فما صور للمشاهد الإسرائيلي من خلال المقابلة هو انعكاس للخطاب الإعلامي السائد في قضية روزين. إنَّ المدافعين الذكور عن روزين هم المحلل العسكري ومحلل شؤون الشرطة والأمن الداخلي، أي أنَّهم يمثلّون عسكرة الدولة في مقابل امرأة واحدة تحاول أن تكون منصفة تجاه النساء اللواتي تعرضن للتحرش ويحاولن إثبات صحة قولهن. 

يجب الأخذ بعين الإعتبار أن التحرش لا يبدأ ولا ينتهي بشكوى للشرطة الاسرائيلية، إنَّ معدلَ النساء اللواتي يقدمن شكاوى يترواح بين  1-3% من ضحايا التحرش. هذه المقابلة تشرح ربما أحد الأسباب التي تردع النساء من تقديم شكوى ضد المتحرش. ربما ما يحدث فعلا لروزين هي محكمة اعلامية علنية ولكنها ربما ستكون منصفة للنساء أكثر من الشرطة الإسرائيلية التي تستنزف النساء أحيانا عندما يقدمن الشكاوى . 

بقي أن نسأل  نحن، هل  هناك  روزين يختبئ في مجتمعنا العربي، وهل سيكون لدينا رابطة صحفيات داعمة في حالة فضح عمليات التحرش،  وهل ستكون هناك صحيفة ستجرؤ على اجراء تحقيق مماثل في وسائل الإعلام، مجرد تساؤل!
 

التعليقات