11/05/2013 - 11:36

قدرنا أن نعيش معا../ مصطفى إبراهيم*

إن شيطنة صورة حركة حماس وكافة الحركات الإسلامية، لا تقل خطراً وجنوناً عن محاولة شيطنة وتكفير كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والتقليل من شأنها ووصفها بأوصاف لا تليق بحجم نضالاتها وشهدائها وأسراها وقياداتها التاريخية. و حتى لو كنا شياطيناً وملائكة فنحن شعب يرزح تحت الاحتلال وطريقنا طويلة و قدرنا أن نعيش معا

قدرنا أن نعيش معا../ مصطفى إبراهيم*

زيارة الشيخ يوسف القرضاوي الى قطاع غزة كشفت عوراتنا وخيباتنا الدفينة بعد المحاولات الخجولة لسترها، فالمتابع لما يجري في ساحتنا هذه الأيام يشعر بإحباط وحزن شديد من ما وصلنا إليه من انحطاط قيمي، وانزلاق في شيطنة وتكفير بعضنا البعض، والهجوم العنيف الذي شن من الكل ضد الكل، وحصر كل مشكلاتنا وقضايانا في زيارة الشيخ القرضاوي إلى القطاع، وكأنه السبب في الانقسام وتعميقه.

لا أنكر أنني من الذين يحلمون بتحرير فلسطين كل فلسطين، وأصرح بذلك علناً، وأن إقامة الدولة الديمقراطية الحرة التي يسودها القانون واحترام حقوق الإنسان هي من أمنياتي، ولا أجد حرجا في انتمائي وجدانيا إلى ما تمثله منظمة التحرير الفلسطينية من قيمة وطنية وسياسية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. مع اختلافي مع نهجها السياسي و كثير ممن ينضوون تحت جناحيها المكسرين منذ فترة طويلة بفعل الزمن والتفرد في قيادتها والإهمال والتهميش.

وأدرك أن انتمائي قد يدفعني إلى التعاطف من ينتمون إليها، وأنا الناقد لها ولسياساتها وأقوم وكثر من الحريصين على المطالبة بإعادة الاعتبار لها، و لا يدفعني ذلك التعاطف مع من أنتمي إليهم إلى عدم فضح ما يقومون به من أخطاء بحقنا وبحق أنفسهم.

ومن فترة طويلة منذ تحررت من انتمائي الضيق، وتشكيل علاقاتي من جديد مع جميع أطياف شعبنا الفلسطيني، علمتني السنين والتجربة رؤية الصورة بجميع تفاصيلها، ما أكره وما أحب، وقمت بتدريب نفسي على رؤية كل الناس باختلافاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية.

ومنذ انتخابات 2006، وفوز حركة حماس بأغلبية برلمانية، ظهر الفرز في المجتمع الفلسطيني بشكل واضح، كنت أقاوم قناعاتي بأن هذا الفوز حتى بالرغم من أنه جاء في انتخابات نظيفة، لكن مهما بلغ حجمه فهو لا يعبر عن كافة أطياف الشعب الفلسطيني، ولا يجوز لأي طرف الاستفراد بشعب ما يزال تحت الاحتلال، ومع ذلك دافعت كغيري عن حق حركة حماس في الحكم.

لكن الأمور لم تسر بشكل طبيعي على إثر سيطرة حركة حماس على القطاع بالقوة المسلحة، وما جرى من انقسام مستمر، سبب هزيمة قاسية لمشروعنا الوطني لا زلنا نعاني منه، ومن ممارسة أقسى درجات العنف بجميع أشكاله ضد ذواتنا، ومن تفسخ اجتماعي وسياسي وتشوه في إدارة مشروعنا الوطني والنضال ضد الاحتلال، ومقاومة عدوانه المستمر وسياسته العنصرية وتهويد ما تبقى من وطن مغتصب.

سنوات الانقسام أظهرت بشكل فاضح الفجوة بين طرفين، هما حركة فتح وفصائل منظمة التحرير من جهة وإن لم يكن بعض منها شريكا في السلطة، و مهما أنكرت فصائل المنظمة أنها ليست جزءا من الانقسام فهي شريك أساس في المنظمة، وبين حركة حماس من جهة أخرى ومن يتحالف معها من حركات إسلامية أخرى، وسيطر كل طرف على الإقليم الذي يمتلك القوة فيه وساعدت على ذلك عوامل كثيرة.

وارتكبت السلطتان الحاكمتان خطايا وطنية وسياسية بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتغولتا في التفرد والإقصاء والقمع وارتكاب جرائم بحق الناس وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من اعتقالات وتعذيب ومعاملة قاسية، والاعتداء على الحريات العامة والشخصية وحرية الرأي والتعبير، والاعتداء على الصحافيين وتقييد حرياتهم، ومنع الاجتماعات السلمية وفضها بالقوة، ولم تتوقف المطالبات من منظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان بمحاكمة مرتكبي الجرائم والانتهاكات.

ولم تحترم قواعد الديمقراطية التي غابت ولا تزال في ترسيخ أسس العدل والحكم الرشيد، والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والبطالة، فالضحايا من الجانبين ما يزالان يدفعان الثمن، كما يدفع المواطن الثمن جراء استمرار الانقسام، والحديث عن المقارنة في عدد الضحايا والانتهاكات بحقهم يبقى حديثا سخيفا وغير منصف، والنظر إلى طرفين واحد منهم من الملائكة، والآخر من الشياطين!

وعليه إن التفكير معاً بعقلانية يفرض على المرء إذا أدان ما ارتكب طرف انتهاكات أن يدين الطرف الآخر، إذا كان من مؤيدي فتح، أو من مؤيدي حركة حماس، والتصالح مع النفس والمطالبة بإنزال العقاب القانوني الصارم علي كل من قام بارتكاب اعتداء أياً كان انتماؤه الفكري والسياسي.

إن شيطنة صورة حركة حماس وكافة الحركات الإسلامية، لا تقل خطراً وجنوناً عن محاولة شيطنة وتكفير كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والتقليل من شأنها ووصفها بأوصاف لا تليق بحجم نضالاتها وشهدائها وأسراها وقياداتها التاريخية. و حتى لو كنا شياطيناً وملائكة فنحن شعب يرزح تحت الاحتلال وطريقنا طويلة و قدرنا أن نعيش معا.

التعليقات