24/05/2013 - 11:25

انتخابات الجامعات الفلسطينية... تكريس لثلاثية فتح حماس واليسار../ ماجد عزام*

قدمت نتائج الانتخابات في الجامعات الفلسطينية الثلاث الكبرى في الضفة الغربية صورة عامة عن المشهد السياسي والحزبي في الشارع الفلسطيني، علماً أن الانتخابات كانت دوماً سياسية بامتياز تتجاوز الجانب أو البعد الطلابي الضيق إلى الفضاء الوطني الرحب

انتخابات الجامعات الفلسطينية... تكريس لثلاثية فتح حماس واليسار../ ماجد عزام*

قدمت نتائج الانتخابات في الجامعات الفلسطينية الثلاث الكبرى في الضفة الغربية صورة عامة عن المشهد السياسي والحزبي في الشارع الفلسطيني، علماً أن الانتخابات كانت دوماً سياسية بامتياز تتجاوز الجانب أو البعد الطلابي الضيق إلى الفضاء الوطني الرحب.

جرت الانتخابات في جامعات الضفة الكبرى الثلاث "بير زيت" و"النجاح" و"الخليل". ومع الاحترام لهذه الأخيرة، إلا أن هذا المقال سيركز على قراءة النتائج في أعرق الجامعات بير زيت وأكبرها النجاح، علماً أن نتائج انتخابات جامعة الخليل لم تخرج عن السياق العام للنتائج في بير زيت والنجاح، لجهة تقدم فتح وحضور تنافسي قوي وندي لحماس، رغم الظروف الأمنية غير المناسبة تماماً في الضفة  الغربية، وتكريس الجبهة الشعبية لحضورها كقوة ثالثة في الشارع الفلسطيني قادرة على لعب دور بيضة القبان بين القوتين، خاصة إذا ما تم توحيد قوى اليسار المبعثرة التي حصدت ما يقارب العشرة بالمائة من الأصوات في الجامعات الثلاث.

لا بد من الإشارة إلى أن سبع  أجنحة طلابية تابعة للفصائل الفلسطينية تنافست في انتخابات جامعة بير زيت تجاوزت أربعة منها فقط نسبة الحسم، حيث حصلت فتح على 23 مقعدا في المجلس الطلابي، مقابل 20 مقعدا لحماس، و7 للجبهة الشعبية، ومقعد لتحالف جبهة النضال، والمبادرة الوطنية - فلسطين للجميع - بينما فشلت ثلاث لوائح في تجاوز نسبة الحسم وهي التابعة للجبهة الديموقراطية حزب الشعب وحزب فدا.

أما في جامعة النجاح فتنافست ثماني كتل طلابية، تجاوزت أربع منها نسبة الحسم اللازمة للتمثيل في المجلس الطلابي، حيث حصلت فتح على 43 مقعدا مقابل 33 مقعداً لحماس و3 مقاعد للجبهة الشعبية ومقعدين للجبهة الديموقراطية، بينما فشلت أربع لوائح في تجاوز نسبة الحسم، وهي التابعة لحزب الشعب وحزب فدا وجبهة النضال والمبادرة الوطنية، بعدما فشلت اللائحتان الأخيرتان في التوحد ضمن كتلة فلسطين للجميع، كما حصل في جامعتي بير زيت والخليل.

بعيداً عن المزاج الفئوي الفصائلي والمصالح الضيقة، لهذا الطرف أو ذاك، يجب وضع النتائج السابقة في سياقها السياسي الوطني العام وقراءتها بشكل محايد ومهني ما يتيح الخروج بالاستنتاجات الأساسية التالية:-

- بداية وبشكل عام أظهرت الانتخابات وعي الشعب الفلسطيني وحسّه الوطني العالي، وقدرته بل وتعطشه للتنافس الانتخابي الديموقراطي السلمي، بعيداً عن أجواء الانقسام والاقتتال والتشنج والانفعال التي سادت خلال السنوات الماضية، ومع الأخذ بعين الاعتبار دائماً أن الانتخابات الطلابية كانت سياسية بامتياز وتخطت الجانب أو الإطار الطلابي الضيق في هذه الجامعة أو تلك.

- لأول مرة منذ ست سنوات تجري الانتخابات في الجامعات الكبرى بمشاركة الفصائل الفلسطينية الكبرى مجتمعة، علماً أن حماس شاركت في انتخابات النجاح لأول مرة منذ الانقسام، كما أنها لم تشارك أيضاً ولأكثر من دورة في انتخابات بير زيت نتيجة الأجواء المحتقنة والمتشنجة التي خلّفها الانقسام على الساحة الفلسطينية، وهذه المرة الأولى التي تتنافس فيها حماس وفتح بشكل مباشر ديموقراطي وشفاف في أعرق الجامعات - بير زيت – وأكبرها – النجاح - وهو ما لم يحدث منذ فترة طويلة.

- عند قراءة النتائج لا يجب تجاهل حقيقة أن الظروف الأمنية في الضفة غير مؤاتية تماماً - رغم أنها مقبولة بشكل عام - لتنافس شفاف ديموقراطي ونزيه بين الأجنحة الطلابية للفصائل وتحديداً التابعة لحماس في ظل الملاحقات التي تتعرض لها من الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله، والتي خفت حدتها على أي حال في العام الأخير مع عدم تجاهل الملاحقات الأمنية الإسرائيلية، والتي كانت موجودة على الدوام ولكنها باتت تستهدف بشكل أساسي حركة حماس، وبدرجة أقل فصائل المقاومة الأخرى، وحتماً فهي لا تطال حركة فتح ومؤسساتها بشكل مباشر، وإنما في سياق التضييق على المواطنين الفلسطينيين بشكل عام لجعل حياتهم مستحيلة، كما أقرّ أحد القادة السابقين لجهاز الشاباك في الفيلم الوثائقي الشهير حراس البوابة.

- عموماً أظهرت النتائح تفوقا واضحا وصريحا لحركة فتح، ولكن مع حضور قوي لحماس، خاصة في جامعة بير زيت التي حققت فيها فتح الفوز بفارق ثلاثة مقاعد فقط، وحتى في جامعة النجاح حققت حماس نتيجة لافتة، رغم غيابها لست سنوات عن التنافس، وأعتقد أن الصورة العامة للنتائج لا تنال من حالة التكافؤ النسبية بين الحركتين مع تفوق طفيف لهذه الحركة أو تلك، ولكن يمكن التأكيد بشكل قاطع أن زمن التفرد والاستئثار قد ولّى، وإن من المستحيل على أي منهما قيادة الشعب الفلسطيني بشكل منفرد أو أحادي.

- جاءت نتائج الانتخابات الطلابية مقاربة في سياقها العام لنتائج الانتخابات التشريعية الماضية – 2006 - والتي حازت فيها حركتا حماس وفتح مجتمعتين على ما يقارب الـ85 بالمائة من أصوات الناخبين مع تفوق طفيف لحماس - بحدود 3 بالمائة - بينما حازت الحركتان في الانتخابات الطلابية الأخيرة، على ما يقارب 90 بالمائة من الأصوات ما يظهر حالة التفوق الساحق للحركتين، وعجز أي من الفصائل أو الحركات الأخرى على تشكيل بديل ثالث جذاب وواقعي بإمكانه أن ينال أو يقلص من نفوذ وتثير الحركتين الكبير والواسع جداً في الساحة السياسية الفلسطينية.

- كما دائماً حققت الجبهة الشعبية نتائج لافتة، رغم الأزمات والتحديات المركبة - الفكرية التنظيمية والمالية - التي عانت منها خلال السنوات الماضية، وهي كرّست نفسها في المكانة الثالثة على الساحة الفلسطينية، وهي ستكون بمثابة بيضة القبان بين فتح وحماس في أي انتخابات قادمة، خاصة إذا ما تم اتباع النظام النسبي بالكامل، وهذا عملياً ما فعلته الجبهة في جامعة بير زيت، حيث رفضت التحالف بشكل ثنائي مع حماس أو فتح وأصرت على تشكيل المجلس الطلابي وفق النظام النسبي وبما يتلاءم مع النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات والتي حالت دون تحقيق فتح أو حماس الأغلبية البسيطة موقف الجبهة المعاند المصمم، ولكن المحق أثمر في تشكيل مجلس طلابي متنوع ووطني أعطى فتح خمس لجان طلابية مقابل أربع لحماس ولجنتين للجبهة في مشهد يمكن أن يتكرر في المؤسسات السياسية أيضاً.

- في السياق نفسه لا بد من قول شيء ما عن اليسار الفلسطيني، الذي خاض الانتخابات بخمس قوائم في بير زيت وستة في النجاح، ما أدى طبعاً إلى تشتت الأصوات والحيلولة دون تشكيل كتلة مانعة وحاسمة أمام فتح وحماس، حتى في جامعة النجاح؛ علماً أن لوائح اليسار حازت مجتمعة على ما يقارب العشرة بالمائة من الأصوات ما يعنى أنها إذا ما توحدت قادرة فعلاً على تشكيل جسم مانع طلابي ووطني، يحول دون الاستئثار أو المحاصصة ليس فقط في السياق الطلابي، وإنما في السياق الوطني العام أيضا.

- لا بد من الإشارة إلى الغياب اللافت لحركة الجهاد الإسلامي عن الانتخابات الطلابية في جامعات الضفة الكبرى، وهذا لا يعود بالتأكيد إلى الحملات الأمنية ضدها، كون حماس تتعرض إلى مضايقات واعتقالات وحملات أضعاف أضعاف ما تتعرض له الجهاد، بينما يكمن السبب الحقيقي لهذا الغياب في افتقاد الحركة إلى بنى ومؤسسات تنظيمية جدية وفاعلة، وتحديداً في الضفة الغربية علماً أن هذا المنحى إذا ما استمر على المدى الطويل فسيؤدي حتماً إلى غياب كلّي للحركة عن المشهد السياسي الفلسطيني العام، كما حصل مع تنظيمات فلسطينية مماثلة ركزت على البعد العسكري من الخيار المقاوم – وتجاهلت الأبعاد والأشكال الأخرى - وهي اختفت أو كادت من الساحة الفلسطينية والبعض منها لم يتجاوز نسبة الحسم لا في الانتخابات التشريعية الماضية، ولا حتى في الانتخابات الطلابية الأخيرة.

- يفترض أن تشكل الانتخابات الطلابية الشفافة والنزيهة الوطنية والديموقراطية حافزاً في اتجاهين متكاملين غير متناقضين الأول ضرورة إجراء الانتحابات في جامعات قطاع غزة، وأيضاً وفق النظام النسبي الكامل وكخطوة باتجاه تهيئة الظروف نحو إنهاء الانقسام وإجراء العملية الديمقراطية بمستوياتها الوطنية المختلفة – السلطة المجلس التشريعي والمجلس الوطني - خاصة أن الانتخابات الطلابية أظهرت مدى الإجحاف الحاصل في تشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي يفترض أن تشكل المرجعية الوطنية والإطار القيادي الأعلى للشعب الفلسطيني كون أربعة من اللوائح التي لم تتجاوز نسبة الحسم تتمثل تنظيماتها في اللجنة التنفيذية للمنظمة، التي لا تعبر حتماً عن المزاج الشعبي الفلسطيني الحالي، مع الفصل طبعاً بين اللجنة التنفيذية والمنظمة التي كانت وما زالت بمثابة الوطن المعنوي لنا في الداخل والخارج.

في الأخير وباختصار، وكما في زمن الاحتلال المباشر للضفة الغربية وقطاع غزة قبل تأسيس السلطة لم تكن العملية الوطنية الانتخابية الطلابية النقابية والبلدية جزءاً من سيرورة التساوق مع الاحتلال وتجلياته كونها تندرج في سياق إدارة الصراع معه، ولا بد أن تجري اليوم بشكل يتلاءم ويتساوق مع الزمن الجديد ومتغيراته لجهة إعطاء الحسم والكلمة الأخيرة للمرجعية العليا، أي للشعب الفلسطيني من أجل الفصل ليس فقط بين البرامج، وإنما حتى بين الشخصيات والفصائل التى يراها مؤهلة أكثر لقيادة الشعب الفلسطيني نحو الاستقلال والعودة وتقرير المصير.

التعليقات