31/05/2013 - 11:48

نحو حراك شبابي عابر للتموقع/ ربيع عيد

تأسيسنا لحراك شبابي قطري موحد يجب ألا يتناقض مع وجودنا في حزب/ حركة/ جمعية كما وجودنا في حزب/ حركة/ جمعية، لا يتناقض مع سعينا لتأسيس هذا الحراك القُطري الموحد، فهذا الحراك العابر لحالة التموقع السائدة اليوم ينبع بالأساس من الحاجة لهذا الحراك الجديد على الساحة السياسية والمجتمعية بهدف الارتقاء أكثر بالنضال على قضايانا الوطنية – القومية إضافة لليومية، في ظل استمرار وتصاعد المشروع الصهيوني الذي يهدد هويتنا وشكل وجودنا عبر مشاريع ومخططات وقوانين تستهدف الأرض والإنسان العربي الفلسطيني في البلاد، اضافة لمحاربة آفاتنا المجتمعية الداخلية.

نحو حراك شبابي عابر للتموقع/ ربيع عيد

يَطرح في السنوات الأخيرة العديد من الناشطين الشباب في الداخل الفلسطيني سؤال غياب الحراك الشبابي العربي الفلسطيني القطري المنظم، في ظل تصاعد الدور البارز والمهم للحركات الشبابية على اختلافها على الساحة السياسية والاجتماعية بعد مرحلة هبة القدس والأقصى عام 2000 التي نعتبرها حدثا مفصليا في تاريخ عرب الداخل، على صعيد العلاقة مع المؤسسة الإسرائيلية ورفع سقف خطاب المواجهة من خطاب يطالب بالمساواة الى خطاب متناقض مع هوية اسرائيل كدولة يهودية قائمة على أنقاض شعبنا وتعتمد النكران لروايتنا التاريخية، والاستمرار الشرس فيما بدأ عام 1948 من احتلال ومصادرة الأراضي والتنكر لحقوقنا كشعب فلسطيني وفي حالتنا كمواطنين في كيان استعماري اسمه اسرائيل.

وفي اعتقادي أن السؤال المطروح في هذه المرحلة بالذات، التي تخوض فيها الشعوب العربية في الوطن العربي نضالا ضد الإستبداد وثورات تطالب بالحرية والعدالة الإجتماعية والتحول الديمقراطي عمادها الأساسي الشباب، يجب أن يوجه هذا السؤال داخليا نحو الحركات الشبابية نفسها ونشطائها، بشكل جدي يسعى نحو بلورة رؤية عمل جديدة تتجاوز حالة الرضا او عدم الرضا الذاتي للحراك الحاصل في السنوات الأخيرة، بهدف انتقالنا لمرحلة أكثر فعاليةً وتأثيرا على المشهد السياسي المتسارع محليا وفلسطينيا.

ونقصد الفصل في هذه المرحلة على الأقل بين المحلي (الداخل الفلسطيني48) وبين الحراك الشبابي الفلسطيني العام في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والمخيمات والشتات، ليس قبولا بحالة التجزئة التي تسود الوضع الفلسطيني العام الذي أنتجه الاحتلال الإسرائيلي المدعوم من الدول الإمبريالية، وضياع المشروع الوطني الفلسطيني بعد أوهام أوسلو، والرهان على خيار المفاوضات كحل وحيد للقضية الفلسطينية، بقدر ما نصبو أولا لأن يكون هنالك حراك شبابي منظم قائم بحد ذاته في كل مكان من أماكن تواجد الشعب الفلسطيني الذي يتعامل مع ظروف وخصوصية تختلف من مكان عن آخر بفعل واقع التجزئة الذي فَرض نفسه في كل مكان، قبلنا ذلك أم لم نقبل، إلا أنه هذا هو الواقع الحالي المرير الذي يجب تجاوزه لخلق حالة جديدة موحدة بعد تأسيس الحراك الشبابي المنظم في كل مكان، ولهذا مقال خاص لاحقا، مع التأكيد على ضرورة البدء بعملية التفكير لهذا الحراك الشبابي الفلسطيني الموحد العابر لواقع التجزئة بالتوازي مع عملية مأسسة الحراك محليا في مختلف أماكن تواجد الشعب الفلسطيني.

وعودة للداخل الفلسطيني، شهد الحراك الشبابي في العقد الأخير نشاطا غير مسبوق ميّز حُقبة "ما بعد الهبة" شهد فيه مدًا وجزرًا، وحقّق إنجازات عديدة كما واجهته انتكاسات وتراجعات. إلا أن هنالك تطورا مهما لهذا الحراك على صعيدين: الأول تراكمي، إذ أفضت عملية العمل الشبابي (الحزبي، المؤسساتي والمستقل) في مراحل سابقة لإنتاج شريحة أوسع من الشباب الناشط مع قدرة على الفعالية والمبادرة بشكل أكبر وأكثر تنوعا وتفرعًا على صعيد المواضيع والقضايا المُثارة والمعمول عليها.

أما التحول الثاني فهو تجاوزي، والمقصود بتجاوزي هو تجاوز الثقافة الكلاسيكية للعمل والأداء الشبابي الذي أنتجته بالأساس الأحزاب والحركات السياسية، إضافة لتجاوز (وليس إلغاء) الدور والسقف السياسي لهذه الأحزاب والحركات السياسية، التي تتمثل بلجنة المتابعة العُليا للجماهير العربية، لنرى العديد من الأنشطة التي بادر لها الشبا،ب وسبقوا فيها الأحزاب خطابا وأداء وإبداعًا، وآخر مثال على ذلك قضية إضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال، التي تمثل النضال الفلسطيني العام في هذه المرحلة، إضافة للمظاهر التاريخية في حيفا ضد العنف.

وعندما نتحدث عن الحراك الشبابي في الداخل، لا بد لنا أن نرسم خارطة لهذا الحراك والمواقع المختلفة التي ينطلق منها كي نوضح صورته ونحددها، ولتشخيص مواطن القوة، وشروط دفع الحراك للتنظم مستقبلا، بشكل قطري موحد (وليس وحدوي) عبر تجاوز حالة التموقع هذه دون إيذاء الموقع بالضرورة.

نستطيع تقسيم الحراك الشبابي في الداخل الفلسطيني الى ثلاثة محاور ومواقع: أولا شباب الأحزاب والحركات السياسية، يشمل حركاتها الطلابية في الجامعات والكليات. ثانيا شباب مؤسسات المجتمع الأهلي المدني، ثالثا شباب الحركات الشبابية المستقلة والنشطاء المستقلين.

لا يستطيع كل موقع من هذه المواقع الثلاثة، الانطلاق بهذا الحراك لوحده لعدة أسباب، تاريخيا لم نر هذا الأمر يحصل، إضافة الى محدودية كل موقع من خصوصيته التي قد تمنعه من إطلاق هكذا حراك، تحتم عليه أن ينشط في فلك محدد، فللأحزاب والحركات السياسية برامجها السياسية وأيديولوجيتها وأجنداتها وحساباتها الخاصة، ولا تستطيع أن تمثل كل شريحة الشباب، والجمعيات مكبلة بحجم التمويل لمشاريعها، ولا تستطيع أن تحتضن حراكا بهذا الحجم، والحركات الشبابية المستقلة والمستقلون لا يستطيعون إطلاق هذا المشروع وحدهم دون المواقع الأخرى، وتجارب السابق أثبتت أن العديد من الحركات الشبابية التي قامت بنشاط مذهل اندثرت مع الوقت، بعد انتهاء الهدف الذي انطلقت لأجله (جائعون للحرية مثلا) أو تبدل الظروف الحياتية للقيمين على الحركة (تعليم، عمل، سفر.. إلخ) وعدم إمكانية الحركة على خلق استمرارية لنفسها.

وأحد أهم الأسباب لعدم انطلاق حراك شبابي قطري منظم وموحد، هو حالة التموقع التي نضع أنفسنا بها كناشطين، كل منا داخل موقعه، والعمل من خلال هذا الموقع، وفي أفضل الأحيان يكون عمل وحدوي بين هذه المواقع في نشاط مشترك معين محدود، مثال على ذلك الائتلاف الشبابي لمناهضة الخدمة المدنية، إذ أن جلوس الناشطين على طاولة مشتركة يأتي على شاكلة كل شخص من موقعه لتنظيم نشاط وحدوي كمواقع وليس كحراك شبابي موحد ينطلق من منطلق حالة شبابية عامة مستمرة وقابلة للتطور كحراك وليس كحركة.

العقم الأساسي للانطلاق هو نقطة انطلاق تفكيرنا، هل أنا أجلس هنا لأمثل حزبا/ حركة/ جمعية كي ننظم نشاطا مع حزب آخر/حركة أخرى/ جمعية أخرى مشتركة، أم أنا أجلس هنا كناشط شبابي لأمثل وأحقق تطلعات وأهدافًا معينة، وفي نفس الوقت أنشط في حزب/ حركة/ جمعية، الأمر الذي لا يتناقض أبدا بين كوني أسعى لحراك شبابي قطري عام ومستديم وبين نشاطي في حزب/حركة/جمعية.

تأسيسنا لحراك شبابي قطري موحد يجب ألا يتناقض مع وجودنا في حزب/ حركة/ جمعية كما وجودنا في حزب/ حركة/ جمعية، لا يتناقض مع سعينا لتأسيس هذا الحراك القُطري الموحد، فهذا الحراك العابر لحالة التموقع السائدة اليوم ينبع بالأساس من الحاجة لهذا الحراك الجديد على الساحة السياسية والمجتمعية بهدف الارتقاء أكثر بالنضال على قضايانا الوطنية – القومية إضافة لليومية، في ظل استمرار وتصاعد المشروع الصهيوني الذي يهدد هويتنا وشكل وجودنا عبر مشاريع ومخططات وقوانين تستهدف الأرض والإنسان العربي الفلسطيني في البلاد، إضافة لمحاربة آفاتنا المجتمعية الداخلية.

وعلى هذا الحراك أيضا أن يتجاوز أخطاء شهدها في الماضي كانت سببًا في اندثار حركات شبابية معينة في عدة بلدات عربية، طبعا مع التأكيد على تجاوز إمكانية صبغ الحراك بلون حزبي أو أيديولوجي معين أو جره لنقاش "إسلامي – علماني"، على شاكلة ما يحدث في أيامنا هذه في الوطن العربي من نقاشات ما بعد الثورة نحن بغنى عنها، ونستطيع إدارتها داخليا بشكل لا يوصل لحالة استقطاب وتنافس. إضافة لذلك الابتعاد عن الراديكالية المفرطة التي تجتاح أحيانا النشاطات الشبابية والاقتراب من الناس والشارع، كي يكون الشارع حاضنة لهذا الحراك وتقديم نموذج مختلف عما شهدته الساحة العربية في الداخل سابقا. إضافة أيضا لنبذ التنافس الشخصي وحب الظهور الذي نراه في بعض الأحيان بين الناشطين الشباب، فهذه كلها عوامل سوف تكون معيقا لعمل الحراك المنشود وتطوره.

السنوات السابقة والحالية تزخر بأمثلة لأنشطة شبابية في عدة بلدات عربية يمكن أن تكون نموذجا يتأسس عليه مشروع أكبر، مثل الحراك الجديد في النقب، الحراك المتأسس حديثا في حيفا، الحراك الشبابي في مدن الساحل (حركة الشبيبة اليافية)، الحركات الشبابية في المثلث وغيرها.

وهكذا مشروع لن ينطلق وينجح إن لم نؤمن بضرورة وجوده، والافتراض مسبقا أننا نسعى لتأسيسه بشكل مُنظم وتطويره، ليكون الممثل الحقيقي لشريحة الشباب العرب، وهذه المقالة دعوة للبدء بتأسيس هذا الحراك.

* صحفي وناشط شبابي
 

التعليقات