18/06/2013 - 16:00

جدلية التعليم ـ العنف ـ الفقر../ أحمد. م. جابر

يعتبر وقف العنف ضد المرأة، قضية أساسية من قضايا حقوق الإنسان، كما أقرها المجتمع الدولي في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد في فيينا عام 1993

جدلية التعليم ـ العنف ـ الفقر../ أحمد. م. جابر

يعتبر وقف العنف ضد المرأة، قضية أساسية من قضايا حقوق الإنسان، كما أقرها المجتمع الدولي في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد في فيينا عام 1993.

وقد اعتبر العنف ضد المرأة عائقاً أساسياً في مواجهة الجهود التي تبذل على المستويات المحلية والعالمية لدعم برامج التنمية والتي شكل فيها التخلص من الفقر عموماً، ومن فقر النساء على وجه الخصوص حلقة مركزية، وفي الوقت الذي يعد الحق في التعليم عنصراً أساسياً في حقوق الإنسان كما هو مبين في الشرعة الدولية، فإننا نلحظ ارتباطاً جدلياً بين هذه المفاهيم الثلاثة: التعليم والعنف والفقر، حيث تتأثر ببعضها البعض وتساهم إخفاقاتها في دعم غيرها من العناصر.

سأسعى هنا إلى إلقاء الضوء على هذه العلاقة الجدلية، وكشف كيف أن العنف يشكل عاملاً أساسياً في الفقر الذي تعاني منه ملايين النساء عبر العالم، وكذلك في الفشل في حصولها على الحق الأساسي في التعليم، وسنرى كيف أن الفقر بدوره عنصر تدميري للجهود المتواصلة لتحصيل التعليم للنساء وكذلك تعرضهن للعنف.

العنف والفقر.. حلقة مفرغة

لا يمكن اعتبار العنف ضد المرأة قضية هامشية في سياق عملية التنمية الاجتماعية عموماً، حيث يؤدي استخدام الرجل للعنف لنتائج أبعد كثيراً من جدران المنزل، حيث أن الرجل باستخدام العنف يمنع المرأة مباشرة أو غير مباشرة من اكتساب حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمدنية والسياسية ويتفاعل كما تلاحظ الدراسات، كل من الفقر والعنف في مركب دائري من السببية، حيث أن الفقر يمكن أن يكون عاملاً أساسياً في عجز المرأة عن مواجهة العنف الذي تواجهه ـ نحن هنا نتحدث عن العنف بأشكاله المختلفة الجنسية، والاقتصادية، والنفسية، والحسية ـ كما أن العنف يكون سبباً رئيسياً في حرمان المرأة، وقذفها في محرقة الفقر التي لا ترحم.

فالفقر يقلل من قدرة النساء على مواجهة الاضطهاد الذي يتعرض له، والمرأة تواجه خطر التعرض للعنف لأنها أكثر عرضة للإيذاء والتحرش الجنسي من جانب الرجل.

وقد أثبتت الدراسات أثناء فترات الأزمة في مجتمعات مختلفة أنه في حال تعرض دور الرجل التقليدي في كسب الرزق للتهديد ـ بسبب الإغلاق، والبطالة، وعدم السماح بالعمل ـ فإنه يشعر أن رجولته مهددة، لذلك يعوض بقيامه أفعالاً عنيفة ضد المرأة، كونه غير قادر على إشباع حاجات أسرته وخوفه من فقدان رجولته بسبب انتقال مركز الثقل الاقتصادي. لذلك فالضرب هو الوسيلة المتاحة لتفريغ شحنة الكبت والاضطهاد ولإثبات قوته وسيطرته على الأسرة.

وبالمقابل فإن فقر المرأة واضطرارها للخروج للعمل في ظروف صعبة  يجعلها عرضة أكثر للاستفراد بها، وللعنف الذي قد تتعرض له من رب العمل، أو من المجتمع الذي ينظر إليها شذراً لقيامها بدور لا يعترف لها به.

وهكذا إذا كان الفقر يلعب دوراً رئيسياً في العنف، فإن العكس صحيح أيضاً، فهما يتفاعلان في حلقة مفرغة، فالعنف الذي تتعرض له المرأة، أو تخاف من التعرض له، يضعها أسيرة جدار حديدي لا يمكن كسره، ويساعد على تعميق اعتماد المرأة على الرجل ما يجعلها بالتالي غير قادرة على تحدي عنفه ومواجهته. فالعنف يحدّ من اختياراتها ومن إنتاجها وقدرتها على المساومة بفعالية على حقوقها. كما أن العنف ضد المرأة يعوق فرص التنمية الاجتماعية والاقتصادية وهو ما بدأ صناع السياسات بتلمسه.

التعليم والفقر..

طبعاً تعتبر سلطة الذكر في العالم الثالث وقدرته على حرمان المرأة من التعليم شكلاً أساسياً من أشكال العنف المطبق ضدها، وهنا يصبح العنف عاملاً تدخلياً رئيسياً في ثنائية التعليم والفقر والعلاقة الجدلية بينهما.

بالتأكيد إن الحق في التعليم من أهم الحقوق الإنسانية وهو عنصر يمكن استثماره في البناء والتنمية الاجتماعية، وهو وسيلة وأداة هامة لتحقيق هذه التنمية.

وعبر حرمانها من التعليم، تحرم المرأة من تطوير حياتها وتجاوز واقعها، حيث تتقلص الخيارات أمامها وتقبع في محرقة الفقر التي لا يمكن الخروج منها بدون الحصول على تدريب ومهارات وثقافة مناسبة تتيح للمرأة أن تساوم على خيارات العمل، وأن تختار الأفضل عبر تسلحها بالقدرة على التغيير وبالأساس القدرة على الرفض إذا لم يكن الخيار مناسباً.

والعلاقة بين التعليم والفقر أصبحت واضحة ولا تحتاج كثيراً من الإثباتات، ولكن الجوهر في ضرورة المحاربة من أجل حق المرأة في التعليم، هو أنه يحررها من الاضطهاد والعنف عبر إمساكها قدرها بيديها، وعدم خضوعها للاعتماد الأبدي على الذكر ـ ولي الأمر ـ مما يعني أيضاً قدرتها على التصدي للاضطهاد الذي تتعرض له ومواجهة العنف الذي لا يعزي به جهلها وعجزها وعدم امتلاك القدرات والمهارات المطلوبة لمواجهة عالم معقد تتراكم فيه الصعوبات أمام الجميع.

وبالخلاصة، إن إستراتيجيات التنمية البشرية للمجتمعات، التي تسعى للتقدم لا بد أن تلحظ هذه العلاقات بين العناصر الثلاثة، عبر تكريس تشريعات وقوانين صارمة تحارب العنف ضد المرأة وتمنحها سلاحاً هي نفسها لمواجهته عبر التعليم الذي نحمي به بناتنا ليس فقط من الجهل ولكن من الفقر أيضاً ومن انتهاك كرامتهن التي سيبادر إليها كل من يلمس ضعفهن وعجزهن عن المقاومة وغياب الخيارات لديهن..

التعليقات