03/07/2013 - 16:34

30 يونيو: المتسلقون والسيناريوهات الممكنة / علي مواسي

كثيرون ممن يؤيدون هبة "30 يونيو" المستكملة لثورة 25 يناير، والتي تعتبر موجةً من موجاتها، لا يفعلون ذلك إيمانًا بجوهر منطلقاتها، والمتمثلة برؤية ومطالب حركة "تمرد" و"جبهة 30 يونيو" المتشكلة عشية الهبة.

30 يونيو: المتسلقون والسيناريوهات الممكنة / علي مواسي

كثيرون ممن يظهرون تأييدًا لهبة "30 يونيو" المستكملة لثورة 25 يناير، والتي تعتبر موجةً من موجاتها، لا يفعلون ذلك إيمانًا بجوهر منطلقاتها، والمتمثلة برؤية ومطالب حركة "تمرد" و"جبهة 30 يونيو" المتشكلة عشية الهبة، إنما تسلقًا عليها واستغلالًا غير بريءٍ لها.

- منهم علمانيون ولا دينيون "تكفيريون" يؤيدون "30 يونيو" حقدًا على الإسلام، مكونًا هوياتيًّا وثقافيًّا حضاريًّا، لا مشروعًا سياسيًّا وحسب، وهذا ليس من منطلقات "30 يونيو".

- هناك فلول انتهازيون، فشلت القوى السياسية المصرية الثورية في استئصالهم على مدار العامين ونصف العام، لا بل عقد الإخوان المسلمون أنفسهم صفقات مع بعضهم، دوافعها المصالح الحزبية والاقتصادية الضيقة، ويكفي دلالةً على ذلك التحالف الأهم مع مجلس مبارك العسكري بقيادة الطنطاوي إلى أن انقلب الثاني على الاول، فانقض الأول عليه.

- فلسطينيًّا، هناك الحاقدون على حركة "حماس"، ويسقطون حالة الإخوان في مصر بأي ثمن على "حماس" في غزة، يشاركون في ذلك الفلول وإعلامهم الذي بات اتهام الفلسطيني وتوريطه بالمآسي المصرية الداخلية عنصرًا مركزيًّا في خطابهم، ربما لحاجة إلى وجود عدو وهمي مضخم يواسيهم في أفولهم، حتى بات البعض يقول تندرًا: إنه لو تطلق رجل وامرأة مصريان في أي حارة من حواري مصر، فإن السبب في ذلك "حماس" والفلسطينيون!

- الأنكى من كل من تقدموا، أنصار النظام الأسدي، والذي يستغل في هذا الوقت انشغال الرأي العام العربي والعالمي بما يحصل في مصر لينقض بعنفٍ أكبر على الشعب السوري. هؤلاء يفاجئوننا وبشكل مذهل وغرائبي كل مرة بقدرتهم على الانحياز للشعوب وإراداتها وانتفاضاتها ومطالبها وفق أهوائهم وأمزجتهم (تركيا سابقًا)، لا بل وفاجأوا أكثر عندما صار "الخريف العربي" بلغتهم "ربيعًا عربيا" في ليلةٍ وضحاها! أليس هؤلاء أنفسهم من أيدوا ويؤيدون سحق إرادة الشعب السوري التي لا تختلف أبدًا في المنطلقات والمطالب عن إرادات شعوب الثورات العربية، وكانوا جزءًا من تحويل الأمور في سوريا إلى دائرة من دماء، وكان تعنتهم واستكبارهم ونرجسيتهم حصان طروادة للأجنبي الشرقي والغربي معًا؟! أليس هؤلاء من نجدهم خرسين خرس الشيطان عن الحق لا يقولون شيئًا عن الانتفاضة العراقية الشعبية على مدار شهورٍ مضت ضد مالكي الدبابة الأمريكية والتغلغل الإيراني في شؤون العراق؟!

تصحيحًا لمسار ثورة 25 يناير

رؤى حركة "تمرد" التي يقودها شباب ثوري ديمقراطي حقيقي، ومن ثم "جبهة 30 يونيو" التي تضم قوى معارضة مختلفة وطنية، والمعبر عنها من خلال البيانات والمطالب الرسمية الصادرة، والتي من أجلها خرجت الملايين في شوارع مصر وميادينها، لا علاقة لها أبدًا بغايات ونوايا كل من تقدموا.

هؤلاء هبوا تصحيحًا لمسار ثورة 25 يناير واستكمالًا لها لا حقدًا على الإسلام، ولا ليعود فلول نظامٍ مخلوعٍ أسقطوه بدمائهم، ولا ليحكم المجلس العسكري مجددًا وقد أذاقهم الأمرين وقت تحالف الإخوان معه، ولا انتقامًا من "حماس" والفلسطيني "الغول" الأسطوري! أليس هم من هتفت حناجرهم المليونية: عالقدس رايحين شهداء بالملايين، وأكدوا مرارًا وتكرارًا على كون فلسطين بوصلة، عاطفةً ومشروعًا سياسيًّا.

هم لم يهبوا كذلك لسواد عيون النظام السوري الفاشي وأنصاره، إذ رفعت غالبية القوى السياسية المصرية على اختلافها أعلام الثورة السورية في قلب ميادين التحرير، وأعلنت موقفها المؤيد لها، وكانت تطالب مرسي بإغلاق سفارة نظامه في وقت كان الأخير فيه مَرْضِيًّا عنه، وإن لفترة قصيرة، من دمشق وإيران وموسكو.

ليست ثورة على عام واحد من حكم الإخوان!

وأيضًا، فإن المصريين لا يثورون على عام واحد من حكم مرسي وفقط، هذه الديباجة المتمسك بأذيالها الإخوان المسلمون وأنصارهم، قائلين للعالم إنه لم يحصل على فرصته، وإنه رئيس شرعي بحكم صناديق الاقتراع والدستور. يثور المصريون اليوم على عامين ونصف العام من طعن الثورة المستمر في الظهر، والاحتكار، والإقصاء، ونكث العهود وإخلاف الوعود، والإخفاق في إدارة مختلف الملفات الداخلية والخارجية رغم الدعم الغربي الواضح لحكم الإخوان، وليس المجال يتسع الآن لجرد الأمثلة والأدلة على ذلك، وهي كثيرة جدًّا، تبدأ من التحالف مع مجلس مبارك العسكري برئاسة الطنطاوي، وانتهاءً بسياسة تعيين المحافظين الاعتباطية والتضييق على الحريات الإعلامية والثقافية، مرورًا بأزمة الإعلان الدستوري 2012، والإصرار على طرح الدستور للاستفتاء رغم عدم التوافق عليه وإقراره بغالبية ضئيلة، والإيغال في احتكار الدين مصدرًا لنيل شرعية وكأنه ملك لحزب أو فئة معينة.

في المقابل، أخفقت المعارضة السياسية المصرية الرسمية إخفاقات كثيرة جدًّا، لتخبطها، وانعدام الرؤية السياسية لديها، وتشرذمها، وتحالفها مع بعض رموز النظام السابق بادعاء أنهم لم يكونوا جزءًا مركزيًّا منه ومن جرائمه، مثل عمرو موسى والنائب العام عبد المجيد عمرو، الذي كانت من أهم مطالبهم إقالته!

وإن من دوافع حركة "تمرد" وجماهير "30 يونيو" الغاضبة أخذ زمام الأمور بنفسها، أمام عجز المعارضة وإخفاقاتها، إنقاذًا للثورة من الانحراف مجددًا نحو الاستبداد بخلق توازن قوى حقيقي على الأرض، وتوجيه صفعة لقيادات المعارضة.

سيناريوهات ممكنة

السيناريوهات التي تنتظر مصر وثورتها وشعبها الآن متعددة، خاصة مع بدء الإسلام السياسي بحشد حشوده ردّةَ فعل على صدمة "30 يونيو"، وهي حشود كبيرة وإن قلت قياسًا مع الفريق المقابل المعارض. أفضل تلك السيناريوهات الممكنة تشكيل حكومة وحدة وطنية تشاركية ومجلس رئاسي ثوري، يقودان مرحلة انتقالية قصيرة يطرح خلالها دستور توافقي جامع، وتنظيم انتخابات تشريعية ومن ثم انتخابات رئاسية؛ أما أسوأها فهو حصول انقلاب عسكري، وهذا مستبعد حتى الآن ليقظة الشارع، أو دخول مصر مرحلة من التطاحن الدموي، خاصة مع ما نشهده من طروحات استكبارية عنيدة ذات مضامين "جهادية استشهادية" تطلق من على منصة مؤيدي الإخوان في ميدان رابعة العدوية، في مقابل تأكيد قوى المعارضة على ضرورة "السلمية"، والهتافات المليونية بهذا الشعار في ميدان التحرير وغيره. هذا مع ضرورة عدم إنكار التجاوزات التي تقوم بها قلة من الفريق الأخير تجاه مقار ومناصري الإخوان، تدان بأقسى أشكال الإدانة، ويجب أن يحاسب مرتكبوها بمقتضى القانون.

أن "يضحي" الإخوان بمرسي، خاصةً وأنهم قطعوا تمامًا شعرة معاوية مع قوى المعارضة، وكل مؤسسات الدولة والوطن من جيش، وشرطة، وقضاء، وأزهر وكنيسة، ومع نخب المثقفين والفنانين، أمر ينقذ مستقبلهم السياسي ويمنع انزلاق البلاد إلى دائرة صراع دموي.

وأن تَثْبَتَ حركة "تمرد"، ومن ثم "جبهة 30 يونيو"، على رؤيتها ومطالبها المحددة في بيانها الثوري الأول، مع الإصرار على "سلمية" فعلها الثوري، وتوخي فائق الحذر من عودة المجلس العسكري للحكم، أمور تنقذ الثورة المصرية وتصحح مسارها، وتقود البلاد لبر الأمان.

لتكن ثورتكم مباركة يا شعب مصر العظيم.

التعليقات